هجمات سيناء .. كيف نفهمها؟!

هجمات سيناء .. كيف نفهمها؟!



الهجوم الغادر الأليم الذي وقع في سيناء، وأسقط نحو 16 شهيدا مصريا، من رجال الشرطة المدنية، أثناء لحظات إفطارهم في يوم من أيام الصيام، لهو أمر جلل يجب أن ننظر إليه بعين الخطر المحدق، والفوضى الخلاقة أو الهدامة، وأن نعيد النظر فيه من جديد حتى لا نصاب بحول في الرؤية، فنظن العدو صديقا والصديق عدوا.

يجب أن نلقي النظر على بعض النقاط المهمة حتى نستطيع قراءة الحدث جيدا، ونصل إلى نتيجة مقبولة، بعيدا على الخرافات والتضليل الإعلامي المستمر، الذي يعمل على تصفية الحسابات بين الفصائل السياسية المختلفة، على حساب آلام البعض وأحزانهم ومصائبهم، ودماء الجنود المصريين التي أهرقت ساعة الإفطار.

1. أنه قد تم الاتفاق بين الرئيس محمد مرسي ورئيس حكومة غزة إسماعيل هنية على فتح معبر رفح 12 ساعة يوميا، وإدخال الوقود بالكافي لتشغيل محطة كهرباء غزة باستمرار، وعادت المحطة لتعمل بكامل طاقتها للمرة الأولى منذ عام 2006، مع الكثير من التسهيلات التي حصل عليها الفلسطينيون ضمن هذه الاتفاق، فليس من مصلحة الفلسطينيون إذا القيام بذلك التفجير.

2. أن حركة المقاومة الإسلامية حماس هي التي تدير قطاع غزة حاليا، وهي فصيل ينتمي للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وبالتالي فليس من مصلحتهم السماح لأي جهة أو أفراد بتعكير علاقتها مع مصر التي يرأسها حاليا رئيس ينتمي لذات التيار الإخواني، كما أن حركة فتح تدرك أن الملف الفلسطيني –رغم تحسن العلاقات بين مصر وحماس نتيجة فوز مرسي- لا يزال بيد المخابرات العامة، وهو ما يعني أن الموقف المصري من المصالحة لم يتغير، وليس من مصلحتهم إحداث أي مشاكل لمصر، لأنه إن تم اكتشاف الأمر، فسيدفعون ثمنا كبيرا.

3. أن الكيان الصهيوني دعا رعاياه في سيناء قبل أيام لمغادرتها فورا، وعدم السفر إلى سيناء حتى إشعار آخر، نظرا لوجود معلومات لديه تفيد باحتمال وقوع عمليات إرهابية في سيناء ووصف البيان التهديد بـ"الملموس والكبير للغاية"، والمسئولين الصهاينة يكثرون من الحديث عن الوضع الأمني في سيناء ويصفونه بالسيئ جدا.

4. لقد تكرر حدوث عمليات إرهابية عقب تحذيرات صهيونية، ففي أكتوبر2004 هزت انفجارات قوية بعض المواقع السياحية في كل من طابا ومنتجعي رأس الشيطان ورأس السلطان قتل فيها 34 شخصا، عقب دعوات صهيونية لرعاياها بالابتعاد عن صحراء سيناء خشية "وقوع عمليات إرهابية"، وتكررت التحذيرات الصهيونية قبيل هجمات شرم الشيخ في 23 يوليو 2005، حيث أسفرت عن مقتل ثمانية وثمانون شخصاً معظمهم مصريون، وفي أبريل 2006 دعا مجلس الأمن القومي الصهيوني جميع الصهاينة في سيناء إلى مغادرتها فورا، ووقعت بعدها تفجيرات منتج "دهب" بسيناء أودت بحياة 23 شخصا، وتكرر التحذير في سبتمبر 2008 قبيل وقوع حادث اختطاف السياح الأجانب الألمان فى مصر على الحدود الجنوبية.

5. أن الهجوم استهدف جنودا مصريين بشكل مباشر، فليس الجنود في منطقة سياحية أو نوبات حراسة على أماكن يقطنها صهاينة أو سياح من أي جنسية، فيكون المهاجمون قد قتلوهم لأنهم عقبة أمام تنفيذ عمليتهم الإجرامية، بل كان الجنود هم الهدف المباشر وفي كلا الهجومين.

6. أن الهجوم استهدف مكانين يتعلقان مباشرة بقطاع غزة، فمعبر كرم أبو سالم هو المعبر التجاري الذي تدخل منه الشاحنات إلى القطاع، وليس الهجوم في الجزء الجنوبي من الحدود حيث الكيان الصهيوني ولا معابر لها علاقة بالفلسطينيين!، في ظل هجوم من قبل سياسيين وإعلاميين مصريين موتورين على قطاع غزة وحركة حماس، وترويج شائعات حول الفلسطينيين ورغبتهم في السيطرة على سيناء.

7. يأتي هذا بعد سلسلة من حالات الفوضى والمشاكل الأمنية، فهناك حادث جنائي مثله مثل كل الحوادث، تحول في قرية دهشور بمحافظة الجيزة لحادث طائفي، كما توجد أزمة الكهرباء التي أثارت غضب المواطنين، فاستغل البعض ذلك للهجوم على بعض محطات الكهرباء ومقار الشركة، وقطع خط السكك الحديدية في أكثر من مكان، وحرق عدة مقرات لجماعة الإخوان المسلمين، كل هذا ضمن مخطط مستمر لإفشال الرئيس محمد مرسي.

يبدو من خلال تلك النقاط، أن أحد أهداف هذا الهجوم هو دفع القيادة المصرية والقوات المسلحة لاتخاذ موقف ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وحركة المقاومة الإسلامية حماس، وإغلاق معبر رفح لفترة وإلغاء التسهيلات التي حصل عليها الفلسطينيون، أي بقاء الحال كما كان قبل وصول الرئيس مرسي للحكم، كما سيتم استغلال الهجوم لتكثيف القصف الإعلامي على حماس وجماعة الإخوان المسلمين والرئيس محمد مرسي، بهدف التأثير في شعبية الجماعة والتيار الإسلامي بصفة عامة، قبل أشهر قليلة من الانتخابات التشريعية المقبلة.

بالإضافة إلى هذه المعلومات، كشف اللواء سامح سيف اليزل المقرب من المجلس العسكري، أن أحداث رفح تزامنت مع إفطار قيادات من المخابرات المصرية مع مشايخ سيناء، فيما يبدو أنها محاولة لتخفيف التوتر بين قوات الأمن وبين بدو سيناء الذين يعترضون على سلوك قوات الأمن معهم.

وإن صح هذا الخبر، فإن اختيار التوقيت يعكس أيضا رغبة في إفشال كل مساعي التهدئة بين البدو وقوات الشرطة المصرية، لأنه بعد الحادث من المتوقع أن تعود الشرطة إلى ممارسة بعض الأساليب القمعية مع البدو وهي أساليب لا تجدي نفعا معهم، أو الاحتكاك بهم، وهو ما يؤجج التوتر بين الجانبين مرة أخرى، ويشعر البدو أن قادة المخابرات تخدعهم، فبينما تجالسهم من ناحية، تأتي قوات الشرطة بعد ساعات لتتعامل بنفس أسلوبها.

وقد كشف الكيان الصهيوني عن محاولة الملثمين القتلة اختراق الحدود باستخدام إحدى المدرعات التي تم قصفها، في مشهد دراماتيكي، وكأن هؤلاء من السذاجة التي تدفعهم للظن بأنه من اليسير اختراق الحدود بمدرعة!!.

ومحاولة اختراق الحدود الساذجة، تعني أن هؤلاء كانوا يهدفون إلى إشعال التوتر بين مصر والكيان الصهيوني، وإظهار مصر بمظهر الدولة العاجزة عن ضبط حدودها، وحماية جنودها، في منطقة حساسة للغاية، ويؤكد الرواية الصهيونية حول وجود جماعات إرهابية عديدة في سيناء، وأنها باتت مفرخا للإرهاب، وغير ذلك من الادعاءات التي لا يمل المسئولون الصهاينة من تكرارها في كل مناسبة، وهي كذلك ذات تأثير سلبي على المساعي الحثيثة لاستعادة حركة السياحة في سيناء، في ظل الوضع الاقتصادي السيئ الذي تمر به البلاد حاليا، وهو أمر يسعى إليه الكيان الصهيوني وأعداء الثورة كل من أجل مصالحه.

وتكشف هذه المحاولة أيضا أمرا في غاية الخطورة، وهو سرعة قيام قوات الاحتلال الصهيوني في الجانب المقابل بقصف المدرعة فور عبورها الحدود، فهل هذا دليل على مدى جاهزية قوات الاحتلال الصهيوني، ومتابعتها للأوضاع أولا بأول، أم أنه دليل على تورطها في الأحداث وعلمها بأن المدرعة ستخترق الحدود في المكان والزمان المحدد، وأنها كانت بانتظار اللحظة التي يتم تخترق فيها المدرعة الحدود فتقوم بقصفها؟، وهل كان من المصادفة أن تخلي السلطات الصهيونية معبر كرم أبو سالم الحدودي من الموظفين المدنيين قبل ساعات من الهجوم؟!، وهل كان وجود اللواء "تال روسو" قائد المنطقة الجنوبية بالجيش الصهيونية في قاعدة الجيش في معبر كرم أبو سالم أثناء وقوع الهجوم مصادفة؟!.

ربما يكون من ضمن الأهداف كذلك، توتير العلاقة بين المجلس العسكري والرئيس محمد مرسي، في ظل "توافق إعلامي ظاهري"، حتى يلقي كل منهما اللوم على الطرف الآخر، وهو ما من شأنه تعميق الانقسام السياسي في مصر، وحشر الرئيس والتيار الذي ينتمي إليه في زاوية ضيقة، لصالح المجلس العسكري والتيار العلماني المدعوم من فلول النظام القديم، الذي آلمهم جدا صعود التيار الإسلامي لسدة الحكم في البلاد.


المستفيد الأول من الحادث هو الكيان الصهيوني وأعداء الثورة المصرية، والمتهم الأول بالتدبير هو الكيان الصهيوني، ولكن من الصعب تحديد الجهة التي نفذت الهجوم، فقد تكون مجموعة من العصابات والمهربين، وقد يكونون أفراد من الجماعات التي تطلق على نفسها "جهادية"، فهؤلاء يسهل اختراقهم وتوجيههم إلى الوجهة التي تريدها الجهة التي اخترقتهم، لكن تبقى اليد الصهيونية هي اليد العليا ذات المصلحة الأكبر في ذلك الهجوم الغادر.

غالبا لن تتمكن أجهزة الأمن المصرية من اكتشاف المجرمين القتلة، لأنها إن كانت قد فشلت في التنبؤ بالحادث، واتخاذ الإجراءات الاحترازية بعد التحذير الصهيوني، بل وعدم القبض على الجناة الذين هاجموا الجنود في مكانين مختلفين، فهي بالتأكيد أجهزة غير مؤهلة بالشكل الكافي، كما أن تصريحات المسئولين الأمنيين الذين اتهموا جماعات إرهابية، تكشف الوجهة التي ستتجه إليها الأجهزة الأمنية لتحميل جهة معينة قد تكون بريئة مسئولية الحادث، فيما تترك المجرم الحقيقي ينفد بجريمته دون عقاب، وهو ما يرجح عدم الكشف عن الجهة التي دبرت ونفذت ذلك الهجوم.

كما فشلت أجهزة المخابرات المصرية المختلفة في التنبؤ بالجريمة، رغم أن هذه المنطقة من المفترض أنها أحد أهم المناطق لدى أجهزة المخابرات المصرية، نظرا لخطورتها وأهميتها في آن واحد، وهو ما يستوجب من الرئيس مرسي والحكومة الجديدة استدعاء قادة هذه الأجهزة الأمنية والاستخبارية لمحاسبتها وعقابها إن تطلب الأمر ذلك وإعادة هيكلتها، فليس من المعقول أن تكون أجهزة الكيان الصهيوني بهذا القدر من المهنية والكفاءة، بينما نظيرتها المصرية تغط في سبات عميق، ويقتل أبناؤها وهي لا تزال نائمة.

يجب أن نعتبر هذه الجريمة جرس إنذار، لما يمكن أن يحدث إذا استمر تدخل القوات المسلحة في إدارة شئون الدولة، وانشغالها بالعمل السياسي ومحاولة دق الأسافين بين القوى السياسية، ودخولها كطرف أساسي في أطراف الاستقطاب في الشارع المصري، يجعلها بعيدة كل البعد عن حماية حدود البلاد، وهو ما تم التحذير منه سابقا مرارا وتكرارا، إلا أن هؤلاء أصروا على ممارسة السياسة في أبشع صورها للحفاظ على مكاسبهم ومصالحهم الشخصية، بغض النظر عن مصالح البلاد وأمنها.

إن القيادة المصرية الآن مطالبة بالتعامل مع الحدث بجدية واهتمام، ليس كأنه مجرد حادث جنائي وإجرامي عادي، كما ظهر في تصريحات المسئولين المصريين أمس وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي، بل على أنه جريمة سياسية بامتياز، وهو ما يستوجب عليها أن يكون التعامل وفق سياستين، سياسة طارئة لعلاج الموقف الراهن سريعا والقبض على المجرمين، وسياسة طويلة المدى، تتمثل في بسط السيطرة الأمنية على كافة الأراضي السيناوية، وذلك لن يتم بدون توطين حقيقي لمئات الآلاف من المصريين في سيناء وتوزيع الأراضي عليهم لاستخدامها في الزراعة والتصنيع وغير ذلك، فهذه هي الحماية الحقيقية لأراضي سيناء، وبدون توطين المصريين فيها ستظل تمثل مشكلة كبيرة للسلطات المصرية، ومصدرا للقلاقل والأزمات
.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق