الإسلام قادم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. أمَّا بعدُ:
فقد وعد الله سبحانه وتعالى بإظهار دينه وإعلاء كلمته على كلِّ الأديان الباطلة، والملل المنحرفة، وهذا وعدٌ منه, والله لا يُخلف الميعادَ..
لكن الناظر اليوم إلى حال المسلمين يجد أن وضع الأمة الحالي لا يؤهلها للنصر بسبب التخلف المريع، تخلف عن الدين، وتخلف عن أمور الدنيا، وتخلف عن أساليب الدفاع عن النفس. واستجداء الآخرين هو السمة التي تميزهم عن غيرهم! مع أن الإسلام يأمرنا بالعزة والاعتماد على الله, ثم على ما أنتجته النفس، وينهى عن التواكل واستجداء الآخرين..
إننا حينما نقول إن الإسلام قادم نقول ذلك ونحن موقنون بنصر الله تعالى لهذا الدين، وقد لاحتْ علاماتُ ذلك النصر وذلك التمكين في الأُفُق، ولسوف نذكر البشائر التي جاءت في الآيات والأحاديث حتى يقوى الأمل بالله تعالى بعدما عانت الأمة من النكبات والضربات والمصائب، وأصاب البعض من أبنائها الخمول واليأس وانتظار النهاية المخزية، فهذه البشائر ترفع الهمة في نفس المسلم، وتزيل اليأس والقنوط، فمن تلك البشائر:
قوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران: 139]، لقد نزلت هذه الآية في غزوة أحد عندما أصاب المسلمين ما أصابهم من القتل والهزيمة الظاهرة، لقد شُجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الغزوة, وكُسرت رباعيتُهُ، وسقط في حفرة، وصاح الشيطان في المسلمين: إن محمداً قد مات؛ ليُوهن القوى، وقُتل في المعركة من خيرة المسلمين كحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ومصعب بن عمير، وغيرهما، وأصاب المسلمين القروح والدماء والحزن، ثم تنزل عليهم هذه الآية تسليهم وتبشرهم بأن العاقبة لهم، إنكم أنتم الأحق بالعلو والرفعة, وإنما هذا ابتلاء يبتلي به الله من يشاء من عباده.
إن الذي أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم هذه الآية في ذلك الوقت العصيب، قادر على أن ينصر عباده ويؤيدهم ويعلي شأنهم، وإن أصابهم من القروح والدماء والأشلاء ما أصابهم، فإن الله لا يمكن للمؤمنين حتى يبتليهم، وكيف كانت الأمة قبل مائة عام؟ وكيف كانت الأمة قبل ثمانين عاماً؟ وكيف كانت الأمة قبل ستين عاماً؟ وكيف كانت الأمة قبل أربعين عاماً؟ لقد كانت الأفكار المنحرفة تسيطر على الساحات، وكان رواد الفسق والتحلل من مبادئ الإسلام هم المسيطرون على عقول البشر، لقد كانت الاستقامة على الدين تعد جريمة من الجرائم في تلك العقود البائدة، أما اليوم فهذه الصحوة المباركة تبشر بخير، وإن كان يعتريها من الضعف والخلاف وقلة الخبرة وضعف تأهيل الحاملين لها ما يعتريها، لكن ذلك جهد المقل، لقد أصبح دعاة الحق مبثوثين في كل مكان، فأينما اتجهت إلى بلد وجدت للصحوة فيها أثراً واضحاً، ولكن واقع الدعوة -على ما حققه من التقدم المذهل خلال سنوات قليلة- لن يؤتي ثماره حتى يصلح الدعاة من أوضاعهم، وحتى يبذلوا قصارى جهدهم للخروج من ضيق الأفق إلى سعته، ومن تقديم المصالح الشخصية على المصالح العامة!
ومن البشائر بنصرة الدين: قوله تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[الصف: 8-9].
إن الله مطلع على كيد الكافرين، وهو سبحانه لن يسلم هذه الأمة لأعدائها إلا بقدر ما تحدثه من مخالفات لدينه، فيبتليها بذلك لتعود إليه.. إن أعداء الله يبذلون كل غال ورخيص لطمس هذا الدين، وتشويه سمعته، وتمييع حقيقته، وإن المنافقين الذين يساندونهم على ذلك ليبذلون قصارى جهدهم في تمييع أصول الدين والفوارق التي يتميز بها المسلم عن الكافر، كما يحدث في هذا الزمن من لمز المستقيمين عليه، ورميهم بأنواع من الألقاب التي ينفرون بها الناس عن الالتفاف حول الدعاة والعلماء الصادقين.. وقد بشر الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الفئة الصالحة القائمة بأمر الله بالنصر والتمكين والثبات، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فعن معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)) رواه البخاري ومسلم.
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن حال الأمة بعد موته إلى قيام الساعة، حيث كان أول أمر هذه الأمة النبوة، ثم تلتها الخلافة الراشدة، ثم جاء الحكم الملكي واستمر دهراً طويلاً جداً من عمر أمة الإسلام، أتى بعده الملك الجبري القهري الذي يذل الشعوب ويحطم طاقاتها وقدراتها، ويجعلها عبيداً لقوى الشرق والغرب، وهذا ما نلاحظه في زماننا، ثم يكون بعد ذلك حكم إسلامي وخلافة على منهاج النبوة يقودها أناس من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم من أبناء هذه الأمة. فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم, قال: ((تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة))1.
وفى الحديث الذي رواه مسلم من حديث ثوبان أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم, قال: ((إن الله تعالى زَوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها)).
وعن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة فقلت: يا رسول الله ألا تدعو الله لنا؟ فقعد وهو محمر وجهه فقال: ((لقد كان من قبلكم يمشّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظام أو عصب، ما يصرفه ذلك عن دينه، ويوضع المنشار على مفرق رأسه فيشق باثنين ما يصرفه ذلك عن دينه، وليُتِمنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ما يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون)) رواه البخاري ومسلم.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود))2. وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص, قال: "بينما نحن جلوس حول رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً أقسطنطينية أم رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مدينة هرقل تفتح أولاً))3 يعني: القسطنطينية. قال العلامة الألباني رحمه الله: وقد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف، وذلك بعد ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، وسيتحقق الفتح الثاني بإذن الله تعالى ولا بد4.
فما يزال الأمل في قلوب المسلمين في أن يعود الإسلام ليحكم العالم من جديد، ولكن بعد أن تفيق الأمة من سباتها ورقادها الذي حطم مكتسباتها وآمالها .. إن الدعاة إلى الله وكثير من عوام الناس يؤمنون بوعد الله ورسوله، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترُكُ الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إلا أدخله الله هذا الدين، بعزٍ عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر))5.
ولقد وعد الله المسلمين إن هم تمسكوا بدينه واستقاموا على شريعته بأن يمكنهم من حكم الأرض بكتابه وسنة نبيه, قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور: 55].
فهذه الآية حددت شروط النصر والتمكين, وحكم الإسلام للأرض، وكان لابد هنا من ذكر شروط النصر:
أولا: الإيمان: فلم ينتصر المسلمون في التاريخ قديماً ولا حديثاً إلا بتحقيقه، والدليل على ذلك: قلة عددهم وعُددهم في كل معركة لاقوا فيها الكفر وأهله، وكثرة عدد الكفار الذين أصيبوا بالهزائم والنكسات المتتالية التي كانوا يتلقونها من أُسُود الإسلام الذين كانوا رهباناً بالليل فرساناً بالنهار، بينما كانت معسكرات المسلمين تضج بقراءة القرآن وقيام الليل كانت معسكرات الكفر تسهر على اللهو والسكر والفحش وتصبح صرعى لا تلوي على أهل ولا مال، وكلما تخلف المسلمون عن الإيمان وعصوا الواحد الديان، أصابهم بالخذلان، ومكن أعداءهم منهم على مدار الأزمان، فإذا أردنا العزة والتمكين والنصرة فلنحقق الإيمان في حياتنا قولاً وعملاً.
ومن الشروط: العمل الصالح: إن الأعمال الفاسدة التي انتشرت بين الأمة لهي السبب الأكبر في تأخر المسلمين وهزيمتهم، فكم من أخلاق سافلة منتشرة بين كثير من الجهلة والعوام ورعاع الناس، الذين ينتسبون إلى الدين وهم عنه في معزل؟! إن العمل الصالح من صلاة وزكاة وتربية للنفوس وإخلاص لله وقيام بأمر الله وأخلاق فاضلة لهي الأساس في بلوغ الأمة المكانة العالية، وبدون ذلك فإنما هو الخزي والعار، ومزيد من الانحطاط والهزائم.
ومن الشروط: الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس واللسان وكل ما يقدر عليه الإنسان، فالكلمة الصادقة جهاد، والوقوف على المبدأ والثبات عليه من الجهاد، والتربية والتعليم من الجهاد، وقتال الأعداء المحاربين أفضل الجهاد، ودفع الصائل على بلاد الإسلام في كل مكان من الجهاد، فمتى تحقق هذا في الأمة فلتبشر بالنصر والتمكين..
ومن شروط النصر: الولاء للمسلمين والبراءة من الكافرين، وعدم المداهنة وخلط المفاهيم، وتمييع أصول الدين، وإبراز الفوارق الأساسية بين المسلم والكافر.
وغير ذلك من الأمور التي تعود إلى أصل: الإيمان بالله والعمل الصالح..
اللهم مكن لأمة الإسلام في أرضك، اللهم ثبت المجاهدين في سبيلك, وانصرهم في كل مكان يا رب العالمين..
اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق