|
هل أنت راض عن الله ؟
لماذا لا يرضى الكثير عن حظِّه في الحياة ويعيش شاكياً متذمراً؟
لماذا أصبحت الشكوى عند الكثير من النَّاس سمةً غالبةً عليهم؟
فمِنَ النَّاس مَنْ تراه في جُلِّ أحواله شاكياً متذمِّراً مما حوله،
لا يعجبه شيء في الحياة،
يشكو إن أصابه خير أو شر، أو كان في غنى أو فقر،
لأنَّه يستطيع أنْ يجد في كلِّ ذلك ما يزعجه ويُكَدِّر خاطرَه،
وينسى في كلِّ أمرٍ الجانبَ المشرق وما يَسُرُّه فيه.
وترى الشَّوكَ في الوُرُودِ، وتَعْمَى..... أنْ تَرَى فَوقَهَا النَّدَى إكليلا
ومثل هذا الصنف لا يحبُّ النَّاس الاستماع إلى حديثه،
فالنَّاس عندهم من الهموم ما يكفيهم وليسوا بحاجة إلى أن يسمعوا ما يزيدهم.
كَفَاكَ مِنَ الشَّكْوَى إلى النَّاس أنَّهُ..... تسرُّ عَدُوَّاً أو تَسُوءُ صَدِيقَا
وقال الشيخ عمر السهروردي:
ويمنعني الشَّكوى إلى النَّاس أنَّني..... عليلٌ ومَنْ أشكو إليه عليلُ
ويمنعني الشَّكوى إلى الله أنَّهُ..... عليمٌ بما أشكوه قبلَ أقولُ
تجد مَنْ متَّعه الله بالصحة والعافية، أو من يملك الأموال الكثيرة،
عابس الوجه لا يبتسم إلا إذا فعل ذلك مخطئاً، وسرعان ما يعود إلى صوابه ويتذكر همومه ويشكوها للناس.
فما هو السبب في ذلك؟
إنه قصور النظر، وقلة المعرفة بحكمة الله من خلقه وتدبيره لشؤونهم،
وعدم الرضا عن الله، والشُّكر له.
ويوشك مَنْ هذا حالُه أنْ تزولَ عنه النِّعَم،
قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}
وقال: {وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ}
قال الشيخ ابن عطاء الله:
«مَنْ لَمْ يَشْكُرِ النعمَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِزَوَالِها، وَمَنْ شَكَرَهَا فَقَدْ قَيَّدَهَا بِعِقَالِها»
وقال الحكماء:
«الشُّكرُ قَيْدُ الموجود، وصَيْدُ المفقود». وقبل هذا وذاك رضا الواحد المعبود.
وقال الإمام الغزالي:
الشُّكرُ قَيْدُ النِّعَم به تدوم وتبقى، وبتركه تزول وتتحول،
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}،
وقال: {فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.
نظر الفضيل إلى رجل يشكو إلى رجل،
فقال: يا هذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك.
وإذا اعْتَرَتْكَ بليةٌ فاصبرْ لها... صبرَ الكريمِ فإنَّه بكَ أعلمُ
وإذا شكوتَ إلى ابن آدمَ إنَّما... تشكو الرَّحيمَ إلى الذي لا يرحمُ
ولو نظر هذا الشاكي إلى حاله لوجد نفسَهُ غارقاً في نِعَمٍ عظيمة،
لا يستطيع شكرها لو بقي طوال حياته ساجداً شكراً لله تعالى،
فلماذا ينسى هذه النِّعَم التي لا تُعَدُّ ولا تحصى
ويذكر بعض المصائب التي لا تُذكر بجانب ما أكرمه الله من فضله.
وإنَّ أعظمَ نعمة هي نعمة الإسلام، والله بفضله ورحمته جعلَكَ مِنَ المسلمين،
و«كفى من جزائه إيَّاك على الطاعة أنْ رضيك لها أهلاً»،
و«كفى العاملينَ جزاءً ما هو فاتحه على قلوبهم في طاعته،
وما هو مورده عليهم من وجود مؤانسته» ،
فيا مَنْ يشكو هل تريد أنْ يكون عندك كلُّ ما تريد مِنَ الدُّنيا
وأنت على غير دين الإسلام؟
إنَّ الإسلام هو الذي يجعلك خالداً في جنة فيها ما لا عينٌ رأت،
ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر،
الجنة التي إذا غُمِسَ فيها أشدُّ النَّاس بؤساً وبلاءً في الدُّنيا ينسى كلَّ شدَّة وشقاء
ويقول لربِّه: (مَا مَرَّ بِى بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ)،
ومَنْ لم يمت على الإسلام فمصيره جهنَّمُ خالداً فيها-أعاذنا الله من ذلك-.
ألا يستحي الإنسان من ربِّه أنْ يكونَ ديدنُهُ الشكوى إلى المخلوقين،
وهو عاجز عن شكر ما وهبه الله له.
وهَبْ أنَّ ملكاً أعطى رجلاً مِنَ الخير والمال الكثير،
وأغدق عليه في العطاء، وكفاه ما أهمه،
ومع ذلك ترى هذا الرجل متناسياً لما أعطاه الملك،
متكرِّهاً مما حوله،
ألا يُعَدُّ هذا مِنْ لؤم النفس وخستها،
فكيف مَنْ يكون هذا حاله مع الخالق الرازق المنعم المتفضِّل.
أيها الشاكي!
تريد من الله أن يرضى عنك، وأنت لم ترضَ بقضائه وقدره؟
إنَّ الجزاء من جنس العمل،
فإنْ كنتَ راضياً بالله وحُكْمه وتدبيره، فإنَّ الله راضٍ عنك،
وإن كنتَ ساخطاً متذمراً فالله أولى أن يسخط عليك،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(فمن رضي فله الرِّضا، ومن سخط فله السخط) .
ومِنْ فضل الله وكرمه على عباده أنَّه يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب،
ولا يضيع منهم شيئاً حتى الصبر على الشوكة يشاكها،
وهذا يكفي لأنْ يشكرَ العبد ربَّه حتى على ما يراه في نظره مصيبة،
فهي عند الصبر والاحتساب عليها، خرجت عن كونها مصيبة إلى نعمة ومنحة
تستوجب الشكر عليها وصارت في ميزان حسناته،
قال صلى الله عليه وسلم:
(عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ،
إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ) .
قال إمام الحرمين:
وشدائد الدنيا مما يلزم العبد الشكر عليها،
لأنَّ تلك الشدائد نِعَمٌ بالحقيقة لأنَّها تعرضه لمنافع عظيمة ومثوبات جزيلة.
فعلى المؤمن أنْ يشكرَ الله ويحمده في كلِّ حال،
قال الإمام ابن القيم:
ومقام الشُّكر جامع لجميع مقامات الإيمان ولذلك كان أرفعها وأعلاها،
وهو فوق الرِّضا وهو يتضمن الصَّبر من غير عكس،
ويتضمن التوكُّل والإنابة والحب والإخبات والخشوع والرجاء
فجميع المقامات مندرجة فيه،
لا يستحقُّ صاحبه اسمه على الإطلاق إلا باستجماع المقامات له،
ولهذا كان الإيمان نصفين: نصف صبر ونصف شكر،
والصبر داخل في الشكر،
فرجع الإيمان كلُّه شكراً،
والشاكرون هم أقلُّ العباد
كما قال تعالى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} .
فالمؤمن يحمد الله على كل حال،
كما قال ابن ناصر الدين الدمشقي:
يجري القضاءُ وفيه الخيرُ نافلة..... لمؤمنٍ واثقٍ باللهِ لا لاهي
إنْ جاءَه فرحٌ أو نابه ترحٌ..... في الحالتين يقولُ: الحمدُ للهِ
فإن أردتَ السَّعادة والسُّرور، والفرح والفلاح والحبور،
والرَّوْح والنعيم الذي ليس فوقه نعيم،
فعليك بالإيمان بالله حقاً، والرِّضا والتسليم لأمره وحكمه وتدبيره،
الإيمان الذي وَصَفَ نعيمَهُ مَنْ يتحلى به فقال:
«لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف»،
وقال آخر: مساكين أهل الدُّنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها،
قيل: وما أطيب ما فيها؟
قال: «محبة الله ومعرفته وذكره»،
وقال آخر: «إنَّه لتمرُّ بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً»،
وقال آخر: «إنَّه لتمرُّ بي أوقات أقول:
إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيِّب».
وهو النعيم الذي يشبه نعيم أهل الجنة،
قال بعض العلماء:
ليس في الدُّنيا نعيم يشبه نعيم الآخرة إلا نعيم الإيمان والمعرفة.
قال الإمام ابن القيم:
والله تعالى إنَّما جعل الحياة الطيبة لمن آمن به وعمل صالحاً،
كما قال تعالى:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.
فضمن لأهل الإيمان والعمل الصالح
الجزاء في الدُّنيا بالحياة الطيبة، والحسنى يوم القيامة،
فلهم أطيب الحياتين، فهم أحياء في الدارين،
ونظير هذا قوله تعالى:
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنيا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ }،
ونظيرها قوله تعالى:
{وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى
وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}،
ففاز المتقون المحسنون بنعيم الدُّنيا والآخرة
وحصلوا على الحياة الطيبة في الدارين،
فإن طيب النفس وسرور القلب، وفرحه ولذته، وابتهاجه وطمأنينته،
وانشراحه ونوره، وسعته وعافيته من ترك الشهوات المحرمة، والشبهات الباطلة،
هو النعيم على الحقيقة، ولا نسبة لنعيم البدن إليه.
ولا تظنَّ أنَّ قوله تعالى:
{إِنَّ الأَبرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}
مختصٌّ بيوم المعاد فقط، بل هؤلاء في نعيم في دُورهم الثلاثة،
وهؤلاء في جحيم في دُورهم الثلاثة،
وأي لذة ونعيم في الدُّنيا أطيب من برِّ القلب، وسلامة الصدر،
ومعرفة الربِّ تبارك وتعالى ومحبَّته، والعمل على موافقته؟
وهل العيش في الحقيقة إلا عيش القلب السليم؟.
فهذه هي السَّعادة الحقيقية التي كلَّما ازداد المؤمن منها ازدادَتْ سعادتُه،
وكلَّما ابتعد عنها نقصتْ سعادتُه بقدر ابتعاده عنها.
فمَنْ شعر بضيق أو همٍّ أو غَمٍّ فليتعهد إيمانه ويراجع يقينه بالله حتى يذهب عنه ما يجد.
قلوب قاسية
عتاة مجرمين .. وقلوب قست بعد الإيمان
************************************************** **
غرق فرعون وهامان وجنودهما وحاشيتهما .. وأدرك اللعين قبحه الله الذى طغى
وتكبر على آيات الله وادعى أنه رب وإله : أدرك أنه عبداً ذليلاً صاغراً ومقهورا من الله
هؤلاء هم الفراعنة الشداد الذين طغواْ فى البلاد فأكثروا فيها الفساد وقد كانوا ذو مجدٍ
عظيم وحضارة عريقة وعلوم فريدة عزّ نظيرها وقلما يوجد مثيلها ..
والتى قال الله عنها :
{كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ }
*************
ملكت بنو اسرائيل هذا المجد و الملك العظيم بعد أن كان مستضعفين فى مشارق
الأرض ومغاربِها ..
فبعد أن كانوا مقهورين من فرعون وهامان وجنودهما يذبحون أبناءهم ويستحون
نساءهم ويسومونَهم سوء العذاب فقد نجاهم الله من الغرق وأنجاهم من فرعون
وعمله وأورثهم كنوزه وأمواله وعيونه وجنانه وكل آثاره ..
*************
سار بِهم نبى الله موسى عليه السلام وأثناء مسيرهم رأوا قوماً عاكفين على عبادة غير
الله يعبدون آلهة من أصنامٍ وأوثانٍ من دون الله .. فقالوا لنبى الله : اجعل لنا إله كما
لهم آلهة .. فوعظهم سيدنا موسى عليه السلام وأمرهم بالهداية وعدم الشرك بالله وذكرهم
بأن الله نجاهم من الغرق وجعلهم ملوكاً تملكوا أمرهم بعد أن كان فرعون وجنده يقومون
بالتنكيل بِهم .. فآبوا وتابوا إلى الله ..
*****
نزلوا طور سيناء وطلبوا المأكل والمشرب .. فأنزل الله عليهم المن والسلوى ليأكلون ..
وضرب لهم سيدنا موسى الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ليشربون .. وأظلهم
الله بالغمام ليتقوا وهج الشمس وحرها
فقالوا لنبى الله : أننا لن نصبر على هذا الطعام الذى يأتينا من السماء .. وطلبوا أن
ينبت الله لهم بقل وقثاء وفوم وعدس وبصل فى هذه الأرض ليأكلوا منها .. فقال لهم
نبى الله : أتستبدلون الرزق الذى يأتيكم من السماء بما هو أدنى .. فأصروا على
ماطلبوا .. فقال لهم اهبطوا مصر وستجدوا ما تطلبون ..
*****
أناب سيدنا موسى عليه السلام أخاه سيدنا هارون فى قومه .. وتفرغ للتوجه للقاء ربه فى
الميقات الذى أمره الله به .. صام ثلاثين ليلة ثم عشر ليال أخرى حتى أكمل الأربعين ليلة ..
*****
أتى إلى القوم رجلاً يدعى السامرى صاغ لهم تمثالاً من حلىٍ على هيئة عجل وجعل له
صوتاً وخواراً فكان يخور كخوار العجل فقال لهم : هذا العجل : إلهكم وإله موسى ..
فصدقوه ولم يكذبوه وعكفوا عليه ليعبدوه .. وعظهم سيدنا هارون عليه السلام وبيّن
لهم طغيانَهم وغيهم والفتنة التى قد تلحق بِهم من جراء اتباعهم لهذا الضلال .. فلم
يثنِهم ما قال وظلوا على عنادهم .. وقالوا سنظل عليه عاكفين حتى يرجع إليهم موسى
من ميقات ربه ..
حاول نبى الله هارون ردعهم فأضمروا له الكيد وأزمعوا على قتله إن لم يتركهم وإلههم
*****
صعد سيدنا موسى عليه السلام إلى جبل طور سيناء لمناجاة ومناداة ربه وهو فى مقام
رفيع ومكانة علية ومرتبة سنية .. أنزل الله عليه الألواح وآيات التوراة لتكون حكماً لهم
ابتهل سيدنا موسى إلى الله فقال : رب أرنى أنظر إليك .. فقال له سبحانه وتعالى إنه لن
يراه وأمره أن ينظر إلى الجبل فإن ظل واستقر فسوف يراه فلما تجلى الله جل سناه
على الجبل جعله دكاً وخرّ موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك .. وتاب إلى الله ..
{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ
إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى
صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }
********
رجع سيدنا موسى إلى قومه وعلم بالفتنة التى فتنوا بِها وما أضلهم به السامرى ..
عنّف أخيه هارون على تركه للقوم يعبدون غير ربّهم وغضب غضباً شديدا من صنعهم
القبيح وعملهم الذميم .. فطلبوا منه التوبة والغفران .. فقال لهم .. من اتخذ العجل إله
ويريد التوبة إلى الله فعليه أن يقتل نفسه .. وبين لهم أن هذا ما أنزله الله فى التوراة ..
ففسقوا وظلموا وقالوا لنبيهم : أرنا الله ..
فأخذتْهم الصاعقة .. فطلبوا العفو والمغفرة .. فأوحى الله إلى سيدنا موسى : أن يختار
منهم سبعين رجلاً لميقات يومٍ معلوم يأتون فيه بالجانب الأيمن من جبل الطور ..
صاموا ثم توجهوا فى الميقات .. رفع الله الجبل فوق رؤؤسهم كأنه ظلة حتى ظنوا أنه
واقع عليهم فأوحى الله إليهم أن يأخذوا بما أمرهم به نبيهم وأن يقتلوا أنفسهم ليعفو
عنهم ويغفر لهم ..
*****
اختلف القوم فى أمر نفس قتلت ولم يُعرف لها قاتلا .. فاختصموا فيها وأتوا إلى نبى الله
موسى عليه السلام يطلبون معرفة القاتل فأمرهم أن يذبحوا بقرة .. أى بقرة .. فقالوا
له : أتتخذنا هزوا نسألك عن القاتل فتقول لنا اذبحوا بقرة .. فقال لهم : افعلوا ما تؤمرون .
عاندوا وتكبروا ثم أتوا إلى نبى الله ليسألوه عن وصفها فقال لهم .. إنّها بقرة ليست
هرِمة ولا صغيرة بل هى عوان بين ذلك .. فعتوْا وعادوا إلى نبى الله يسألونه : ما
لونُها .. فأجابَهم سيدنا موسى بأنّها بقرة صفراء فاقع لونٌها تسر الناظرين .. عادوا
وهم يقدمون مشيئة الله فقالوا لنبى الله : إن البقر تشابه علينا فاهدنا إليها وإنا إن شاء
الله لمهتدون .. فقال لهم نبى الله : إنّها بقرة لا عيب فيها ليست مذللة للحرث ولا معدة
للسقيا .. فأتوا بِها إليه ..
قال لهم سيدنا موسى اذبحوها .. امتعضوا وترددوا وكادوا أن يمتنعوا عن ذبحها
وكادوا لايفعلون إلا أنّهم آبوا إلى رشدهم وذبحوها .. أمرهم نبى الله أن يأتوا ببعضٍ
من أعضائها وأن يضربوا القتيل بأى جزءٍ من أجزائها .. ففعلوا ما أمرهم نبى الله به
فأحيا الله القتيل وأخبرعن قاتله ثم عاد إلى موته ..
**********
هابوا دخول بيت المقدس للقتال فى سبيل الله ضد الكافرين الذين أبوا وحدانية الله
وقالوا لنبى الله : إن فيها قوماً جبارين فإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها ..
وعظهم نبى الله وذكرهم بفضل الله الذى آتاهم ونعمه التى وهبها لهم فقست قلوبُهم
وظلوا على عنادهم وكفرهم وقالوا إذهب أنت وربك ياموسى فقاتلا أما نحن فها هنا
قاعدون ..
وعظهم رجلين صالحين فقالوا لهم توكلوا على الله وسنكون نحن الغالبين إن شاء
الله .. إلا أنّهم أصروا ونكصوا وأطبق عليهم الخنوع والخضوع عن القتال لرفع راية
وحدانية الله ..
دخل نبى الله بمن استجاب منهم وقد أمرهم أن يدخلوا بيت المقدس وهم داعين
ومستغفرين وساجدين لله ولكنهم خالفوا ما أمرهم به نبيهم ورسولهم ..
كتب الله على من قست قلوبُهم أن يظلوا فى الأرض أربعين سنة تائهين هائمين بلا
هدى ولا مقصد لا يعرفون لهم طريقا ولا يعلمون لهم سبيلا ليلا أونَهارا صباحا أو
مساء ليس لهم دار ولا مأوى ولا قرار ..
*******
ومضى زمان وزمان .. كذبوا فيه أنبياء ومرسلين وقتلوا أنبياء آخرين ..
إلى أن أرسل الله إليهم سيدنا عيسى عليهم السلام نبياً ورسولاً .. :
*******
ففى عصر سيدنا زكريا عليه السلام .. نذرت امرأة عمران أن يكون ما فى بطنها محرراً
لله وابتهلت إلى الله أن يتقبل نذرها .. وأتمت حملها ووضعتها وسمّتها مريم وأعاذتْها
بالله من الشيطان الرجيم ..
استجاب الله دعاءها وتقبل نذرها فأنبت الله السيدة مريم عليها السلام نباتاً حسناً
وطهرها سبحانه وتعالى وأظلها بظله وحفظها ورعاها واصطفاها الله على نساءالعالمين
فكفلها سيدنا زكريا عليه السلام .. وشبّت واتخذت محراباً لعبادة ربّها فكانت من الراكعين
والساجدين والقانتين لله .. فأتتها الملائكة وهى فى محرابِها تبشرها بكلمة الله
وهو سيدنا عيسى عليه السلام ..
قالت لها الملائكة عنه : أنه سيكون وجيهاً فى الدنيا والآخرة .. وسيكون من المقربين
لله .. وسيكلم الناس وهو فى مهده وصباه .. وسيعلمه الله الكتاب والحكمة والتوراة
والإنجيل .. وأنه سيكون نبياً ورسولاً إلى بنى قومه وهم بنى إسرائيل ..
اتجهت إلى الله بدعائها تتساءل وهى حزينة متحسرة : كيف يكون لى ولد ولم يمسسنى
بشر .. !!
فأخبرتْها الملائكة بأن الله قد اختارها لتكون هى وابنها آية العالمين .. واصطفاها سبحانه
وتعالى من دون النساء لما قدره وقضاه .. وإذا قضى الله أمراً فإنما يقول له كن فيكون ..
فامتثلت السيدة مريم عليها السلام لما أمر وقضى به الله .. وكتمت ما تشعر به وما ينتابُها
وقالت وكأنّها تكلم نفسها : أنّى وكيف يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغياً .. !!
جاءها النفخ من روح الله .. وأدركت حملها بنبى الله ..
اتخذت مكاناً بعيداً نائياً قاصياً لتحتجب فيه عن الناس ..
جاءها المخاض وهى بجوار جذع النخلة .. تمنت الموت قبل أن تلد ورجَت من الله أنْ
ياليتها لم تكن فى هذه الحياة ..
{ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً }
ولدت السيدة مريم بنبى الله عيسى عليهما السلام والملائكة تحوطهما بالرعاية وتكلأهما
بالعناية وجاءها النداء من الله ألا تحزن ولا تأسى على اصطفائها وما وهبهاالله ..
أوحى الله إليها أن تَهز بجذع النخلة وسيتساقط عليها رطباً جنياً سيكون طعاماًوشراباً
لها بأمرٍ من الله ..
أتت إلى القوم وهى تحمل ولدها وقد أوحى الله إليها إذا رأت بشراً أن تصمت عن الكلام
وأن تشير إلى ابنها وهو على كتفها .. فأشارت إليه .. قالوا كيف نكلم من كان فى
المهد صبيا .. فأنطقه الله وتكلم وهو فى مهده وصباه :
{ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ
وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً
بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }
من القوم : من تيقن وأيقن بما رأى وسمع أن سيدنا عيسى وأمه آية من آيات الله ..
ومنهم : عمت أبصارهم وصمت آذانُهم عما رأواْ وما سمعوا .. هؤلاء كانوا فسقةً
كافرين كانوا فجاراً وأشراراً اتجهوا إلى رمى السيدة مريم بالإفك والباطل والبهتان ..كان
قولهم أثيم وبُهتانُهم عليها عظيم .. هؤلاء قد جثم الشرك على قلوبِهم وأطبق الرجس على
عقولهم .. فلعنة الله عليهم إلى يوم الدين ..
{ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً }
{ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ
امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً }
************
شبّ سيدنا عيسى عليه السلام وأرسله الله برسالته وأمره ببلاغ دعوته بوحدانية الله
وبأن لا إله إلا الله ..
آمنت به طائفة نصرته وآزرته .. وكفرت به طائفة : أنكروا نبوته ورسالته .. فدعاهم
إلى الإيمان بالله وعدم الإفتراء على الله وأن لا يشركوا مع الله إله فكذبوه ولم يؤمنوا
بدعوته ..
أتاهم بآيات ومعجزات من الله .. :
فأحيا لهم من كان ميْتاً .. صور لهم الطير ونفخ فيه فكان طيراً .. أبرأ الأعمى فصار
بصيراً .. شفى الأبرص فأصبح معافاً .. : بأمر وإذن من الله .. فاتّهموه بالكذب وقالوا
عنه أنه ساحر ..
أخبرهم بما يأكلون وما يدخرون فى بيوتِهم .. دعا الله لهم بأن ينزل لهم مائدة من
السماء تطمئن بِها قلوبِهم ولتكون عيداً لأولهم وآخرهم .. ولكنهم ظلوا على ضلالهم
وعنادهم ..
وأضمروا له الكيد ونصبوا له الغوائل وعزموا على قتله وهَمّوا بالدخول عليه فرفعه
الله إليه وألقى شبهه على بعضٍ منهم فقتلوه وصلبوه .. فقالوا إفكاً وزورا أنّهم : قتلوا
وصلبوا نبى الله ثم اختلفوا فيما بينهم :
منهم : من قال مثل قولهم بأنّهم : .. قاموا بقتل وصلب نبى الله ورسوله سيدنا عيسى
عليه السلام ..
ومنهم من قال : .. أن ابن الله عيسى كان فينا ثم رفعه الله إليه ..
ومنهم من قال : .. أن الله هو الذى كان بيننا ثم صعد إلى السماء ..
{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ }
{ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ }
وبعد أن طهر الله نبى الله عيسى عليه السلام ورفعه إليه .. قاموا بالتغيير فى الإنجيل
على عدة أقاويل ما بين زيادة ونقصان وما بين تحريف وتبديل ..
ساء ما يحكمون .. وتعالى الله عما يصفون .. كيف لاينزهون الله مما به يقولون .. ؟ !!
إنه لااجتراء وافتراء .. ..
لقد أطلقوا لبغيهم العنان وقالوا ما قالوا دون برهان ودون علم أو سلطان ..
إنّهم لايرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً وسيظلون يعيثون فى الأرض فساداً فهذا هو ما
قضاه الله فيهم .. فقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه ومحكم آياته :
{كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً }
أما الطائفة التى نصرته وآزرته فقد آمنت بما أوحى إليه وما أنزل عليه وأيقنوا أن الله
قد رفعه إليه ..
{ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ }
*************
فيا أخى الكريم :
إن قوم بنى إسرائيل من اليهود والنصارى قد خالفوا ما أمرهم به نبى الله سيدنا موسى
عليه السلام .. قست قلوبُهم من بعد إيمانِهم وأنكروا الفضل الذى أتاهم الله وفضلهم
به على كافة خلق الله .. فأصبحوا قوم بُهت وضلال ..
أرسل الله إليهم أنبياءً آخرين فريقاً كذبوه .. وفريقاً آخر قتلوه ..
أرسل الله إليهم سيدنا عيسى عليه السلام .. رموه بالسحر والباطل وكذبوا بآياته
ومعجزاته ..
أرسل الله إليهم خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. فأنكروه
ولم يصدقوه ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وهم يعلمون .. ولم يؤمنوا بدين الله الذى
أمرهم به رب العالمين ..
*************
أسيظلون جاهلين غير مهتدين للشرك مذعنين وفى الغى والضلال قابعين .. ؟ !
فهؤلاء هم وكل من نَهج نَهجهم وسار على دربِهم .. ظلموا أنفسهم ونسوا الفطرة
التى فطرها الله لهم واشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة وزاغوا
ومالوا عن الهدى والإستقامة ..
لم يعوا أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسله الله رحمة لهم ولكل
العالمين ..
لم يعوا أن رسالة الإسلام قد جاءت من الله نعمة فجحدها الضالين لأنّهم لا يريدون إلا
النقمة ..
جاءت تَهديهم إلى جنة النعيم إلا أنّهم يصرون على العذاب الأليم ..
فألا يستحقون سكنى الجحيم .. ألا يستحقون أن يظلوا فى النار خالدين ..
فمن كفر ليس كمن آمن ومن اجترح السيئات ليس كمن آمن وعمل الصالحات ..
هل يستوى الأحياء مع الأموات .. هل يستوى الأعمى والبصير .. هل يستوى الظل
والحرور .. هل تستوى الظلمات والنور ..
************************************************** **
غرق فرعون وهامان وجنودهما وحاشيتهما .. وأدرك اللعين قبحه الله الذى طغى
وتكبر على آيات الله وادعى أنه رب وإله : أدرك أنه عبداً ذليلاً صاغراً ومقهورا من الله
هؤلاء هم الفراعنة الشداد الذين طغواْ فى البلاد فأكثروا فيها الفساد وقد كانوا ذو مجدٍ
عظيم وحضارة عريقة وعلوم فريدة عزّ نظيرها وقلما يوجد مثيلها ..
والتى قال الله عنها :
{كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ }
*************
ملكت بنو اسرائيل هذا المجد و الملك العظيم بعد أن كان مستضعفين فى مشارق
الأرض ومغاربِها ..
فبعد أن كانوا مقهورين من فرعون وهامان وجنودهما يذبحون أبناءهم ويستحون
نساءهم ويسومونَهم سوء العذاب فقد نجاهم الله من الغرق وأنجاهم من فرعون
وعمله وأورثهم كنوزه وأمواله وعيونه وجنانه وكل آثاره ..
*************
سار بِهم نبى الله موسى عليه السلام وأثناء مسيرهم رأوا قوماً عاكفين على عبادة غير
الله يعبدون آلهة من أصنامٍ وأوثانٍ من دون الله .. فقالوا لنبى الله : اجعل لنا إله كما
لهم آلهة .. فوعظهم سيدنا موسى عليه السلام وأمرهم بالهداية وعدم الشرك بالله وذكرهم
بأن الله نجاهم من الغرق وجعلهم ملوكاً تملكوا أمرهم بعد أن كان فرعون وجنده يقومون
بالتنكيل بِهم .. فآبوا وتابوا إلى الله ..
*****
نزلوا طور سيناء وطلبوا المأكل والمشرب .. فأنزل الله عليهم المن والسلوى ليأكلون ..
وضرب لهم سيدنا موسى الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً ليشربون .. وأظلهم
الله بالغمام ليتقوا وهج الشمس وحرها
فقالوا لنبى الله : أننا لن نصبر على هذا الطعام الذى يأتينا من السماء .. وطلبوا أن
ينبت الله لهم بقل وقثاء وفوم وعدس وبصل فى هذه الأرض ليأكلوا منها .. فقال لهم
نبى الله : أتستبدلون الرزق الذى يأتيكم من السماء بما هو أدنى .. فأصروا على
ماطلبوا .. فقال لهم اهبطوا مصر وستجدوا ما تطلبون ..
*****
أناب سيدنا موسى عليه السلام أخاه سيدنا هارون فى قومه .. وتفرغ للتوجه للقاء ربه فى
الميقات الذى أمره الله به .. صام ثلاثين ليلة ثم عشر ليال أخرى حتى أكمل الأربعين ليلة ..
*****
أتى إلى القوم رجلاً يدعى السامرى صاغ لهم تمثالاً من حلىٍ على هيئة عجل وجعل له
صوتاً وخواراً فكان يخور كخوار العجل فقال لهم : هذا العجل : إلهكم وإله موسى ..
فصدقوه ولم يكذبوه وعكفوا عليه ليعبدوه .. وعظهم سيدنا هارون عليه السلام وبيّن
لهم طغيانَهم وغيهم والفتنة التى قد تلحق بِهم من جراء اتباعهم لهذا الضلال .. فلم
يثنِهم ما قال وظلوا على عنادهم .. وقالوا سنظل عليه عاكفين حتى يرجع إليهم موسى
من ميقات ربه ..
حاول نبى الله هارون ردعهم فأضمروا له الكيد وأزمعوا على قتله إن لم يتركهم وإلههم
*****
صعد سيدنا موسى عليه السلام إلى جبل طور سيناء لمناجاة ومناداة ربه وهو فى مقام
رفيع ومكانة علية ومرتبة سنية .. أنزل الله عليه الألواح وآيات التوراة لتكون حكماً لهم
ابتهل سيدنا موسى إلى الله فقال : رب أرنى أنظر إليك .. فقال له سبحانه وتعالى إنه لن
يراه وأمره أن ينظر إلى الجبل فإن ظل واستقر فسوف يراه فلما تجلى الله جل سناه
على الجبل جعله دكاً وخرّ موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك .. وتاب إلى الله ..
{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ
إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى
صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ }
********
رجع سيدنا موسى إلى قومه وعلم بالفتنة التى فتنوا بِها وما أضلهم به السامرى ..
عنّف أخيه هارون على تركه للقوم يعبدون غير ربّهم وغضب غضباً شديدا من صنعهم
القبيح وعملهم الذميم .. فطلبوا منه التوبة والغفران .. فقال لهم .. من اتخذ العجل إله
ويريد التوبة إلى الله فعليه أن يقتل نفسه .. وبين لهم أن هذا ما أنزله الله فى التوراة ..
ففسقوا وظلموا وقالوا لنبيهم : أرنا الله ..
فأخذتْهم الصاعقة .. فطلبوا العفو والمغفرة .. فأوحى الله إلى سيدنا موسى : أن يختار
منهم سبعين رجلاً لميقات يومٍ معلوم يأتون فيه بالجانب الأيمن من جبل الطور ..
صاموا ثم توجهوا فى الميقات .. رفع الله الجبل فوق رؤؤسهم كأنه ظلة حتى ظنوا أنه
واقع عليهم فأوحى الله إليهم أن يأخذوا بما أمرهم به نبيهم وأن يقتلوا أنفسهم ليعفو
عنهم ويغفر لهم ..
*****
اختلف القوم فى أمر نفس قتلت ولم يُعرف لها قاتلا .. فاختصموا فيها وأتوا إلى نبى الله
موسى عليه السلام يطلبون معرفة القاتل فأمرهم أن يذبحوا بقرة .. أى بقرة .. فقالوا
له : أتتخذنا هزوا نسألك عن القاتل فتقول لنا اذبحوا بقرة .. فقال لهم : افعلوا ما تؤمرون .
عاندوا وتكبروا ثم أتوا إلى نبى الله ليسألوه عن وصفها فقال لهم .. إنّها بقرة ليست
هرِمة ولا صغيرة بل هى عوان بين ذلك .. فعتوْا وعادوا إلى نبى الله يسألونه : ما
لونُها .. فأجابَهم سيدنا موسى بأنّها بقرة صفراء فاقع لونٌها تسر الناظرين .. عادوا
وهم يقدمون مشيئة الله فقالوا لنبى الله : إن البقر تشابه علينا فاهدنا إليها وإنا إن شاء
الله لمهتدون .. فقال لهم نبى الله : إنّها بقرة لا عيب فيها ليست مذللة للحرث ولا معدة
للسقيا .. فأتوا بِها إليه ..
قال لهم سيدنا موسى اذبحوها .. امتعضوا وترددوا وكادوا أن يمتنعوا عن ذبحها
وكادوا لايفعلون إلا أنّهم آبوا إلى رشدهم وذبحوها .. أمرهم نبى الله أن يأتوا ببعضٍ
من أعضائها وأن يضربوا القتيل بأى جزءٍ من أجزائها .. ففعلوا ما أمرهم نبى الله به
فأحيا الله القتيل وأخبرعن قاتله ثم عاد إلى موته ..
**********
هابوا دخول بيت المقدس للقتال فى سبيل الله ضد الكافرين الذين أبوا وحدانية الله
وقالوا لنبى الله : إن فيها قوماً جبارين فإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها ..
وعظهم نبى الله وذكرهم بفضل الله الذى آتاهم ونعمه التى وهبها لهم فقست قلوبُهم
وظلوا على عنادهم وكفرهم وقالوا إذهب أنت وربك ياموسى فقاتلا أما نحن فها هنا
قاعدون ..
وعظهم رجلين صالحين فقالوا لهم توكلوا على الله وسنكون نحن الغالبين إن شاء
الله .. إلا أنّهم أصروا ونكصوا وأطبق عليهم الخنوع والخضوع عن القتال لرفع راية
وحدانية الله ..
دخل نبى الله بمن استجاب منهم وقد أمرهم أن يدخلوا بيت المقدس وهم داعين
ومستغفرين وساجدين لله ولكنهم خالفوا ما أمرهم به نبيهم ورسولهم ..
كتب الله على من قست قلوبُهم أن يظلوا فى الأرض أربعين سنة تائهين هائمين بلا
هدى ولا مقصد لا يعرفون لهم طريقا ولا يعلمون لهم سبيلا ليلا أونَهارا صباحا أو
مساء ليس لهم دار ولا مأوى ولا قرار ..
*******
ومضى زمان وزمان .. كذبوا فيه أنبياء ومرسلين وقتلوا أنبياء آخرين ..
إلى أن أرسل الله إليهم سيدنا عيسى عليهم السلام نبياً ورسولاً .. :
*******
ففى عصر سيدنا زكريا عليه السلام .. نذرت امرأة عمران أن يكون ما فى بطنها محرراً
لله وابتهلت إلى الله أن يتقبل نذرها .. وأتمت حملها ووضعتها وسمّتها مريم وأعاذتْها
بالله من الشيطان الرجيم ..
استجاب الله دعاءها وتقبل نذرها فأنبت الله السيدة مريم عليها السلام نباتاً حسناً
وطهرها سبحانه وتعالى وأظلها بظله وحفظها ورعاها واصطفاها الله على نساءالعالمين
فكفلها سيدنا زكريا عليه السلام .. وشبّت واتخذت محراباً لعبادة ربّها فكانت من الراكعين
والساجدين والقانتين لله .. فأتتها الملائكة وهى فى محرابِها تبشرها بكلمة الله
وهو سيدنا عيسى عليه السلام ..
قالت لها الملائكة عنه : أنه سيكون وجيهاً فى الدنيا والآخرة .. وسيكون من المقربين
لله .. وسيكلم الناس وهو فى مهده وصباه .. وسيعلمه الله الكتاب والحكمة والتوراة
والإنجيل .. وأنه سيكون نبياً ورسولاً إلى بنى قومه وهم بنى إسرائيل ..
اتجهت إلى الله بدعائها تتساءل وهى حزينة متحسرة : كيف يكون لى ولد ولم يمسسنى
بشر .. !!
فأخبرتْها الملائكة بأن الله قد اختارها لتكون هى وابنها آية العالمين .. واصطفاها سبحانه
وتعالى من دون النساء لما قدره وقضاه .. وإذا قضى الله أمراً فإنما يقول له كن فيكون ..
فامتثلت السيدة مريم عليها السلام لما أمر وقضى به الله .. وكتمت ما تشعر به وما ينتابُها
وقالت وكأنّها تكلم نفسها : أنّى وكيف يكون لى غلام ولم يمسسنى بشر ولم أك بغياً .. !!
جاءها النفخ من روح الله .. وأدركت حملها بنبى الله ..
اتخذت مكاناً بعيداً نائياً قاصياً لتحتجب فيه عن الناس ..
جاءها المخاض وهى بجوار جذع النخلة .. تمنت الموت قبل أن تلد ورجَت من الله أنْ
ياليتها لم تكن فى هذه الحياة ..
{ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْياً مَّنسِيّاً }
ولدت السيدة مريم بنبى الله عيسى عليهما السلام والملائكة تحوطهما بالرعاية وتكلأهما
بالعناية وجاءها النداء من الله ألا تحزن ولا تأسى على اصطفائها وما وهبهاالله ..
أوحى الله إليها أن تَهز بجذع النخلة وسيتساقط عليها رطباً جنياً سيكون طعاماًوشراباً
لها بأمرٍ من الله ..
أتت إلى القوم وهى تحمل ولدها وقد أوحى الله إليها إذا رأت بشراً أن تصمت عن الكلام
وأن تشير إلى ابنها وهو على كتفها .. فأشارت إليه .. قالوا كيف نكلم من كان فى
المهد صبيا .. فأنطقه الله وتكلم وهو فى مهده وصباه :
{ فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ
وَجَعَلَنِي نَبِيّاً وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً وَبَرّاً
بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً }
من القوم : من تيقن وأيقن بما رأى وسمع أن سيدنا عيسى وأمه آية من آيات الله ..
ومنهم : عمت أبصارهم وصمت آذانُهم عما رأواْ وما سمعوا .. هؤلاء كانوا فسقةً
كافرين كانوا فجاراً وأشراراً اتجهوا إلى رمى السيدة مريم بالإفك والباطل والبهتان ..كان
قولهم أثيم وبُهتانُهم عليها عظيم .. هؤلاء قد جثم الشرك على قلوبِهم وأطبق الرجس على
عقولهم .. فلعنة الله عليهم إلى يوم الدين ..
{ وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً }
{ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ
امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً }
************
شبّ سيدنا عيسى عليه السلام وأرسله الله برسالته وأمره ببلاغ دعوته بوحدانية الله
وبأن لا إله إلا الله ..
آمنت به طائفة نصرته وآزرته .. وكفرت به طائفة : أنكروا نبوته ورسالته .. فدعاهم
إلى الإيمان بالله وعدم الإفتراء على الله وأن لا يشركوا مع الله إله فكذبوه ولم يؤمنوا
بدعوته ..
أتاهم بآيات ومعجزات من الله .. :
فأحيا لهم من كان ميْتاً .. صور لهم الطير ونفخ فيه فكان طيراً .. أبرأ الأعمى فصار
بصيراً .. شفى الأبرص فأصبح معافاً .. : بأمر وإذن من الله .. فاتّهموه بالكذب وقالوا
عنه أنه ساحر ..
أخبرهم بما يأكلون وما يدخرون فى بيوتِهم .. دعا الله لهم بأن ينزل لهم مائدة من
السماء تطمئن بِها قلوبِهم ولتكون عيداً لأولهم وآخرهم .. ولكنهم ظلوا على ضلالهم
وعنادهم ..
وأضمروا له الكيد ونصبوا له الغوائل وعزموا على قتله وهَمّوا بالدخول عليه فرفعه
الله إليه وألقى شبهه على بعضٍ منهم فقتلوه وصلبوه .. فقالوا إفكاً وزورا أنّهم : قتلوا
وصلبوا نبى الله ثم اختلفوا فيما بينهم :
منهم : من قال مثل قولهم بأنّهم : .. قاموا بقتل وصلب نبى الله ورسوله سيدنا عيسى
عليه السلام ..
ومنهم من قال : .. أن ابن الله عيسى كان فينا ثم رفعه الله إليه ..
ومنهم من قال : .. أن الله هو الذى كان بيننا ثم صعد إلى السماء ..
{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ }
{ فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ }
وبعد أن طهر الله نبى الله عيسى عليه السلام ورفعه إليه .. قاموا بالتغيير فى الإنجيل
على عدة أقاويل ما بين زيادة ونقصان وما بين تحريف وتبديل ..
ساء ما يحكمون .. وتعالى الله عما يصفون .. كيف لاينزهون الله مما به يقولون .. ؟ !!
إنه لااجتراء وافتراء .. ..
لقد أطلقوا لبغيهم العنان وقالوا ما قالوا دون برهان ودون علم أو سلطان ..
إنّهم لايرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً وسيظلون يعيثون فى الأرض فساداً فهذا هو ما
قضاه الله فيهم .. فقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه ومحكم آياته :
{كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً }
أما الطائفة التى نصرته وآزرته فقد آمنت بما أوحى إليه وما أنزل عليه وأيقنوا أن الله
قد رفعه إليه ..
{ إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ }
*************
فيا أخى الكريم :
إن قوم بنى إسرائيل من اليهود والنصارى قد خالفوا ما أمرهم به نبى الله سيدنا موسى
عليه السلام .. قست قلوبُهم من بعد إيمانِهم وأنكروا الفضل الذى أتاهم الله وفضلهم
به على كافة خلق الله .. فأصبحوا قوم بُهت وضلال ..
أرسل الله إليهم أنبياءً آخرين فريقاً كذبوه .. وفريقاً آخر قتلوه ..
أرسل الله إليهم سيدنا عيسى عليه السلام .. رموه بالسحر والباطل وكذبوا بآياته
ومعجزاته ..
أرسل الله إليهم خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. فأنكروه
ولم يصدقوه ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم وهم يعلمون .. ولم يؤمنوا بدين الله الذى
أمرهم به رب العالمين ..
*************
أسيظلون جاهلين غير مهتدين للشرك مذعنين وفى الغى والضلال قابعين .. ؟ !
فهؤلاء هم وكل من نَهج نَهجهم وسار على دربِهم .. ظلموا أنفسهم ونسوا الفطرة
التى فطرها الله لهم واشتروا الضلالة بالهدى والعذاب بالمغفرة وزاغوا
ومالوا عن الهدى والإستقامة ..
لم يعوا أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرسله الله رحمة لهم ولكل
العالمين ..
لم يعوا أن رسالة الإسلام قد جاءت من الله نعمة فجحدها الضالين لأنّهم لا يريدون إلا
النقمة ..
جاءت تَهديهم إلى جنة النعيم إلا أنّهم يصرون على العذاب الأليم ..
فألا يستحقون سكنى الجحيم .. ألا يستحقون أن يظلوا فى النار خالدين ..
فمن كفر ليس كمن آمن ومن اجترح السيئات ليس كمن آمن وعمل الصالحات ..
هل يستوى الأحياء مع الأموات .. هل يستوى الأعمى والبصير .. هل يستوى الظل
والحرور .. هل تستوى الظلمات والنور ..
عجبا لك يابن ادم
أحلى معلومه عرفتها
.. إذا كااان الجووو شديد الحراااره ... ألقى الله سمعه وبصره إلى أهل الأرض فإذا قال الرجل: [ لا إله الا الله ما أشد حر هذا اليوم اللهم أجرني من حر جهنم ] قال الله لجهنم " إن عبدآ من عبادك أستجار بي من حرك وإني أشهدك أني قد أجرته منك " | أنشــــر ...| هالكلام أحسن من : أففف حـر ! سبحآنك مآ أعظمك يالله ..
عجبا لك ياابن آدم
عندما تولد يؤذن فـِـيْ اذنك من غير صلاة
وعندما تموت يصلى عليك من غير آذان.
عجبا لك ياابن آدم
عندم تولد لا تعلم من الذي أخرجك من بطن أمك
وعندما تموت لا تعلم من الذي أدخلك إلى قبرك
عجبا لك ياابن آدم
عندما ولدت تغسل وتنظف
وعندما تموت تغسل وتنظف
عجبا لك ياابن آدم
عندما تولد لاتعلم من فرح واستبشر بك
وعندما تموت لاتعلم من بكى عليك وحزن
عجبا لك ياابن آدم
في بطن أمك كنت في مكان ضيق ومظلم
وعندما تموت تكون في مكان ضيق ومظلم
عجبا لك ياابن آدم
عندما ولدت تغطى بالقماش ليستروك
وعندما تموت تكفن بالقماش ليستروك
عجبا لك ياابن آدم
عندما ولدت وكبرت يسألك الناس عن شهادتك
وخبراتك
وعندما تموت تسألك الملائكة عن عملك الصالح
فماذا أعددت لآخرتك ؟
جرب تقولهآ من قلب :
آشهد آن لآ آله آلآ آلله ۈآشهد آن
محمد رسول آلله ..
معلووومه رااائعه
هل تعلم اين توضع ذنوبك وانت في صلاتك؟؟
قال رسول الله صلى الله عليه وعلي اله وصحبه وسلم
((ان العبد اذا قام يصلي اتى بذنوبه كلها فوضعت على راسه و عاتقيه فكلماركع او سجد تساقطت عنه)
يامن تتعجل في الركوع والسجود
اطل
سجودك و ركوعك بقدر ماتستطيع
لتتساقط عنك الذنوب فلاتفوت هذاالاجر
"من گتم علما لجمه اللہ بلجام من نار يوم القيآمه
.. إذا كااان الجووو شديد الحراااره ... ألقى الله سمعه وبصره إلى أهل الأرض فإذا قال الرجل: [ لا إله الا الله ما أشد حر هذا اليوم اللهم أجرني من حر جهنم ] قال الله لجهنم " إن عبدآ من عبادك أستجار بي من حرك وإني أشهدك أني قد أجرته منك " | أنشــــر ...| هالكلام أحسن من : أففف حـر ! سبحآنك مآ أعظمك يالله ..
عجبا لك ياابن آدم
عندما تولد يؤذن فـِـيْ اذنك من غير صلاة
وعندما تموت يصلى عليك من غير آذان.
عجبا لك ياابن آدم
عندم تولد لا تعلم من الذي أخرجك من بطن أمك
وعندما تموت لا تعلم من الذي أدخلك إلى قبرك
عجبا لك ياابن آدم
عندما ولدت تغسل وتنظف
وعندما تموت تغسل وتنظف
عجبا لك ياابن آدم
عندما تولد لاتعلم من فرح واستبشر بك
وعندما تموت لاتعلم من بكى عليك وحزن
عجبا لك ياابن آدم
في بطن أمك كنت في مكان ضيق ومظلم
وعندما تموت تكون في مكان ضيق ومظلم
عجبا لك ياابن آدم
عندما ولدت تغطى بالقماش ليستروك
وعندما تموت تكفن بالقماش ليستروك
عجبا لك ياابن آدم
عندما ولدت وكبرت يسألك الناس عن شهادتك
وخبراتك
وعندما تموت تسألك الملائكة عن عملك الصالح
فماذا أعددت لآخرتك ؟
جرب تقولهآ من قلب :
آشهد آن لآ آله آلآ آلله ۈآشهد آن
محمد رسول آلله ..
معلووومه رااائعه
هل تعلم اين توضع ذنوبك وانت في صلاتك؟؟
قال رسول الله صلى الله عليه وعلي اله وصحبه وسلم
((ان العبد اذا قام يصلي اتى بذنوبه كلها فوضعت على راسه و عاتقيه فكلماركع او سجد تساقطت عنه)
يامن تتعجل في الركوع والسجود
اطل
سجودك و ركوعك بقدر ماتستطيع
لتتساقط عنك الذنوب فلاتفوت هذاالاجر
"من گتم علما لجمه اللہ بلجام من نار يوم القيآمه
حوار بين النفس الطائعة والنفس العاصية
في يوم من الايام كانت هناك نفس طائعة تمشي بخطوات متسارعة مرددة
سبحان الله.والحمد لله. ولا اله الا الله.الله اكبر
وإذا بصوت يناديها ...أنت أيتها النفس الى أين تذهبين مسرعة
النفس الطائعة:
سبحان الله.والحمد لله. ولا اله الا الله.الله اكبر
وإذا بصوت يناديها ...أنت أيتها النفس الى أين تذهبين مسرعة
النفس الطائعة:
أذهب إلى المسجد هل تذهبين معي ؟
النفس العاصية:
آه فهمت أنت من أؤلائك الرجعيون ...لا وقت عندي لذلك
النفس الطائعة:
ولأي شئ عندك وقت إذا؟
النفس العاصية:
وقتي كله سعادة ولهو وغناء ونساء كاسيات عاريات
النفس الطائعة:
أو تجدين سعادتك في معصية الله ؟! قولي لا إله إلا أنت....سبحانك إني كنت من الظالمين
النفس العاصية:
ما هذة الكلمات التي ما سكت لسانك عن ترديدها
النفس الطائعة:
إنها ذكر لله عسى الله ان يكتبني في الذاكرين والذاكرات
النفس العاصية :
دعك من هذا الكلام واسمعي معي أجمل الكلمات والألحان...
هل رأى الحب سكارى مثلنا....هل رأى الحب سكارى ...
النفس الطائعة:
أعوذ بالله من قائل هذه الكلمات المجاهرة بالمعصية ...أما علمت أن الخمر حرام؟
النفس العاصية:
دعينا نتمتع بالحياة نلهو ونشرب ... وقبل الموت نتوب لا زال الوقت طويلا!!
النفس الطائعة:
أو تعلمين متى ستموتين؟
النفس العاصية:
ما هذا الحديث الممل عن الموت؟...إننا لا زلنا شبابا ..هيا تعالي معي ارتعي وتمتعي
النفس الطائعة:
لم تجيبيني .... متى ستموتين؟
النفس العاصية :
هل أنت غبية يا هذه ..طبعا لا أحد يعلم متى سيموت !
النفس الطائعة:
إذا لماذا تؤجلين التوبة علك تموتين في أي لحظة , ربما الآن !
النفس العاصية :
بعيد الشر عني .. أتدعين علي بالموت ؟!
النفس الطائعة:
ولكن الموت ليس شرا ولكنه حق علينا جميعا
النفس العاصية:
هيا ابتعدي عني ....والله إني أشعر بأني سأختنق
النفس الطائعة:
تعالي أقرأ عليك القرآن عل الله يشفيك ولعله يهديك
النفس العاصية:
لا لا آه ...آه ...لا أستطيع التنفس...سأموت
النفس الطائعة:
لا حول ولا قوة إلا بالله ...قولي لا إله إلا الله ..أتوسل اليك قولي
النفس العاصية :
دعيني من كلامك...هل رأى الحب سكارى مثلنا...
آه ...آه...هل رأى الحب ....
النفس الطائعة:
لا حول ولا قوة الا بالله...إنا لله وإنا إليه راجعون المؤذن : الله أكبر...الله أكبر.....أشهد أن لا إله إلا الله
النفس العاصية:
آه فهمت أنت من أؤلائك الرجعيون ...لا وقت عندي لذلك
النفس الطائعة:
ولأي شئ عندك وقت إذا؟
النفس العاصية:
وقتي كله سعادة ولهو وغناء ونساء كاسيات عاريات
النفس الطائعة:
أو تجدين سعادتك في معصية الله ؟! قولي لا إله إلا أنت....سبحانك إني كنت من الظالمين
النفس العاصية:
ما هذة الكلمات التي ما سكت لسانك عن ترديدها
النفس الطائعة:
إنها ذكر لله عسى الله ان يكتبني في الذاكرين والذاكرات
النفس العاصية :
دعك من هذا الكلام واسمعي معي أجمل الكلمات والألحان...
هل رأى الحب سكارى مثلنا....هل رأى الحب سكارى ...
النفس الطائعة:
أعوذ بالله من قائل هذه الكلمات المجاهرة بالمعصية ...أما علمت أن الخمر حرام؟
النفس العاصية:
دعينا نتمتع بالحياة نلهو ونشرب ... وقبل الموت نتوب لا زال الوقت طويلا!!
النفس الطائعة:
أو تعلمين متى ستموتين؟
النفس العاصية:
ما هذا الحديث الممل عن الموت؟...إننا لا زلنا شبابا ..هيا تعالي معي ارتعي وتمتعي
النفس الطائعة:
لم تجيبيني .... متى ستموتين؟
النفس العاصية :
هل أنت غبية يا هذه ..طبعا لا أحد يعلم متى سيموت !
النفس الطائعة:
إذا لماذا تؤجلين التوبة علك تموتين في أي لحظة , ربما الآن !
النفس العاصية :
بعيد الشر عني .. أتدعين علي بالموت ؟!
النفس الطائعة:
ولكن الموت ليس شرا ولكنه حق علينا جميعا
النفس العاصية:
هيا ابتعدي عني ....والله إني أشعر بأني سأختنق
النفس الطائعة:
تعالي أقرأ عليك القرآن عل الله يشفيك ولعله يهديك
النفس العاصية:
لا لا آه ...آه ...لا أستطيع التنفس...سأموت
النفس الطائعة:
لا حول ولا قوة إلا بالله ...قولي لا إله إلا الله ..أتوسل اليك قولي
النفس العاصية :
دعيني من كلامك...هل رأى الحب سكارى مثلنا...
آه ...آه...هل رأى الحب ....
النفس الطائعة:
لا حول ولا قوة الا بالله...إنا لله وإنا إليه راجعون المؤذن : الله أكبر...الله أكبر.....أشهد أن لا إله إلا الله
سياط القلوب قبل لقاء علام الغيوب
بسم الله الرحمن الرحيم
و الصلاة و السلام على رسول الله و على صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
و الصلاة و السلام على رسول الله و على صحبه أجمعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد
فهذه مواعظ قصيرة جعلتها عونا لنفسي و إخواني للتزود ليوم الميعاد و الإستعداد, و التأهب للموت قبل الفوت, فلعلها توقظ راقدا أو تنبه غافلا , وهي عبارة عن:
آيات قرآنية
أحاديث
أقوال و مواقف السلف
قصص
وقد أهمل في بعض الأحيان المصادر و الأشخاص , لمصلحة رأيتها ولأن المقام مقام وعظ و ليس تأصيل المسائل.
ما كل من وصف الدواء يستعمله ... ولا كل من وصف التقى ذو تقى
وصفت التقى حتى كأني ذو تقى ... وريح الخطايا من ثيابي تعبق
فوائد مجالس التذكير
كانت مجالس النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه عامتها مجالس تذكير بالله وترغيب وترهيب إما بتلاوة القرآن أو بما آتاه الله من الحكمة والموعظة الحسنة وتعليم ما ينفع في الدين كما أمره الله تعالى في كتابه أن يذكر ويعظ ويقص وأن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة ,وأن يبشر وينذر وسماه الله {مُبَشِّراً وَنَذِيراً ، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ} [الأحزاب: 45, 46] والتبشير والإنذار: هو الترغيب والترهيب فلذلك كانت تلك المجالس توجب لأصحابه رقة القلب والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة.
حال الناس مع المواعظ
قال ابن رجب:
يعد سماع الموعظة ينقسم الناس إلى عدة أقسام:
فمنهم من يرجع إلى هواه فلا يتعلق بشيء مما سمعه في مجلس الذكر ولا يزداد هدى ولا يرتدع عن ردىء ,وهؤلاء شر الأقسام ويكون ما سمعوه حجة عليهم فتزداد به عقوبتهم وهؤلاء الظالمين لأنفسهم: {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [النحل:108].
ومنهم من ينتفع بما سمعه وهم على أقسام:
فمنهم من يرده ما سمعه عن المحرمات ويوجب له التزام الواجبات "وهؤلاء المقتصدون أصحاب اليمين"
ومنهم من يرتقي عن ذلك إلى التشمير في نوافل الطاعات والتورع عن دقائق المكروهات ويشتاق إلى إتباع آثار من سلف من السادات "وهؤلاء السابقون المقربون".
أقسام الناس في استحضار و الأنتفاع مما سمعوه في مجالس الذكر
و ينقسم المنتفعون بسماع مجلس الذكر في استحضار ما سمعوه في المجلس والغفلة عنه إلى ثلاثة أقسام:
فقسم يرجعون إلى مصالح دنياهم المباحة فيشتغلون بها فتذهل بذلك قلوبهم عما كانوا يجدونه في مجلس الذكر من استحضار عظمة الله وجلاله وكبريائه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وهذا هو الذي شكاه الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وخشوا لكمال معرفتهم وشدة خوفهم أن يكون نفاقا فأعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس نفاق.
وقسم آخر يستمرون على استحضار حال مجلس سماع الذكر فلا يزال تذكر ذلك بقلوبهم ملازما لهم وهؤلاء على قسمين:
أحدهما : من يشغله ذلك عن مصالح دنياه المباحة فينقطع عن الخلق فلا يقوى على مخالطتهم ولا القيام بوفاء حقوقهم وكان كثير من السلف على هذه الحال فمنهم من كان لا يضحك أبدا ومنهم من كان يقول: لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد.
والثاني: من يستحضر ذكر الله وعظمته وثوابه وعقابه بقلبه ويدخل ببدنه في مصالح دنياه من اكتساب الحلال والقيام على العيال ويخالط الخلق فيما يوصل إليهم به النفع مما هو عبادة في نفسه كتعلم العلم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهؤلاء أشرف القسمين وهم خلفاء الرسل.
أشياء أخرى تزهد في الدنيا
قال القرطبي في التذكرة:
قال العلماء رحمة الله عليهم : ليس للقلوب أنفع من زيارة القبور و خاصة إن كانت قاسية فعلى أصحابها أن يعالجوها بأربعة أمور :
أحدها : الإقلاع عما هي عليه بحضور مجالس العلم بالوعظ و التذكر ، و التخويف و الترغيب ، و أخبار الصالحين . فإن ذلك مما يلين القلوب و ينجع فيها .
الثاني : ذكر الموت من ذكر هادم اللذات و مفرق الجماعات و ميتم البنين و البنات كما تقدم في الباب قبل ، يروى أن امرأة شكت إلى عائشة رضي الله عنها قساوة قلبها . فقالت لها : أكثري من ذكر الموت يرق قلبك . ففعلت ذلك فرق قلبها . فجاءت تشكر عائشة رضي الله عنها . قال العلماء : تذكر الموت يردع عن المعاصي ، و يلين القلب القاسي ، و يذهب الفرح بالدنيا و يهون المصائب فيها .
الثالث : مشاهدة المحتضرين ، فإن في النظر إلى الميت و مشاهدة سكراته ، و نزعاته ، و تأمل صورته بعد مماته ، ما يقطع عن النفوس لذاتها ، و يطرد عن القلوب مسراتها ، و يمنع الأجفان من النوم ، و الأبدان من الراحة ، ويبعث على العمل ، و يزيد في الاجتهاد و التعب .
يروى أن الحسن البصري دخل على مريض يعوده فوجده في سكرات الموت فنظر إلى كربه ، و شدة ما نزل به ، فرجع إلى أهله ، بغير اللون الذي خرج به من عندهم فقالوا له : الطعام يرحمك الله فقال : يا أهلاه عليكم بطعامكم و شرابكم . فو الله لقد رأيت مصرعاً لا أزال أعمل له حتى ألقاه .
معنى الإخلاص ؟
سئل فضيلة الشيخ بن عثيمين : عن معنى الإخلاص ؟ وإذا أراد العبد بعبادته شيئاً آخر فما الحكم ؟ .
فأجاب بقوله : الإخلاص لله تعالى معناه :" أن يقصد العبد بعبادته التقرب إلى الله سبحانه وتعالى والتوصل إلى دار كرامته ". وإذا أراد العبد بعبادته شيئاً آخر ففيه تفصيل حسب الأقسام التالية : -
القسم الأول : أن يريد التقرب إلى غير الله تعالى في هذه العبادة ونيل الثناء عليها من المخلوقين ، فهذا يحبط العمل وهو من الشرك .وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " .
القسم الثاني أن يقصد بها الوصول إلى غرض دنيوي كالرئاسة ، والجاه ، والمال دون التقرب بها إلى الله تعالى فهذا عمله حابط لا يقربه إلى الله تعالى، لقوله تعالى: (( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون *أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون )) .
والفرق بين هذا والذي قبله أن الأول قصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله تعالى وأما الثاني فلم يقصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله تعالى ولا يهمه أن يثني الناس عليه بذلك .
القسم الثالث : أن يقصد بها التقرب إلى الله تعالى والغرض الدنيوي الحاصل بها ، مثل أن يقصد مع نية التعبد لله تعالى بالطهارة تنشيط الجسم وإزالة فضلاته ، وبالحج مشاهدة المشاعر والحجاج ، فهذا ينقص أجر الإخلاص ، ولكن إن كان أغلب عليه نية التعبد فقد فاته كمال الأجر ، ولكن لايضره ذلك باقتراف إثم أو وزر لقوله تعالى في الحجاج : ((ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم )) .
وإن كان الأغلب عليه نية غير التعبد فليسله ثواب في الآخرة ، وإنما ثوابه ما حصله في الدنيا ، وأخشى أن يأثم بذلك لأنه جعل العبادة التي هي أسمى الغايات وسيلة للدنيا الحقيرة، فهو كمن قال الله فيهم : (( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون )) . وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلً قال : يا رسول الله رجلٌ الجهاد ويريد عرض من عرض الدنيا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا أجر له " . فأعاد ثلاثاً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" لا أجر له " .
وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
إن تساوى عنده الأمران فلم تغلب عليه نية التعبد ولا نية غير التعبد فمحل نظر . والأقرب أنه لا ثواب له كمن عمل لله تعالى ولغيره .
والفرق بين هذا القسم والذي قبله أن غير غرض التعبد في القسم السابق حاصل بالضرورة و كأنه أراد ما يقتضيه العمل من أمر الدنيا .
فأن قيل : ما هو الميزان لكون مقصوده في هذا القسم أغلبه التعبد أو غير التعبد ؟.
قلنا : الميزان أنه إذا كان لا يهتم بما سوى العبادة حصل له أم لم يحصل فقد دل على أن الأغلب نية التعبد والعكس بالعكس .
وعلى كل حال فإن النية التي هي قول القلب أمرها عظيم وشأنها خطير فقد ترتقي بالعبد إلى درجة الصديقين ، وقد ترده إلى أسفل السافلين ، وقال بعض السلف : ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص ،فنسأل الله لنا ولكم الإخلاص في النية والصلاح في العمل.
......
هذا الموضوع سيُقبلُ عليه أقوام
وسيدبرُ عنه أقوام
سيقرأه أقوام الى آخره، ولا يجدون في نفوسهم الا كلّ راحة...
وسيقرأه غيرُهم لكن سيجدون في صدورهم شيئاً من الضيق والحرج
ومن يطّلع على هذا كلّه عندي وعندك، بالاضافة لي ولك...الله الذي لا تخفى عليه خافية
فيامن ملأ الكبرُ قلبك،
وتحدّث نفسك في كلّ موقف وحال أنك غير الناس
في كلامك عُجب
وفي جلستك خيلاء
وفي حديثك كبر
راجع نفسك...فقد ارتديت ثوباً يُرديك المهالك.
فأجاب بقوله : الإخلاص لله تعالى معناه :" أن يقصد العبد بعبادته التقرب إلى الله سبحانه وتعالى والتوصل إلى دار كرامته ". وإذا أراد العبد بعبادته شيئاً آخر ففيه تفصيل حسب الأقسام التالية : -
القسم الأول : أن يريد التقرب إلى غير الله تعالى في هذه العبادة ونيل الثناء عليها من المخلوقين ، فهذا يحبط العمل وهو من الشرك .وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " قال الله تعالى : أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " .
القسم الثاني أن يقصد بها الوصول إلى غرض دنيوي كالرئاسة ، والجاه ، والمال دون التقرب بها إلى الله تعالى فهذا عمله حابط لا يقربه إلى الله تعالى، لقوله تعالى: (( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون *أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون )) .
والفرق بين هذا والذي قبله أن الأول قصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله تعالى وأما الثاني فلم يقصد أن يثنى عليه من قبل أنه عابد لله تعالى ولا يهمه أن يثني الناس عليه بذلك .
القسم الثالث : أن يقصد بها التقرب إلى الله تعالى والغرض الدنيوي الحاصل بها ، مثل أن يقصد مع نية التعبد لله تعالى بالطهارة تنشيط الجسم وإزالة فضلاته ، وبالحج مشاهدة المشاعر والحجاج ، فهذا ينقص أجر الإخلاص ، ولكن إن كان أغلب عليه نية التعبد فقد فاته كمال الأجر ، ولكن لايضره ذلك باقتراف إثم أو وزر لقوله تعالى في الحجاج : ((ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم )) .
وإن كان الأغلب عليه نية غير التعبد فليسله ثواب في الآخرة ، وإنما ثوابه ما حصله في الدنيا ، وأخشى أن يأثم بذلك لأنه جعل العبادة التي هي أسمى الغايات وسيلة للدنيا الحقيرة، فهو كمن قال الله فيهم : (( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون )) . وفي سنن أبي داود عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلً قال : يا رسول الله رجلٌ الجهاد ويريد عرض من عرض الدنيا . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا أجر له " . فأعاد ثلاثاً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول :" لا أجر له " .
وفي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه " .
إن تساوى عنده الأمران فلم تغلب عليه نية التعبد ولا نية غير التعبد فمحل نظر . والأقرب أنه لا ثواب له كمن عمل لله تعالى ولغيره .
والفرق بين هذا القسم والذي قبله أن غير غرض التعبد في القسم السابق حاصل بالضرورة و كأنه أراد ما يقتضيه العمل من أمر الدنيا .
فأن قيل : ما هو الميزان لكون مقصوده في هذا القسم أغلبه التعبد أو غير التعبد ؟.
قلنا : الميزان أنه إذا كان لا يهتم بما سوى العبادة حصل له أم لم يحصل فقد دل على أن الأغلب نية التعبد والعكس بالعكس .
وعلى كل حال فإن النية التي هي قول القلب أمرها عظيم وشأنها خطير فقد ترتقي بالعبد إلى درجة الصديقين ، وقد ترده إلى أسفل السافلين ، وقال بعض السلف : ما جاهدت نفسي على شيء مجاهدتها على الإخلاص ،فنسأل الله لنا ولكم الإخلاص في النية والصلاح في العمل.
......
هذا الموضوع سيُقبلُ عليه أقوام
وسيدبرُ عنه أقوام
سيقرأه أقوام الى آخره، ولا يجدون في نفوسهم الا كلّ راحة...
وسيقرأه غيرُهم لكن سيجدون في صدورهم شيئاً من الضيق والحرج
ومن يطّلع على هذا كلّه عندي وعندك، بالاضافة لي ولك...الله الذي لا تخفى عليه خافية
فيامن ملأ الكبرُ قلبك،
وتحدّث نفسك في كلّ موقف وحال أنك غير الناس
في كلامك عُجب
وفي جلستك خيلاء
وفي حديثك كبر
راجع نفسك...فقد ارتديت ثوباً يُرديك المهالك.
الفرق بين التوبة والإنابة
يقول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:
من نزل في التوبة وقام مقامها نزل في جميع منازل الإسلام فإن التوبة الكاملة متضمنة لها، وهي متدرجة فيها، فإذا استقرت قدمه في منزل التوبة نزل بعده منزل الإنابة" اهــ
وكلامه هذا رحمه الله مشعر بأن بين التوبة والإنابة فرقا وإن كان دقيقا ، وسيأتي بيانه إن شاء الله.
فالتوبة هي كما قال ابن فارس في معجمه :
التاء والواو والباء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على الرُّجوع. يقال تابَ مِنْ ذنبه، أي رَجَعَ عنه يتوب إلى الله تَوبةً ومَتَاباً، فهو تائب. والتَّوْبُ التَّوبة. قال الله تعالى: (وَقَابِلِ التَّوْبِ( [غافر 3].
وبنحو ذلك قال صاحب اللسان.
والتوبة وإن كانت بمعنى الرجوع لكنها لاتطلق إلا على الرجوع إلى الحق.
وأما الإنابة فأصلها النوب وهو :
النون والواو والباء كلمةٌ واحدة تدلُّ على اعتياد مكان ورجوعٍ إليه .كما في معجم ابن فارس.
وقال صحاب تاج العروس :
ونابَ زيدٌ إِلى اللهِ تَعَالى : أَقبَلَ وتابَ ورجَعَ إِلى الطّاعَة كأَنَابَ إِليهِ إِنابَةً فهو مُنِيبٌ واقتصر الجوهريُّ على الرُّباعيّ . وقيلَ : نابَ : لَزِمَ الطّاعَةَ وأَنابَ : تابَ ورجعَ وفي حديث الدُّعاءِ.
ويفهم من هذين التعريفين أن الإنابة توبة وزيادة ، وليست بمعناه تماما، ففي الإنابة معنى اللزوم للطاعة بعد الرجوع بالتوبة، ولهذا قال ابن القيم ، نزل بعدها منزلة الإنابة.
وقد قال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية:
الفرق بين التوبة والانابة: قيل: التوبة هي الندم على فعل ما سبق.
والإنابة: ترك المعاصي في المستقبل.
ويؤيد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي صححه الشيخ الألباني رحمه الله: (الندم توبة).
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:
و الإنابة الثانية إنابة أوليائه وهي إنابة لإلهيته، إنابة عبودية ومحبة وهي تتضمن أربعة أمور : محبته والخضوع له والإقبال عليه والإعراض عما سواه فلا يستحق اسم المنيب إلا من اجتمعت فيه هذه الأربعة وتفسير السلف لهذه اللفظة يدور على ذلك، وفي اللفظة معنى
الإسراع والرجوع والتقدم و المنيب إلى الله : المسرع إلى مرضاته الراجع إليه كل وقت المتقدم إلى محابه .
وقال في الفوائد: قوله (وجاء بقلب منيب) قال ابن عباس راجع عن معاصى الله مقبل علي طاعة الله وحقيقة الإنابة عكوف القلب علي طاعة الله ومحبته والإقبال عليه. ا.هـــ
فجعل من معانيها العكوف على الطاعة وهو بمعنى لزومها
وقال في المدارج عند منزلة الإنابة:
النفس لها ثلاثة أحوال : الأمر بالذنب ثم اللوم عليه والندم منه ،ثم الطمأنينة إلى ربها والإقبال بكليتها عليه وهذه الحال أعلى أحوالها وأرفعها، وهي التي يشمر إليها المجاهد، وما يحصل له من ثواب مجاهدته وصبره فهو لتشميره إلى درجة الطمأنينة إلى الله، فهو بمنزلة راكب القفار والمهامه والأهوال ليصل إلى البيت فيطمئن قلبه برؤيته والطواف به، والآخر بمنزلة من هو مشغول به طائفا وقائما وراكعا وساجدا ليس له التفات إلى غيره، فهذا مشغول بالغاية وذاك بالوسيلة، وكل له أجر ولكن بين أجر الغايات وأجر الوسائل بونوما يحصل للمطمئن من الأحوال والعبودية والإيمان فوق ما يحصل لهذا المجاهد نفسه في ذات الله وإن كان أكثر عملا فقدر عمل المطمئن المنيب بجملته وكيفيته أعظم وإن كان هذا المجاهد أكثر عملا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.ا.هـــ
وهذه بعض أقوال المفسرين في ذلك:
قال الطبري رحمه الله في تفسيره:
عن مجاهد:(أوّاه منيب)، قال: القانت: الرَّجاع.
وقال القرطبي في تفسيره:
{وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} مقبل على الطاعة. وقيل: مخلص. وقال أبو بكر الوراق: علامة المنيب أن يكون عارفا لحرمته ومواليا له، متواضعا لجلاله تاركا لهوى نفسه. قلت: ويحتمل أن يكون القلب المنيب القلب
من نزل في التوبة وقام مقامها نزل في جميع منازل الإسلام فإن التوبة الكاملة متضمنة لها، وهي متدرجة فيها، فإذا استقرت قدمه في منزل التوبة نزل بعده منزل الإنابة" اهــ
وكلامه هذا رحمه الله مشعر بأن بين التوبة والإنابة فرقا وإن كان دقيقا ، وسيأتي بيانه إن شاء الله.
فالتوبة هي كما قال ابن فارس في معجمه :
التاء والواو والباء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على الرُّجوع. يقال تابَ مِنْ ذنبه، أي رَجَعَ عنه يتوب إلى الله تَوبةً ومَتَاباً، فهو تائب. والتَّوْبُ التَّوبة. قال الله تعالى: (وَقَابِلِ التَّوْبِ( [غافر 3].
وبنحو ذلك قال صاحب اللسان.
والتوبة وإن كانت بمعنى الرجوع لكنها لاتطلق إلا على الرجوع إلى الحق.
وأما الإنابة فأصلها النوب وهو :
النون والواو والباء كلمةٌ واحدة تدلُّ على اعتياد مكان ورجوعٍ إليه .كما في معجم ابن فارس.
وقال صحاب تاج العروس :
ونابَ زيدٌ إِلى اللهِ تَعَالى : أَقبَلَ وتابَ ورجَعَ إِلى الطّاعَة كأَنَابَ إِليهِ إِنابَةً فهو مُنِيبٌ واقتصر الجوهريُّ على الرُّباعيّ . وقيلَ : نابَ : لَزِمَ الطّاعَةَ وأَنابَ : تابَ ورجعَ وفي حديث الدُّعاءِ.
ويفهم من هذين التعريفين أن الإنابة توبة وزيادة ، وليست بمعناه تماما، ففي الإنابة معنى اللزوم للطاعة بعد الرجوع بالتوبة، ولهذا قال ابن القيم ، نزل بعدها منزلة الإنابة.
وقد قال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية:
الفرق بين التوبة والانابة: قيل: التوبة هي الندم على فعل ما سبق.
والإنابة: ترك المعاصي في المستقبل.
ويؤيد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي صححه الشيخ الألباني رحمه الله: (الندم توبة).
قال ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين:
و الإنابة الثانية إنابة أوليائه وهي إنابة لإلهيته، إنابة عبودية ومحبة وهي تتضمن أربعة أمور : محبته والخضوع له والإقبال عليه والإعراض عما سواه فلا يستحق اسم المنيب إلا من اجتمعت فيه هذه الأربعة وتفسير السلف لهذه اللفظة يدور على ذلك، وفي اللفظة معنى
الإسراع والرجوع والتقدم و المنيب إلى الله : المسرع إلى مرضاته الراجع إليه كل وقت المتقدم إلى محابه .
وقال في الفوائد: قوله (وجاء بقلب منيب) قال ابن عباس راجع عن معاصى الله مقبل علي طاعة الله وحقيقة الإنابة عكوف القلب علي طاعة الله ومحبته والإقبال عليه. ا.هـــ
فجعل من معانيها العكوف على الطاعة وهو بمعنى لزومها
وقال في المدارج عند منزلة الإنابة:
النفس لها ثلاثة أحوال : الأمر بالذنب ثم اللوم عليه والندم منه ،ثم الطمأنينة إلى ربها والإقبال بكليتها عليه وهذه الحال أعلى أحوالها وأرفعها، وهي التي يشمر إليها المجاهد، وما يحصل له من ثواب مجاهدته وصبره فهو لتشميره إلى درجة الطمأنينة إلى الله، فهو بمنزلة راكب القفار والمهامه والأهوال ليصل إلى البيت فيطمئن قلبه برؤيته والطواف به، والآخر بمنزلة من هو مشغول به طائفا وقائما وراكعا وساجدا ليس له التفات إلى غيره، فهذا مشغول بالغاية وذاك بالوسيلة، وكل له أجر ولكن بين أجر الغايات وأجر الوسائل بونوما يحصل للمطمئن من الأحوال والعبودية والإيمان فوق ما يحصل لهذا المجاهد نفسه في ذات الله وإن كان أكثر عملا فقدر عمل المطمئن المنيب بجملته وكيفيته أعظم وإن كان هذا المجاهد أكثر عملا وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.ا.هـــ
وهذه بعض أقوال المفسرين في ذلك:
قال الطبري رحمه الله في تفسيره:
عن مجاهد:(أوّاه منيب)، قال: القانت: الرَّجاع.
وقال القرطبي في تفسيره:
{وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ} مقبل على الطاعة. وقيل: مخلص. وقال أبو بكر الوراق: علامة المنيب أن يكون عارفا لحرمته ومواليا له، متواضعا لجلاله تاركا لهوى نفسه. قلت: ويحتمل أن يكون القلب المنيب القلب
[ تفريغ ] [ خطبة جمعة ] [ نُصحح ونهدم ] لفضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
هذا هو الردُّ (العاشر) من ملف (أبي الفتن)، والذي يردُّ فيه فضيلة الشيخ المجاهد محمد سعيد رسلان -حفظه الله- على المُبتدِع (أبي الفتن المأربي) -هداه الله أو قصم ظهره-.
تاريخ إلقاء هذه الخطبة
الجمعة 23 من ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 16-3-2012 م
عناصر الخطبة
1. أحاديث علامات الساعة، والسنوات الخداعات، وهلاك الوُعول -وهم أشراف الناس وحكماؤهم-، وظهور التُّحوت -وهم الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يُعلم بهم-؛ فاعتلوا المناصب وأصبحت لهم الكلمة .
2. معجزة انشقاق القمر على رؤوس الأشهاد وعناد المشركين من أهل مكة واتهامهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه ساحر.
3. قصة العامري وعناده مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمام النخلة.
4. وهذا العناد والخداع والخيانة هو ما يفعله (أبو الفتن) منذ أن جاء إلى أرض الكنانة وحتى يوم الناس هذا، وهذا الخداع هو محاولاته المستمرة لإظهار باطله في قالب الحق وهى عادة أهل البدع والأهواء في كل زمان ومكان.
5. أمثلة متنوعة من أصحاب أهل البد ع والأهواء لإخراج الباطل الذي يتكلمون به في قالب الحق الذي هم بعيدون عنه.
6. مَن هم الحدَّادِيّة مع ذكر صفاتهم, ومحاولة (أبي الفتن) اتهام أهل السنة من السلفيين بالحدادية .
7. (أبو الفتن) سَلَّ سيفه وامتطى ظهر حماره الهزيل ويحارب طواحين الهواء على قناة النِّقمة...والسلفيون بُرآء من كل ما يرمهم به.
8. توضيح مسألة كتاب (فضل العربية) وما تم نشره في الطبعة الأولى منذ 25 عام وما تم تصحيحه في الطبعة الثانية والثالثة وما هو موجود الآن في الطبعة الرابعة، وأوضح الشيخ أنه هو وحده مَن كشف عن الخطأ واعترف به على المنبر وعلى رؤوس الأشهاد ولم ينكره وكان هذا منذ سنوات.
9. مطالبة (أبي الفتن) أن يفعل مثلما فعل الشيخ، وأن يخرج ويقول: إنه أخطأ في حق الصحابة -رضي الله عنهم- وسبهم وطعن فيهم ويستغفر ربه عما اقترف من ذنب، فهل يفعل ذلك أبو الفتن.
10. أقوال (أبي الفتن) في نبي الله داود -عليه السلام- وبعض والصحابة والطعن فيهم مثل: حسان بن ثابت في حادثة الإفك.
11. الصحابي هو كل مَن لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآمن به ومات على ذلك ولو تخللته ردة على الصحيح، فمَن ثبت ذلك فهو من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
12. مطلوب من (أبي الفتن) أن يذكر اسم سلفي من أهل السنة والجماعة على منهاج النبوة, قال برد الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان.
13. الفرق بين الخطأ العارض والخطأ المنهجي مع ذكر أمثلة من أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع توضيح الفرق بين ذلة العالم وبدعة المبتدع عند أهل السنة.
14. مطلوب من (أبي الفتن) أن يوضح لنا قاعدة حمل المجمَل على المفصَّل في أقوال (سيد قطب) في أنبياء الله عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم وأقواله في الشريعة.
15. قاعدة (أبي الفتن) ومَن وراءه هي (نصحِّح ولا نهدِم)، وهى إعادة صياغة لقاعدة (التعاون والمعذرة) التي هي من صياغة محمد رشيد رضا، والإخوان من بعده وهى أساس المنهج الأفيح.
16. وقاعدتنا هي ( نصحِّح ونهدِم): نصحح ما يجب أن يُصحَّح، ونهدم ما يجب أن يُهدم وبهذا يستقيم الدين.
17. أقوال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم وتأسيس قاعدة (نصحِّح ونهدم)، وفعلهم مع صاحب البدعة ومن خالف الرسول صلى الله عليه وسلم.
18- ولأن الدين النصيحة، فهذه نصيحة لـ (أبي الفتن) -وهو من عامة المسلمين- أن يأخذ معه (كُوز سَالَمون!!) وقد وضع فيه قطعة قطنٍ أو صوف قبل الدخول إلى الأستوديو؛ فإذا أردتَ أن تقلبَ الصفحةَ، لا تضع إصبعكَ في فِيكَ؛ لأنها عادةٌ قبيحة، ولكنْ ضع إصبعك في الكوز، ثم اقلب الصفحة، أما أن تُدخل إصبعكَ في فِيكَ مرّات، هذا عيبٌ يا رجل!! الناس يتقززون ويشمئزون!! دعكَ من هذه العادات الطفولية، وعليكَ بالكوز!! [نقلاً عن صفحة "مجموعة دروس فضيلة الشيخ محمد سعيد الرسلان" على الفيس بوك بتصرفٍ يسيرٍ].
التفريغ
لتحميل التفريغ بصيغة PDF - جاهز للطباعة.
اضغط هنـــا أو اضغط هنـــا.
أو
لتحميل التفريغ بصيغة DOC- للتعديل.
اضغط هنـــا أو اضغط هنـــا.
صورة من ملف التفريغ:
القراءة المباشرة
"إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بَعْدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أمّا بَعْدُ:
فقد أخرج البخاري في «التاريخ»، ومن طريقه ابن حبان في «التعليقات الحِسان»، والحاكم، والطبراني في «الأوسط» عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الفُحْشُ وَالبُخْلُ، ويُخَوَّنَ الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنَ الخَائِنُ، وَيَهْلِكَ الوُعُولُ، وَتَظْهَرَ التَّحُوتُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الوُعُولُ وَما التَّحُوتُ؟ قَالَ: «الوُعُولُ: وجُوهُ النَّاسِ وَأَشْرَافُهُمْ، وَالتَّحُوتُ: الَّذِينَ كَانُوا تَحْتَ أَقْدَامِ النَّاسِ لَا يُعْلَمُ بِهِمْ».
وللحديث مُتابِعٌ قوي أخرجه الطبراني في «الأوسط» من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَظْهَرَ الشُّحُّ، وَالفُحْشُ، وَيُؤْتَمَنَ الخَائِنُ، وَيُخَوَّنَ الأَمِينُ، وَيَظْهَرَ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا نِسَاءٌ عَارِيَاتٌ كَاسِيَاتٌ ، ويَعْلُو التُّحوتُ الوُعُولَ». أَكَذَاكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ سَمِعْتَهُ مِنْ حِبِّي -صلى الله عليه وآله وسلم-؟ قَالَ: نَعَمْ، وَرَبِّ الكَعْبَةِ. قُلْنَا: وَمَا التُّحوتُ؟ قَالَ: «فُسُولُ الرِّجَالِ، وَأَهْلُ البُيُوتِ الغامِضَةِ، يُرْفَعُونَ فَوْقَ صَالِحِيهِمْ. وَالوُعُولُ: أَهْلُ البُيُوتِ الصَّالِحَةِ».
وأخرج أحمد، وابن ماجة، وصححه الألبانيُّ في صحيح سنن ابن ماجة وفي السلسلة الصحيحة عن أبي موسى -رضي الله عنه- أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «إن بين يدي الساعة لهَرْجًا» ، قال: قلتُ: يا رسول الله، وما الهَرْجُ؟ قال: «القتلُ» ، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «ليس بقتل المشركين، ولكن يقتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره، وابنَ عمه وذا قرابته» ، فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا، تُنْزَعُ عقول أكثر ذلك الزمان، ويَخْلُفُ لهم هباءٌ من الناس لا عقولَ لهم». ثم قال أبو موسى -رضي الله عنه-: «وايمُ اللهِ، إني لأظنها مُدْرَكَتِي وإياكم، وايمُ الله، ما لي ولكم منها مخرجٌ، إنْ أدركتنا فيما عهد إلينا نبينا -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن نخرج كما دخلنا فيها».
وأخرج أحمد، وابن ماجة، وصححه الألبانيُّ في السلسلة الصحيحة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ: يُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ».
وأخرج ابنُ حِبّان في صحيحه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «كَيْفَ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللهِ بن عمرو لو بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ -والحُثالة: الرَّدِيء من كل شيء. يُريدُ: أراذِلَهم- مِنَ النَّاسِ؟»، قَالَ: وَما ذَاكَ ومَا هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «ذَاكَ إِذَا مَرِجَتْ عهودُهم وأَمَانَاتُهُمْ، وصاروا هَكَذَا»، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَكَيْفَ بِي يا رسول الله؟ قال: «تعملُ مَا تَعْرِفُ، وَتَدَعُ مَا تُنْكِرُ، وَتَعْمَلُ بِخَاصَّةِ نفسك، وتدعُ عوامَّ الناس».
في النفس البشرية مَثالِبُ خَفِيَّة، تلتوي أحيانًا وتستقيم أحيانًا، وتُظهِر الحقَّ في ثَوب الباطل تارةً، وتُظهِر الباطلَ في ثَوب الحقِّ تارات، ومهما جئتها به من بينة؛ لترشدها رُدَّتْ عليكَ بينتكَ وثُرِّبَ عليكَ.
والحقُّ لا يضيره شيء من ذلك كله، ولا يثنيه عن بلوغ سواء النفوس الكريمة ليحيها الله به كما يُحي الأرضَ المَوات بالحيا الطهور.
أخرج البخاري بسنده عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: انْشَقَّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً فَوْقَ الجَبَلِ، وَفِرْقَةً دُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ-: «اشْهَدُوا».
وفي الصحيحين عن أنسٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ القَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا».
وقد ذكر السَّعْدِيُّ -رحمه الله- في تفسيره «أنّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لما طلبَ منه المكذبون أن يُرِيَهُم من خوارق العادات ما يدل على صحة ما جاء به وصِدْقِه، أشار إلى القمر، فانشق -بإذن الله- فِلْقَتَيْن، إحداهما على جبل أبي قُبَيْس، والأخرى على قُعَيْقِعَان، والمشركون وغيرُهم يشاهدون هذه الآية الكبرى الكائنة في العالم العلوي، التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل.
فشاهدوا أمرًا ما رأوا مثله، بل ولم يسمعوا أنه جرى لأحد من المرسَلين قبله نظيرُه، فانبهروا لذلك، ولكن لم يدخل الإيمان في قلوبهم، ففزعوا إلى بَهْتِهِم وطغيانهم، وقالوا: سحرنا محمد!!».اهـ
فما تُغني الآيات والنُّظُر عن قومٍ لا يُؤمنون.
أخرج أحمد عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- أنّ رَجُلاً مِنْ بَنِي عَامِرٍ، طلبَ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يُرِيَهُ الخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْه -يعني: خاتم النبوة- وقال الرجلُ العامِريُّ: فَإِنِّي مِنْ أَطَبِّ النَّاسِ -أي: من أعلمهم بالطب-، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ-: «أَلا أُرِيكَ آيَةً؟»، قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَنَظَرَ إِلَى نَخْلَةٍ، فَقَالَ: ادْعُ ذَلِكَ العِذْقَ»، قَالَ: فَدَعَاهُ، فَجَاءَ يَنْقُرُ، حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ارْجِعْ»، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ.
في رواية الدارميّ: أنّ النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلم- استشهدَ النخلة، وقد كانت جاءت إليه فقامت بين يديه تخطُّ الأرضَ خطًّا، فسلّمتْ عليه بالنبوة، واستشهدها فشهدتْ أنه رسولُ الله، وهنا فرجعَ العِذْقُ إلى مكانه، فَقَالَ العَامِرِيُّ: يَا آلَ بَنِي عَامِرٍ، مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ رَجُلًا أَسْحَرَ!!
الحديثُ صحيحٌ ورجالُه ثقات.
فلم تزده الآياتُ المُبهرة إلا كُفرًا وعِنادًا!!
وقد كانت العربُ مَن يرى السوادَ مُقبلاً فيُمارِي صاحبه فيه هو عَنْزٌ لا محالة، ويقول صاحبه: بل هو طائرٌ له جناحان، فإذا هَيَّجَا السوادَ فطار، قال: (عَنْزٌ ولو طارتْ!!).
والمُساجَلة التي نحن فيها منذ حين مساجلةٌ عجيبة تُغَشِّيها سُحُبٌ سوداء من الخيانة حينًا ومن الكذب حينًا ومن التدليس والخداع في أغلب الأحيان.
والرجل الذي نرد عليه بعضَ تجاوزه وضلاله وطغيانه واعتدائه على أهل السُّنة لا يزيده -ومَن يأزُّه على الأدلة- الأمرُ إلا عِنادًا ومُكابرةً وخداعًا.
وكلُّ صاحب باطلٍ لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالَب الحق: كما أخرجتْ الجهميةُ التعطيلَ في قالب التنزيه..
وكما أخرج المنافقون النفاق في قالب الإحسان والتوفيق والعقل المعيشي..
وأخرج المَكَّاسون أكلَ المكوس في قالب إعانة المجاهدين، وسدِّ الثغور، وعمارة الحصون..
وأخرج الروافض الإلحادَ والكُفر والقدح في سادات الصحابة وحزب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأوليائه وأنصاره في قالب محبة أهل البيت والتعصب لهم وموالاتهم..
وأخرجتِ المُباحِيَّةُ وفَسقةُ المنتسبون إلى الفقر والتصوف بِدَعهم وشطحهم في قالب الفقر والزهد والأحوال والمعارف ومحبة الله ونحو ذلك..
وأخرجتِ الاتحادية أعظمَ الكُفر والإلحاد في قالب التوحيد، وأنّ الوُجودَ واحدٌ لا اثنان وهو اللهُ وحده؛ فليس هاهنا وجودان: خالقٌ ومخلوق، ولا ربٌّ وعبدٌ، بل الوجود كله واحدٌ وهو حقيقة الربِّ..
وأخرجتِ القدريةُ إنكارَ عمومَ قدرة الله -تعالى- على جميع الموجودات: أفعالِها وأعيانها في قالب العدل، وقالوا: لو كان الرب قادرًا على أفعال عباده لَزِمَ أن يكونَ ظالمًا لهم، فأخرجوا تكذيبهم بالقدر في قالب العدل..
وأخرجتِ الجهميةُ جحدهم لصفات كماله -جلّ وعلا- في قالب التوحيد؛ فقالوا: لو كان له -سبحانه- سمعٌ وبصرٌ وقدرةٌ وحياةٌ وإرادةٌ وكلامٌ يقوم به لم يكن واحدًا وكان آلهةً متعددة..
وأخرجتِ الفَسقة والذين يتّبعون الشهوات الفسوقَ والمعاصي في قالب الرجاء وحُسن الظن بالله -تعالى- وعدم إساءة الظن بعفوه، وقالوا: تجنُّب المعاصي والشهوات إزراءٌ بعفو الله -تعالى- وإساءةٌ للظن به ونسبة له إلى خلاف الجُود والكَرم والعفو، كما قال قائلهم:
فكثِّرْ ما استطعتَ من المعاصي
إذا كان القدومُ على كريمِ!!
وأخرجتِ الخوارجُ قتالَ الأئمة والخروج عليهم بالسيف في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفع الظلم ورفع الجَور..
وأخرجتْ أربابُ البدع -جميعهم- بدعهم في قوالبَ متنوعة بحسب تلك البدع..
وأخرجَ المشركون شركهم في قالب التعظيم لله وأنه أجلُّ من أن يُتقرَّب إليه بغير وسائط وشفعاء وآلهةٍ تُقَرِّبهم إليه.
فكلُّ صاحب باطلٍ لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق.
ومَثَلُ الرجل فيما أُراجعه فيه كما لو سألته: كم للإسلام من رُكن؟ فيقول: للأرنبِ أربعُ أرجلٍ!!
فإجاباته هكذا، وفهمه هكذا، وأنا أسأله عن أركان الإسلام لا عن أركان الأرنب!!
وقد لاحظتُ من إطلاقاته ومجازفاته التي يُطلقها على أهل السُّنة من مخالفيه أنه لا يعنيهم في حقيقة الأمر، وما يُطلقه إنما ينطبقُ أو يُشاكِلُ ما يقول به «الحَدَّادِيَّة»، وهؤلاء ليسوا من أهل السُّنة، بل هم حربٌ عليها وعلى أهلها.
ومن صفاتهم: قولُهم بتبديع كل مَن وقع في بدعة!! هذا منهجُ «الحَدَّادِيَّة» لا أحدَ من أهل السُّنة السلفيين يقولُ هذا، هذا يقوله «الحَدَّادِيَّة» الغُلاة.
والرجلُ يتوجه إلى أهل السُّنة بتهم «الحَدَّادِيَّة»: يظلم ويجور، ويعتدي ولا يعدل، فاللهُ حَسِيبُه.
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: قولُهم بتبديع كلِّ مَن وقع في بدعة!!
ومن صفاتهم: تبديعُ مَن لا يُبدِّعُ مَن وقع في بدعة، وعداوته، وحربُه، ويكفي عندهم أنْ تقول: عند فلانٍ أشعرية -مثلاً- أو هو أشعريّ ..
هذا لا يكفي عندهم، لا يكفي عندهم أنْ تقولَ هذا، بل لابد أنْ تقولَ: مبتدع!! وإلا فالحربُ والهجرانُ والتبديع لكَ -إنْ لم تقله-!!
مَن مِن أهل السُّنة السلفيين الأقحاح يقول بمثل هذه الفِرَى حتى تُوجه أمثالُ هذه التهم إلى السلفيين الخُلَّص جَورًا وظلمًا وعدوانًا وتشهيرًا ونكايةً وانتقاصًا؟!!
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يُحرِّمون الترحمَ على أهل البدع بإطلاقٍ، لا فرْقَ بين رافضي وقدري وجهمي، وبين عالمٍ وقع في بدعة!! هذا من صفات «الحَدَّادِيَّة».
ومن صفاتهم: أنهم يُبدعون مَن يترحم على مثل أبي حنيفة، والشوكانيّ، وابن الجوزي، وابن حجر، والنووي!!
مَن مِن السلفيين قال هذا؟!!
إنما يقوله «الحَدَّادِيَّة».
ويأتي هذا الوافدٌ من الكهوف والغِيران؛ ليُلطِّخَ صفحة السلفيين بما هم منه بُرَآء، ويفتري الكذب وهو يعلم -أو لا يعلم؛ فليعلمْ، ولننظر بعدُ ما يكون-.
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يُبدِّعون مَن يترحم على مثل أبي حنيفة، والشوكاني، وابن الجوزي، وابن حجر، والنووي -عليهم رحمةُ الله-.
ومن صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يُعادون السلفيين معاداةً شديدةً، ومهما بذلوا من الجهود في الدعوة إلى السلفية والذب عنها، ومهما اجتهدوا في مقاومة البدع والحزبيات والضلالات؛ فإنهم يعتدون عليهم، وأنهم -أعني: «الحَدَّادِيَّة»- يلعنون المُعَيَّنَ!! حتى إنّ بعضَهم يلعنُ أبا حنيفة!! وبعضَهم يُكفِّره!! -عليه رحمةُ الله-.
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يتميزون بالكِبر والعناد وردِّ الحق كسائر الغُلاة من أهل البدع، وهم يمتازون باللعن والجفاء والإرهاب حتى إنهم يعتدون على السلفيين اعتداءًا ماديًا، ولو استطاعوا قتلهم لفعلوا!!
فمن كلام «أبي الفتن» أميلُ إلى أنه يريد هؤلاء بحملته التي سَلَّ لها سيفه، وشهرَ فيها رُمْحَه، وامتطى فيها ظهرَ حِماره الهزيل، وراح يصول ويجول في قناة «النِّقْمَة» يُحارب طواحين الهواء!!
والسلفيون بُرآء من كل ما يرميهم به، ولا يعود عليهم من هُرائه وهذيانه شيء.
ولعل مما يُؤيد ما ذهبتُ إليه من أنه إنما يريد «الحَدَّادِيَّة»، فيأتي بالحملة عليهم؛ تشهيرًا بالسلفيين وحَطًا عليهم .. مما يُؤيد ذلك ما تورط فيه من الخيانة والمكر عندما يَمَّمَ وجهه شَطر مواقع «الحَدَّادِيَّة» ليأتي بالطبعة الأولى من «فضل العربية»، وليقوم بحركةٍ استعراضية تمثيلية؛ ليُرِيَ المشاهدين ما وقع عليه من قاصمة الظهر!!
والطبعة المُومَى إليها كانت منذ قرابة ربع قرن!!، وكنتُ نقلتُ فيها بعضَ نقلٍ عن «سيد قطب» وغيرِه، ثم انتبهتُ لذلك فحذفته من الطبعة الثانية، ثم طُبع الكتابُ بدون ذلك طبعةً ثالثة، وقد خلا مما شابه في الطبعة الثانية وطُبع مرةً ثالثة، وصُوِّرَ من الثانية والثالثة مرات -ولله الحمدُ والمنة- ثم أعدتُ كتابته وصياغته -جملةً- في الطبعة الرابعة، وهي بين أيدي الناس التي عاد إليها يتقممُ كالذباب يقع على العَقِير، كانت منذ رُبْع قرن!! ثم حُذفَ منها ما كان وجَدَّ أمرٌ..
ما وقع من نَقْلٍ في الطبعة الأولى لم يقع عليه سواي، لم يلتفت إليه أحدٌ، ولم يُخَطِّئني به أحدٌ، أنا الذي دللتُ عليه ونبّهتُ إليه على هذا المنبر مُحذِّرًا منه ومن الغفلة عن فحوى الكلام عند نقله؛ اغترارًا بالأسلوب الأدبيّ أو حُسْن الصياغة والأداء.
أنا الذي لفتُّ إليه الأنظارَ، وضربتُ بنفسي المثالَ، وقلتُ: وقد وقع ذلك مني اغترارًا بالأسلوب، أو غفلةً عند النقل، أو جهلاً مني!!
لقد قررتُ ذلك على المنبر وعلى رؤوس الأشهاد عند الكلام عند بعض مخالفات «سيد قطب»، وأنا أردُّ عليه، وكلامي في ذلك محفوظٌ، والنصُّ المكتوبُ غيرُ محفوظ، فكأني أُحيلُ حين أُحيلُ على معدوم، وما منعني ذلك من الإعلام به على المنبر، وبمسمعٍ من الناس، وقد كان هذا منذ سنوات.
أفمن دين الله -تعالى- أو من الإنصاف الذي يدّعيه «أبو الفتن» وحزبُه أنْ تذهبَ تتقمم مراحيض الشبكة العنكبوتية؛ لتأتي برجيع «الحَدَّادِيَّة» وقَيئهم، وعندكَ ما يُغنيكَ مما كتبتُ وقلتُ؟!!
أليست هذه خيانة؟! يتنزه عنها المسلمُ، ويرتفعُ عند رمي مسلمٍ بما ليس فيه حتى لا يردَ رَدْغَةَ الخَبال.
ثم ما تأسيسك على باطلك الذي ادّعيتَ من مثل قولك: وماذا كانت حالُك قبل ذلك؟ وما كانت صفتك؟ إلى آخر هذيانه! وهرائه! وتخريفه!
أما واللهِ لو فعلتُ فِعلكَ لجعلتكَ تتقلبُ على أمثال الإبَر!! ولكني أتقي اللهَ فيك وإنْ رميتني والسلفيين الخُلَّص بما فيك تارة، وبصفات «الحَدَّادِيَّة» تارةً أخرى، والله -عز وجل- هو المسئول أن يعاملك بعدله.
ثم ماذا كان فيما صنعتُ في فترةٍ من فترات الطلب، هل عليّ من بأس؟! هل عليّ من تثريبٍ أو مَلامٍ؟! ما الذي كان؟! ألم يقل شيخُ الإسلام في (توحيد الربوبية) من «مجموع الفتاوى»: «إنه كان يُحسنُ الظنَّ بابن عربيّ!! في بداية الطلب، وأنهم -هو ورفاقه- كانوا يجتمعون على قراءة كُتب ابن عربيّ». قال: «حتى عرفنا حاله». وهو شيخُ الإسلام -رحمه الله-.
فكان ماذا؟!
لقد صار شيخُ الإسلام إلى رميه بعد بالزندقة!! ووصَفه بما فيه، فلماذا تَشْغَبُ هذا الشَّغْب الإعلامي الحقير!!
إنكَ لا تُنصر على مخالفك بمثل هذا الخداع، بل ينصره الله عليكَ بمعاصيكَ وتهوركَ، فلماذا لا تتقي الله فيما تقول وتعمل؟!
ليتكَ فعلتَ مثلي عندما أعلنتُ على رؤوس الأشهاد عن أمرٍ وقعتُ فيه وهو خَفِيّ، وقلتُ: «وقعَ ذلك اغترارًا بالأسلوب، أو غفلةً لحُسن الصياغة، أو وقع ذلك جهلاً مني»، وما يَضيرني؟!! ومَن المعصوم بعد محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!
فليتكَ فعلتَ مثلي عندما تورطتَ في سب الصحابة ووصفهم بالغُثائية، وقلتَ في «حَسّان»، و«أبي سعيدٍ»، و«أسامة» ما قلتَ، بل ولمزتَ «داود»!! وجعلته على العَجْلَة المذمومة مثالاً!!
ولستُ أدري لماذا تجعل الصحابة -رضي الله عنهم- وحدهم غَرَضًا؟!!
إذا ذكرتَ بدانةَ «محمد بن الحسن» لم تجد أمامكَ إلا عليًا!! -رضي الله عنه- لتقول: هو البَطِينُ الأصلع!!
يا رجل ما الذي يُلْجئكَ إلى هذا؟! وما الذي يحملكَ عليه؟! ولماذا يهون عندك قدرُ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تتخذهم غرضًا، ولمَ لمْ تضرب المثلَ للبَطِين الأصلع بنفسكَ؟!
لماذا تذكر هذا هنا؟! وما الداعي إليه؟! هل عندما تتراجعُ على الهواء مباشرةً عن قولكَ في الصحابة تلتف حول تراجعك مرةً أخرى، وتذكر «عِياضًا» وتتفلسف!!
قلْ: أخطأتُ في حق الصحابة، وأتوب إلى الله وأستغفره، ورضي الله -تبارك وتعالى- عنهم، ولا تزدْ حرفًا!!
أما أن يقول: قلتُ: إنّ فيهم «غُثائية» وأنا تراجعتُ عن ذلك، ثم يعود فيقول: ولكنّ «عِياضًا» قال: غُثاء!
لا يُغني عنك هذا شيئًا.
ثم ها أنتَ ذا تعيدُ الأمر مرةً أخرى إلى ساحة الصحابة؛ فتضرب الأمثالَ: وكانوا في «حُنَيْنٍ» حديثي عهدٍ بكُفر، وكذا وكذا .. يقول: و«الغثائية»، سبحانَ الله!!
تعريفُ الصحابي: هو مَن لقي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مُؤمنًا به ومات على ذلك ولو تخللته ردةٌ على الصحيح؛ فكلُّ مَن لقي النبي -لا أبصره، فبعضُ الصحابة كان لا يُبصر، ولا كلّمه، فلا يُشترط أن يكلّمه، ولا أن يسمعَ منه، ولكن لَقِيَه كالذين كانوا معه في حَجة الوداع- كلُّ مَن لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مُؤمنًا به ومات على ذلك ولو تخللته ردةٌ على الصحيح، هذا تعريفُ الصحابيّ.
فمَن ثبتَ ذلك له فهو من أصحاب رسول الله.
وهذا حَرَمٌ مَصونٌ، إياكَ ثم إياكَ أن تعتدي على هذه الحَرَم المصون، وليسوا بمعصومين، ولكن نُعَذِّرهم، ونُوَقِّرهم، ونُقِّدرهم، ونسكت عما شجر بينهم، ولا نذيعه، ولا نضرب بهم الأمثال!!
هذا لا يجوز كما سترى في قول الرجل في أمر «حَسّان» -رضوان الله عليه-.
لماذا تُجرِّئ الناس على خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين؟!
بل عاد المتراجعُ عن سب الصحابة، ولمْز نبي الله «داود» إلى التورط مرةً أخرى في سب الصحابة عند سَوق أدلته الفاشلة على رد المُجمل على المُفصل عندما ذكر عائشة -رضي الله عنها- وحادثةَ الإفك، وما وقع من «حَسّانٍ» -رضي الله عنه-، فقال: «وكان الذي تولّى كِبْرَهُ «حَسّانًا»!!
لا، الذي تولّى كِبْرَهُ «عبدالله بن أُبيّ بن سَلول» شيخُ المنافقين غيرَ مُدَافَع، ليس بـ «حَسّان» -رضوان الله عليه- .. والذي تولّى كِبْرَه، ولا هو الذي تَبِعَ المنافقين، وإنما وقع ما وقع في حِجْر التربية في حِجْر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وانتهى الأمر.
أفيجوزُ لمسلمٍ أن يقولَ: إنّ الذي تولّى كِبْرَهُ في الإفك هو «حسّان بن ثابت»؟!!
الذي تولّى كِبْرَهُ شيخُ المنافقين، فكيف نستبدلُ هذا الاستبدال؟!، وكيف نَذِلُّ هذه الذَّلَّة؟!! أقولُ: كَبُرَتْ كلمةً تخرج من فيكَ!! ألا تدري ما يخرجُ من رأسك؟!!
ومع هذا فلو حُلِّفتُ بين الرُّكن والمقام على أنكَ ما أردتَ انتقاصًا للصحابة ولا حَطًّا من قدرهم لحلفتُ!! لأني أعلمُ أنّ لسانكَ أطولُ من عقلكَ!! فلذلك أَعْذُرُكَ.
يا «أبا الفتن» إنكَ تجعل المُتَخَيَّلَ في ذهنك محلاً للنزاع، ثم تسوق الأدلة المتكاثرة على ما تعتقده فيما تخيلته!!
إذا قلنا لكَ: هذا في غير موطن النزاع ضججتَ!!
مَن من السلفيين نازعكَ في أنّ الحقَّ لا يُؤخذ ممن جاء به كائنًا مَن كان .. سَمِّ لنا سلفيًا يقول: إنه لا يقبل الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان، لا يقول ذلك سلفيّ، وكيف يقوله وهو يروي حديثَ رسول الله: «الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ».
(بَطَرُ الحَقِّ): ردُّه .. دَفْعُه على مَن جاء به، لوضاعة شأنه أو لصغر سنِّه أو لرِّقة حاله أو لرَثاثة ثيابه أو لبغضه، فمَن فَعَل؛ فالنار!!
«لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، ثم عرَّف الكِبرَ، فقال: «الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ»، فكيف يفعلُ ذلك أهلُ السُّنة؟!
مَن منهم قال: إنّ الحقَ يُردُّ على مَن جاء به، وإنه لا يُقبل ممن جاء به كائنًا مَن كان؟!! لمَ هذه البهتان؟!!
هذا أمرٌ مُسَلَّمٌ، لكنك أبعدتَ النَّجْعَة، ورحتَ تُكثر من النقل في غير موضع..
الرجلُ يُقرر القاعدة، يصوغُ الاتهام كالمحامي الفاشل يُدَبِّجُ عريضة اتهامٍ: هؤلاء يقولون: إنّ الرجلَ إذا تلبّسَ بالبدعة أو تلبستْ به فهو مبتدعٌ قولاً واحدًا، فمَن لم يُبدعه بدَّعوه، ومَن لم يُبدِّع مَن لم يُبدِّعه بدَّعوه.
تتهم مَن؟! مَن قال هذا من السلفيين الخُلَّص؟!!
ويأتي بالأدلة ..
نقول له: في غير موضعها!!؛ لأنه لا محل للنزاع أصلاً، هذا أمرٌ مُسَلَّمٌ، كهذا الذي قال من أنهم لا يقبلون الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان، ثم يَرُوح يأتي بالأدلة المتكاثرة على أنّ الحقَّ يُقبَلُ ممن جاء به، ولم يُنازعه في هذا مُنازِع!!
فنقول له: أتعبتَ نفسكَ!! وعَنَّيتَها في غير طائل، ولكنْ سَمِّ لنا من السلفيين الخُلَّص، من أهل السُّنة والجماعة على منهاج النبوة مَن يقول: إنه لا يقبل الحق ممن جاء به .. كيف؟!
ولكنْ هم يفهمون ما يأخذون وما يدعون، ويعرفون متى يأخذون ومتى يدعون، وهم الذين يُعْمِلُون القواعد الشرعية المرعية على أصولها السُّنية السلفية: لا يُهَوِّشُون، ولا يرتجلون، وإنما هم منضبطون.
مَن من السلفيين -يعرفه هذا الرجل- قال: إنّ كل مَن أخطأ خطئًا سقطَ وتُرِكَ!! .. مَن؟!
لا نعرفُ من السلفيين الخُلَّص أحدًا قال هذا، بل هم يقولون ضده، ويُحذِّرون من هذا الكلام في أشرطتهم ورسائلهم .. هذا يتهم مَن؟! ويتكلم عن مَن؟! ويفتري على مَن؟! ويكذبُ على مَن؟!
مَن أخطأ خطئًا سقطَ وتُركَ!! .. هذا يقوله «الحَدَّادِيّة» وغيرُهم من الغُلاة، وأهل السُّنة منهم بُرآء.
بل إنّ أهلَ السُّنة والجماعة، بل إنّ السلفيين على منهاج النبوة يُعانون من أولئك «الحَدَّادِيّة» ما لا يُتصور من: العَنَتِ، والطيش، والزيغ .. وفي هذا مَشابِهُ منهم، فاللهُ حسيبهم جميعًا يعاملهم بعدله، وهو على كل شيءٍ قديرٍ.
أهلُ السُّنة لا يقولون: إنّ مَن أخطأ خطئًا سقطَ وتُركَ، ولكنْ أهلُ السُّنة يُفرِّقون بين الخطإ العارض والخطإ المنهجيّ .. ولعلكَ لا تدري هذا ولا تعلمه!!
أخرجُ البخاري في «صحيحه» عن الصحابيّ وحالِه المُلَقَّب بـ «حِمار» واسمه عبدالله أنه كان يشربُ الخمرَ، فيُؤتى به إلى النبيّ، فيأمرُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بضربه، قال راوي الحديث: فمنّا الضاربُ بيده، ومنّا الضاربُ بثوبه، ومنّا الضاربُ بنعله، في حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.. ينصرف، يُؤتى به مرةً أخرى شاربًا؛ فيُضرب، وثالثة فيُضرب حتى قال قائلٌ في مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كَثُرَ المجيءُ به: لعنكَ الله!! ما أكثرَ ما يُؤتى بكَ!!
فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تلعنهُ، إنّه يحبُّ اللهَ ورسولَه»، وفي رواية: «لا تُعِنْ الشيطانَ على أخيكَ».
هذا خطأٌ عارِضٌ: غلبةُ هوى بنزغِ شيطانٍ، فوقع المرءُ في مثل هذا .. يتوبُ منه.
هذا خطأٌ عارِضٌ، هذه معصيةٌ ليست ببدعة، ومُقِرٌّ بحرمة الخمر، ومُقِرٌ بمضارها ونفسه تغلبه عليها، قال: «هو يحبُّ اللهَ ورسولَه»، ولعلها لم تُقل لمَن لعنه!!
فهذا الشاربُ وقعَ في خطإٍ عارِضٍ.
وأما الخطأ المنهجيُّ؛ فانظر إلى كلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في وصف (الخوارج): «يحقرُ أحدُكم صلاته مع صلاتهم، وتلاوته مع تلاوتهم، عبادته مع عبادتهم، يقرؤون القرآنَ لا يُجاوِز تَرَاقِيَهُم -وفي روايةٍ: حناجرهم- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة».
ويقول رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «هم كلابُ النار، وهم شرُّ قتلى تحت أديم السماء، وخيرُ قتيلٍ تحت أديم السماء مَن قتلوه، ولئن أدركتهم لأقتلنهم قَتْلَ عَادٍ».
هذا -كلُّه- وأكثرُ منه في (الخوارج)!!
هذا يأتي شاربًا الخمرَ، وهؤلاء يحقر الصحابةُ عبادتهم مع عبادتهم، وهذا يحبُّ اللهَ ورسولَه، لا تُعِنِ الشيطانَ على أخيكَ، وهؤلاء كلابُ النار!!
لمَ؟!!
هذا خطأٌ عارِضٌ .. وهذا خطأٌ منهجيّ، هذه بدعةٌ عقدية، سيؤول أمرهم إلى تكفير المسلمين ووضع السيف في أجساد المسلمين وإراقة دماء المسلمين، إلى غير ذلك من الفتن والمِحَن والإحَن.
هذا خطأٌ منهجيّ .. مع كثرة العبادة!! لم تنفعهم عبادتهم!! وإنما نُظر إلى ما يأتون به، ولم يقل -هاهنا-: نوازنُ بين ما هم عليه من هذه العبادة العظيمة التي يحقر الصحابة عبادتهم معها، وهذا الذي أتوا به وإنما هو هكذا، مُهْدَرَةٌ عباداتهم: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة .. كلابُ النار .. شرُّ قتلى تحت أديم السماء.
وكذلك ما قال ابن عمر -رضي الله عنهما- في شأن (القدرية) الذين قالوا: إنّ الأمرُ أُنُف، وإنّه لا قَدر، فقال: «إذا لقيتَ هؤلاء فأخبرهم أني بريءٌ منهم وأنهم بُرآء مني، والذي يحلفُ به ابن عمر لو كان لأحدهم مِثْلُ أُحُدٍ ذهبًا، فأنفقه في سبيل الله ما تُقبِّلَ منه حتى يُؤمنَ بالقدر».
مع أنهم -كما وصفهم راوي الحديث-: «يتقفَّرُون العِلم»: يجمعونه .. يتدارسونه .. يعكفون عليه، فهل نفعهم؟!! لم ينفعهم في شيء!!
ولم يُوازِن ابن عمر -رضوان الله عليهما- يقول: لابد من رعاية حالهم!!، هم يجمعون العِلم والسُّنن، فيُنظر في بدعتهم؛ فَتُمَرَّر .. ولكنْ بريءٌ منهم!! وهم بُرآءُ مني!!
لماذا يُهَوِّلُ هذا الرجل، ويرمي الناسَ بما ليس فيهم؟!
الرجلُ يُقرر القاعدة المُقرَّرة عند غيره، فيُعيدُ تقريرها ويفترضُ أنّ مخالفه لا يقولُ بها، ثم يذهب يجمع النصوصَ ويجمع، والناسُ يرثون له! وإذا فرغَ قالوا له: هذا في غير موطن النزاع! فقد ذهبَ مجهودكَ هَدَرًا! لأنه لا نزاعَ فيما تدّعيه نزاعًا أصلاً.
إنّ السلفيين يا «أبا الفتن» يُفرِّقون بين الخطإ العارِض والخطإ المنهجيّ، ويعرفون ذلّةَ العالِم إذا ذَلَّ؛ فيُفرِّقون بين ذلّةَ العالِم وبدعة المُبتدِع، وأنتَ تجعلهما سواءً!! غَشَّى الحقدُ على عين بصيرتك فطمسها؛ فأنتَ تخبطُ في باديةٍ من ظنونك خبْطَ عشواء، بل خبْط عمياء.
وأهلُ السُّنة يعرفون إطلاقات العلماء، وهو ما تُسميه أنتَ بالمُجمَل، ويُراعون تلك الإطلاقات بشروطها وقواعدها، ولا يمنعون من جمع كلام العالِم الذي فيه احتمالٌ وإشكالٌ إلى كلامه الآخَر ليتبيّن بالكلام الآخَر: هل القائلُ يسير فيهما على وَتيرةٍ واحدةٍ؟ أم أنّ كلامَه الآخَرَ مناقضٌ للأول؟
فهذا الجَمْعُ بين أقوال العالِم الواحد، المقصودُ منه: أنْ يتبين هل هو ممن مشى مع الحق والأدلة في الموضعين؟ فَتُعرَفُ نزاهته .. أو يُتبين مَيلُه في أحدهما، فيُدان بذلك المَيل.
أما حملُ المُطلَق على المُقيَّد، وحملُ المُجمَل على المُبيَّن، وحملُ العام على الخاص، فلا يكونُ إلا في كلام الله -تعالى- أو كلام المعصوم -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ لأنّ كلامَ الله، وكلامَ رسوله لا يتحول، ولا يتغير إلا بالنسخ في زمن نزول الوحي.
ومع ذلك لقد أنصفتُكَ، وقلتُ لكَ: إنكَ تحملُ مُجمَل كلام «سيد قطب» على مُفصَّله .. حَسَنٌ، فبيِّنْ لنا كيف يكون الحَمْلُ في: تفسير سورة الإخلاص بعقيدة أصحاب وَحدَة الوجود!! وأنّ «سيدًا» كفّر أمّة محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- في مُقدِّمة تفسير سورة الحِجر، فقال: «إنه ليس على وجه الأرض -اليومَ- دولةٌ مُسلِمة!!، ولا مجتمعٌ مُسلِم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلاميّ».
وأنه وصفَ موسى بأنه: «رجلٌ عصبي المزاج!!». وهذا تنقُّص لرسولٍ من أولي العزم من الرسل.
وغَمَزَ داودَ وسُليمان في أخلاقهما برميهما بالسَّوءة الأخلاقية: «وأما سليمانُ فهو ابنُ داود الذي كانت فتنته في امرأة!!».
أجرِ لنا القاعدة، فإنّا -واللهِ الذي رفعَ السماءَ بلا عمدٍ- نُحبُّ تبرئة «سيد قطب» مما تورط فيه، ولكنْ أرنا.
وأنه تكلم عن جماعةٍ من الصحابة، منهم عثمان، ومنهم أبوسفيان، ومعاوية، وعمرو، ومنهم هِند بنت عُتْبَة، قال فيها قولاً فاحِشًا!!
فأجرِ لنا المُجمَلَ على المُفصَّلِ من كلامه، وأخرِجه من ورطته يا رجل!!
وكذلك فيما وقع منه من السب، بل والتكفير لبعض الصحابة!! -رضوان الله عليهم-، كما وقع لأبي سفيان، فقال: «وما أسلمَ ذلك الرجلُ يومًا!! إنما إسلامُه إسلامُ الشَّفَةِ واللسان، لا إسلامُ القلب والجَنان!!».
هلاّ شققتَ عن قلبه!!
وأنّ «سيدًا» ميّع الصفات في كل مكانٍ وُجدت فيه صفةٌ من صفات الله في كتابه -جل وعلا-، وفسّر الاستواءَ بالهيمنة!! والعرشَ على أنه كناية عن العظمة والسيطرة!! والميزان إنما هو كنايةٌ عن إقامة العدل يوم القيامة!!
احملْ لنا هذا المُجمَل على المُفصَّل؛ لتخرجَ الأمّة من هذا الخلاف الناشب بين أبنائها ما دام الحلُّ عندكَ!! وإلا فإنّ الإثم يُحيط بك على كتمان ما عندكَ من العِلم..
أجرِ لنا هذا، فإنّ كان أخطأ فقل: أخطأ، واحذروا خطأه، وإنْ كان أصاب بحمل المُجمَل على المُفصَّل، فبيِّنْ لنا ذلك.
وكذلك ما كان من قول «سيد»: «ولابد للإسلام أنْ يحكمَ؛ لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغُ من المسيحية والشيوعية معًا مزيجًا كاملاً يتضمن أهدافهما جميعًا، ويزيد عليهما التوازنَ والتناسقَ والاعتدالَ!!».
أهذا يُقال في حق شريعة الإسلام؟!!
وجعلَ مساجد المسلمين معابدَ جاهلية، ولم يستثنِ منها شيئًا!!
فأجرِ القاعدةَ على كلام الرجل، ونحن نقبلُ منكَ ما جئتَ به، إنْ كان حقًا فنحن نقبلُ الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان شريطةَ أن يكون حقًا، ولا نقول: نقبلُ الحقَّ من الشيطان!! كما يقول بعضُهم في فضل آية الكُرسيّ لما قال الشيطان لأبي هريرة ثالِثَ ليلةٍ: أطلقني أُعَلِّمُكَ كلماتٍ: اقرأ آية الكرسي إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ وإذا أخذتَ مضجعكَ، لا يزالُ عليكَ من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطان..
فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «صدَقكَ وهو كذوبٌ»، فأخذناها من النبيّ، لا من الشيطان، إنما نأخذها من رسول الله، لولا أنه اعتمدها ما قبلناها، أيكونُ سندنا عاليًا إلى الشيطان الرجيم؟!! ما هذا الهُراء!!
أسألُ اللهَ أنْ يُرشدنا إلى الحق والصواب، وصلّى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخُطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بَعْدُ:
فقد أسلفتُ القولَ عما يحدثُ من الخيانة والمسخ بشأن تراث علمائنا وعلى رأسهم شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في قناة «النِّقْمَة» وعلى يدي «أبي الفتن»، والخيانةُ عندهم طبقاتٌ فوقَها طبقات، ظلماتٌ بعضها فوق بعض كما صنعَ في «فضل العربية» فيما أسلفتُ من كلامٍ راح يتقمَّم ما هنالك في مراحيض الشبكة العنكبوتية؛ فأتى بما أتى به مما يتعلق بـ «فضل العربية» في الطبعة الأولى منذ ربع قرنٍ أو حولَ ذلك.
وأما قاعدته المُحدَثة: «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم»، فهي إعادةُ صياغةٍ لقاعدة «التعاون والمعذِرة»: (نجتمع فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه).
«نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم» إعادةُ صياغةٍ لهذه القاعدة، وقاعدة «التعاون والمعذرة» من صياغة «محمد رشيد رضا»، وقد سمَّاها بقاعدة «المنار الذهبية»، وقد شَهِدَ «رشيد رضا» أنه تلقى تلك القاعدة عن شيخيه: «الأفغانيّ»، و«محمد عبده»، تلقتها بعد ذلك «الإخوانُ»؛ فصارتْ لهم منهجًا.
وهي قاعدةٌ ناسفةٌ لـ (الولاء والبراء)، مُمررةٌ لكل بدعةٍ ومُحدَثة .. يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه!! .. من توحيد الألوهية، من توحيد الأسماء والصفات، من توحيد الربوبية، من قواعد وأصول السلف والسلفية!! يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.
فقاعدته «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم» إعادةُ صياغةٍ لتلك القاعدة، وهي الأساسُ الذي بنا فوقه «المنهجَ الأفيح»!!
جاء فصاغها صياغةً فاشلةً، وراح يتساءل: إذا كانت خطئًا فهل نَهْدِمُ فقط؟! أو هل نُصَحِّحُ فقط؟!
إذا كانت خطئًا -يقول- فخبِّرونا ما هي القاعدة؟
نعم، سنُخَبِّركَ -إنْ شاء الله-..
القاعدةُ -بعد التصحيح، وإزالة ما فيها من مداخل أهل البدع، والإحداث، والإفساد في الأرض- «نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ».
قاعدته «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم»، والصوابُ «نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ»: نُصَحِّحُ ما يُصَحَّح، ونَهْدِمُ ما يجب أنْ يُهْدَمَ، الدَّمَ .. الدَّمَ، والهَدْمَ .. الهَدْمَ، بهذا يستقيمُ الدين، وتستقيم في يديكَ أقوالُ العلماء ولا تتناقض.
فقد يُصحِّح العالِمُ قولاً أو رأيًا كما قال ابنُ القيِّم عن «الشِّبْلِيّ» بقولٍ أصابَ فيه -للهِ دَرُّه-، ولكنه يصفه بما فيه، ويهدِم ما شيَّد من بدعة «الحلول والاتحاد»؛ فصحَّح وهدم، بهذا يستقيمُ الأمرَ، ولا تلتوي عليكَ أقوالُ العلماء وتضطربُ في يديكَ، وإذا جمعتَ أقوالهم استقامتْ معكَ.
«نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ» .. ما قَبِلَ التصحيحَ صَحَّحْناه ونقبل الحق من كل أحدٍ كائنًا مَن كان.
«نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ» .. ما يستحق الهدمَ، ألم يهدم رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قواعدَ الشرك وينسفها نسفًا؟! ألم يهدِم مُوَاضَعَات أهل الجاهلية؟! ألم يزلها إزالةً؛ ليؤسسَ الدين الحق على أساس التوحيد والاتباع؟!
نُصَحِّحُ ما يُصحح، ونَهْدِمُ ما يجبُ أنْ يُهدَم، بهذا تستقيمُ القاعدة، وأما «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم» فهذه إعادةُ صياغةٍ لقاعدة «التعاون والمعذرة»، وهي البابُ المفتوح على مصراعيه لكل صاحب بدعة!!
«نُصَحِّحُ ونَهْدَمُ» .. كذلكَ فَعل «رشيد رضا»، وتابعه الشيخُ «ابن باز» -رحمه الله- وهو يُصحِّح قول النصراني في تعدد الزوجات، ويقول: للهِ دَرُّه!! ولكنْ هل الشيخُ «ابن باز» لا يهدِم كُفر هذا الرجل وباطلَه؟! هل يهدِم كُفره أو لا يهدِمه؟! هو يُصحِّح الصحيح ويهدِم ما يستحق الهَدْمَ، فبهذا تستقيم القاعدة، وتتم الإجابة عن السؤال.
يقول: فَخَبِّرُونا ما هي القاعدة؟! هل نُصحِّح فقط؟! أو نهدِم فقط؟!
لا، نُصحح ونهدِم: نُصحح ما يجب تصحيحه، ونهدِم ما يجب هدمه، هذا هو دينُ الله، وهذا ما نطالبكَ به في آثار وتراث وأقوال مَن تمدحهم وتدافع عنهم.
هيا بيِّنْ لنا الصحيحَ لنُصححه، وبيِّنْ لنا ما دونه لنهدمه.
ولتدعِ الإجمالَ، ولا تتبَّعه مُراوغةً أو عجزًا، ولا تقل: الإجابةُ السكوتُ .. لا، أنتَ وضعتَ قاعدةً، طبِّقها، وبالتطبيق يتبيّن الحال -ليس بالمقال- وإنما بالتطبيق يتبيّن الحال، طبِّقْ لنا القواعد .. قل لنا: كيف نحمل المُجمَل على المُفصَّل في مثل هذا الكلام عن «سيِّد قطب» خاصة؟!
فإنْ فعلتَ فواللهِ إنها لمَكْرُمَة، يبقى لكَ على الدهر أثرُها، ولكنْ هيهات، هيهات ثم هيهات، أتزنُ الحديدَ بالهباء؟!! أتزنُ الجبالَ بالذَّرِّ؟!! فأنَّى لكَ!
والآن، انظرْ إلى أقوال أصحاب رسول الله ومَن تبعهم بإحسان: عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- حدَّثَ بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تمنعوا النساءَ من الخروج إلى المساجد بالليل»، فقال ابنٌ لعبدالله بن عمر: لا ندعهنّ يخرجنّ فيتَّخذنه دَغَلاً، قال: فَزَبَرَهُ ابنُ عمر، وقال: أقول: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقول: لا ندعهنّ!!
وفي رواية: «لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها»، قال: فقال بلال بن عبدالله: واللهِ لنمنعهنّ!! فأقبلَ عليه عبدالله يسبه، فسبه سبًا سيئًا ما سمعته سبَّه مثله قط، وقال: أُخبركَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: واللهِ لنمنعهنّ!! والحديثُ عند مُسلمٍ في «الصحيح».
وقد أُخذَ من إنكار عبدالله على ولده، ما يقول الحافظُ في «الفتح»: «تَأْدِيبُ المُعْتَرِضِ عَلَى السُّنَنِ بِرَأْيِهِ وَعَلَى العَالِمِ بِهَوَاهُ وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ وَجَوَازُ التَّأْدِيبِ بِالهِجْرَانِ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَمَا كَلَّمَهُ عَبْدُ اللهِ حَتَّى مَاتَ». اهـ
وهذا عَبْدُ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ، فَقَالَ: لاَ تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الخَذْفِ، أَوْ كَانَ يَكْرَهَه، وَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلاَ يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ العَيْنَ» ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ نَهَى عَنِ الخَذْفِ أَوْ كَرِهَه، وَأَنْتَ تَخْذِفُ، لاَ أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا. اهـ، والحديثُ في الصحيحين.
قيلَ لأحمد -الإمام، رحمةُ الله عليه-: إنّ ابن أبي قُتَيْلَة يقول عن أهل الحديث: إنهم قومٌ لا خيرَ فيهم، أو قال: هم قوم سوء، فقام الإمامُ أحمد، وجعل ينفض ثوبَه ويقول: «زنديقُ، زنديقُ، زنديقُ».
لأنّ الرجل قال: أهلُ الحديث لا خيرَ فيهم، أهلُ الحديث قومُ سوء.
لما عُرض كتابُ «المدلِّسين» للحسين بن علي الكرابيسيّ على الإمام أحمد وهو لا يدري مَن ألّفه، وكان فيه الطعنُ على الأعمش والنصرة للحسن بن صالح، وكان في الكتاب: (إنْ قلتُ: إنّ الحسنَ بن صالح كان يرى رأي الخوارج؛ فهذا ابنُ الزبير قد خرج!!).
قال المرُّوزِيُّ: فلما قُرئ على أبي عبدالله، قال: «هذا قد جمعَ للمخالِفين ما لم يُحسنوا أن يحتجوا به، حذِّروا عن هذا». انظر «عِللَ الترمذي» مع شرحها لابن رجب.
هؤلاء أكانوا مُتَّبِعين أم كانوا مُبتدعين؟! أصحابُ النبي ومَن تبعهم بإحسان.
عن الأوزاعيّ فيما أخرج ابن بطة في «الإبانة الكُبرى»، قال: «مَن ستر عنا بدعته، لم تخفَ علينا أُلفتُه». يعني أنه إذا أَلِفَ أهلَ البدع؛ فإنه يُعتبر منهم، فهل خالفَ ما كان عليه السلف؟!
هذا ابن بطة بسنده: (سمعتُ يحيى بن سعيد القطّان قال: لَمَّا قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ البَصْرَةَ: جَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى أَمْرِ الرَّبِيعِ يَعْنِي ابْنَ صَبَيْحٍ , وَقَدْرَهُ عِنْدَ النَّاسِ , سَأَلَ: أَيُّ شَيْءٍ مَذْهَبُهُ؟ - لم ينظر لشهرة ولا لأتباع - قَالُوا: مَا مَذْهَبُهُ إِلَّا السُّنَّةُ، قَالَ: مَنْ بِطَانَتُهُ؟ قَالُوا: أَهْلُ القَدَرِ. قَالَ: «هُوَ قَدَرِيٌّ»!!
أليس هذا من أئمتنا؟! أفنطرحه؟!
قال ابْنُ المُبَارَكِ: «يَكُونُ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِينِ , وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ».
وعن أبي الدرداء: «مِنْ فِقْهِ الرَّجل مَمْشَاهُ , وَمَدْخَلُهُ , وَمَجْلِسُهُ».
سمعتُ معاذَ بن معاذٍ، يقول: قلتُ ليحيى بن سعيد: «الرَّجُلُ وَإِنْ كَتَمَ رَأْيَهُ لَمْ يَخْفَ ذلك فِي ابْنِهِ , وَلَا صَدِيقِهِ , وَلَا جَلِيسِهِ».
كَانَ يُقَالُ: «يَتَكَاتَمُ أَهْلُ الأَهْوَاءِ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا التَّآلُفَ وَالصُّحْبَةَ».
لذلك لما نزل مصر، نزل على أشكالِه!! هل نزل على أهل السُّنة؟! الطيورُ على أشكالها تقع.
الشيخُ الألباني -رحمه الله- قال عن فصل «لا إلهَ إلا الله منهجُ حياة» -وهو فصلٌ من «المعالم» لسيد قطب- قال فيه ما قال مما ذكره «أبو الفتن»، وطار به إلى ما فوق السحاب، وقال: يقول الشيخُ الألبانيُّ كذا..
الشيخُ الألبانيُّ -رحمه الله- يُصحِّح ويهدِم، ألم يقل: إنّ «سيدًا» قال بقول أصحاب وحدة الوجود في تفسير سورة الإخلاص؟! إلى غير ذلك مما انتقده عليه .. هو يهدِم هذا؛ لأنه يستحق الهدْمَ، ولابد من بيانه وتخطئته وهدمه، وبيان خطره على الأمّة.
نُصحِّح ما يُصحح، ونهدم ما يجب أن يُهدَم، ونحذِّر المسلمين إذا كانت البدعة غالبةً على كتاب ألا يقربوه؛ لأنّ طالبَ العِلم قد لا يُميِّز؛ فيقع في أمورٍ تقوده إلى البدعة حتى يكون على سوائها.
أهلُ العِلم يراعون المصالحَ والمفاسد .. صَحَّحَ الشيخُ ما صحح؛ لأنه يُصَحَّحَ، وهدم ما يجب هدمه، وهو يقول -أي الشيخُ الألبانيّ-: «كلمةٌ جميلة تلك التي قالها، مَن قال -ولم يُعَيِّنه- أقيموا دولةَ الإسلام في قلوبكم، تقم لكم في أرضكم».
فجاء «أبو الفتن» وقال: الشيخُ الألبانيّ مدحَ هذه المقولة، وهي لـ «حسن البنا».
إذا كانت حقًا نقبله كما يقبله الشيخُ الألبانيّ ويُصححه، وأما قاعدةُ «التعاون والمعذرة» فيهدمها، هو .. هو.
الشيخُ الألبانيّ يُصحِّح ما يُصحح ويهدم ما يجب أن يُهدم.
ثم هذه المقولة ليست من كلام «حسن البنا»، وأنا أُحيله على أَخْدَانِه، فليسألهم ليُعْلِموه مَن قالها، بهذا تستقيمُ أقوالُ العلماء.
وأما أنتَ فأخذتَ شطر المقولة، ورُحْتَ تجمع أقوال العلماء في الدلالة عليها، وليس هذا في موطن النزاع كما ترى.
أنتَ تفترض شيئًا على أنه نزاعٌ، ثم تذهب تتقمم وتأتي بأقوال العلماء، وتقول: هي في موطن النزاع.
أيُّ نزاع؟!!
«دُوْن كَيْشُوت» على فرسكَ الهزيل بسيفكَ الخشبيّ، تقاتِلُ طواحينَ الهواء!! .. تتخيل؟!!
هذا مرضٌ نفسيّ!! (هَلاوِس) سمعية!! و(هَلاوِس) بصرية!! و(هَلاوِس) حسية!!
على المرء أنْ يُعالَج، وعلى مَن حوله أنْ يدلّوه إذا رأوا مثل هذا الخلل فيه.
صياغته الركيكة من للقاعدة المزعومة هي التي أردته في الزلل والخطأ؛ لأنه ذهب بالتصحيح إلى الأقوال: نُصحِّحُ، ونفى الهدم عن الأشخاص؛ فانفكتِ الجهة، وصوابُ القاعدة يُقيمها على جادة أهل العلم، والله المستعان.
يبقى أمرٌ يسير، الدين النصيحة -كما قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كما في الحديث الذي رواه مسلمٌ من رواية أبي رقية تميم بن أوس الداري -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «الدين النصيحة، قلنا: لمَن؟ قال: للهِ، ولكتابِه، ولرسولَه، ولأئمة المسلمين وعامتهم».
فنصيحةً لـ «أبي الفتن» -وهو من عامة المسلمين- نقول: عندما تريد الذهاب إلى التصوير، إلى «الاستديو»، خذ معكَ كُوزَ «سَالَمون»!! قد قطعته إلى نصفه، وضعْ فيه قطعةَ قُطنٍ أو صُوفٍ، أو حتى خذْ خِرْقَة من سروالٍ قديم؛ فضعه في ذلك الكُوز، فإذا دخلتَ «الاستديو» ضعه أمامكَ على المنضدة، واطلب من الذي يُلِّحن لكَ بين الوَصلتين الغِنائيتين من وَصلاتك أن يأتيكَ ببعض ما تضعه على الصوف أو القطن أو الخِرقة في الكُوز.
فإذا أردتَ أن تقلبَ الصفحةَ، لا تضع إصبعكَ في فِيكَ؛ لأنها عادةٌ قبيحة، ولكنْ ضع إصبعك في الكوز، ثم اقلب الصفحة، أما أن تُدخل إصبعكَ في فِيكَ مرّات، هذا عيبٌ يا رجل!! الناس يتقززون ويشمئزون!! دعكَ من هذه العادات الطفولية، وعليكَ بالكوز!!
الأمر الثاني: كُنْ حذرًا يا «أبا الفتن» عندما تدخل جُحْرَ الثعالب، هم يستغلونكَ يا رجل!! يريدون ثورةً وضجةً حتى يُقبلَ الناسُ على المشاهدة؛ فيرتفع سعرُ الإعلان عن «الكَبَّة!!» و«الحَلَّة!!» بين وَصْلتيكَ.
عيبٌ عليكَ!! أنْ يكونَ هنالكَ إعلانٌ عن هدية «عيد الأم» -يا رجل!! أين ولاؤكَ وبراؤكَ؟!!
ألم تقرأ «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم» لشيخ الإسلام ابن تيمية؟!!
أما دلّكَ علامةُ اليمن، ومُحدِّثها على أنه لا عيدَ لأهل الإسلام سوى عيد الفطر وعيد الأضحى، وما يتكرر كل أسبوعٍ من هذه الجمعة المباركة؟!
كنْ حذرًا يا «أبا الفتن» عندما تدخل جُحر الثعالب، أنا لكَ ناصحٌ وعليكَ مُشْفِقٌ؛ فإنها ستكون سُبَّةً في تاريخكَ بعد حين.
واللهُ المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين". اهـ
وفرِّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
5 من جماد الأول 1433هـ، الموافق 28/3/2012م.
وإنْ تجد عيبًا فسُد الخللا ==== فجلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
هذا هو الردُّ (العاشر) من ملف (أبي الفتن)، والذي يردُّ فيه فضيلة الشيخ المجاهد محمد سعيد رسلان -حفظه الله- على المُبتدِع (أبي الفتن المأربي) -هداه الله أو قصم ظهره-.
تاريخ إلقاء هذه الخطبة
الجمعة 23 من ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 16-3-2012 م
عناصر الخطبة
1. أحاديث علامات الساعة، والسنوات الخداعات، وهلاك الوُعول -وهم أشراف الناس وحكماؤهم-، وظهور التُّحوت -وهم الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يُعلم بهم-؛ فاعتلوا المناصب وأصبحت لهم الكلمة .
2. معجزة انشقاق القمر على رؤوس الأشهاد وعناد المشركين من أهل مكة واتهامهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه ساحر.
3. قصة العامري وعناده مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمام النخلة.
4. وهذا العناد والخداع والخيانة هو ما يفعله (أبو الفتن) منذ أن جاء إلى أرض الكنانة وحتى يوم الناس هذا، وهذا الخداع هو محاولاته المستمرة لإظهار باطله في قالب الحق وهى عادة أهل البدع والأهواء في كل زمان ومكان.
5. أمثلة متنوعة من أصحاب أهل البد ع والأهواء لإخراج الباطل الذي يتكلمون به في قالب الحق الذي هم بعيدون عنه.
6. مَن هم الحدَّادِيّة مع ذكر صفاتهم, ومحاولة (أبي الفتن) اتهام أهل السنة من السلفيين بالحدادية .
7. (أبو الفتن) سَلَّ سيفه وامتطى ظهر حماره الهزيل ويحارب طواحين الهواء على قناة النِّقمة...والسلفيون بُرآء من كل ما يرمهم به.
8. توضيح مسألة كتاب (فضل العربية) وما تم نشره في الطبعة الأولى منذ 25 عام وما تم تصحيحه في الطبعة الثانية والثالثة وما هو موجود الآن في الطبعة الرابعة، وأوضح الشيخ أنه هو وحده مَن كشف عن الخطأ واعترف به على المنبر وعلى رؤوس الأشهاد ولم ينكره وكان هذا منذ سنوات.
9. مطالبة (أبي الفتن) أن يفعل مثلما فعل الشيخ، وأن يخرج ويقول: إنه أخطأ في حق الصحابة -رضي الله عنهم- وسبهم وطعن فيهم ويستغفر ربه عما اقترف من ذنب، فهل يفعل ذلك أبو الفتن.
10. أقوال (أبي الفتن) في نبي الله داود -عليه السلام- وبعض والصحابة والطعن فيهم مثل: حسان بن ثابت في حادثة الإفك.
11. الصحابي هو كل مَن لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآمن به ومات على ذلك ولو تخللته ردة على الصحيح، فمَن ثبت ذلك فهو من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
12. مطلوب من (أبي الفتن) أن يذكر اسم سلفي من أهل السنة والجماعة على منهاج النبوة, قال برد الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان.
13. الفرق بين الخطأ العارض والخطأ المنهجي مع ذكر أمثلة من أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع توضيح الفرق بين ذلة العالم وبدعة المبتدع عند أهل السنة.
14. مطلوب من (أبي الفتن) أن يوضح لنا قاعدة حمل المجمَل على المفصَّل في أقوال (سيد قطب) في أنبياء الله عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم وأقواله في الشريعة.
15. قاعدة (أبي الفتن) ومَن وراءه هي (نصحِّح ولا نهدِم)، وهى إعادة صياغة لقاعدة (التعاون والمعذرة) التي هي من صياغة محمد رشيد رضا، والإخوان من بعده وهى أساس المنهج الأفيح.
16. وقاعدتنا هي ( نصحِّح ونهدِم): نصحح ما يجب أن يُصحَّح، ونهدم ما يجب أن يُهدم وبهذا يستقيم الدين.
17. أقوال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم وتأسيس قاعدة (نصحِّح ونهدم)، وفعلهم مع صاحب البدعة ومن خالف الرسول صلى الله عليه وسلم.
18- ولأن الدين النصيحة، فهذه نصيحة لـ (أبي الفتن) -وهو من عامة المسلمين- أن يأخذ معه (كُوز سَالَمون!!) وقد وضع فيه قطعة قطنٍ أو صوف قبل الدخول إلى الأستوديو؛ فإذا أردتَ أن تقلبَ الصفحةَ، لا تضع إصبعكَ في فِيكَ؛ لأنها عادةٌ قبيحة، ولكنْ ضع إصبعك في الكوز، ثم اقلب الصفحة، أما أن تُدخل إصبعكَ في فِيكَ مرّات، هذا عيبٌ يا رجل!! الناس يتقززون ويشمئزون!! دعكَ من هذه العادات الطفولية، وعليكَ بالكوز!! [نقلاً عن صفحة "مجموعة دروس فضيلة الشيخ محمد سعيد الرسلان" على الفيس بوك بتصرفٍ يسيرٍ].
التفريغ
لتحميل التفريغ بصيغة PDF - جاهز للطباعة.
اضغط هنـــا أو اضغط هنـــا.
أو
لتحميل التفريغ بصيغة DOC- للتعديل.
اضغط هنـــا أو اضغط هنـــا.
صورة من ملف التفريغ:
القراءة المباشرة
"إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بَعْدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أمّا بَعْدُ:
فقد أخرج البخاري في «التاريخ»، ومن طريقه ابن حبان في «التعليقات الحِسان»، والحاكم، والطبراني في «الأوسط» عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الفُحْشُ وَالبُخْلُ، ويُخَوَّنَ الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنَ الخَائِنُ، وَيَهْلِكَ الوُعُولُ، وَتَظْهَرَ التَّحُوتُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الوُعُولُ وَما التَّحُوتُ؟ قَالَ: «الوُعُولُ: وجُوهُ النَّاسِ وَأَشْرَافُهُمْ، وَالتَّحُوتُ: الَّذِينَ كَانُوا تَحْتَ أَقْدَامِ النَّاسِ لَا يُعْلَمُ بِهِمْ».
وللحديث مُتابِعٌ قوي أخرجه الطبراني في «الأوسط» من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَظْهَرَ الشُّحُّ، وَالفُحْشُ، وَيُؤْتَمَنَ الخَائِنُ، وَيُخَوَّنَ الأَمِينُ، وَيَظْهَرَ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا نِسَاءٌ عَارِيَاتٌ كَاسِيَاتٌ ، ويَعْلُو التُّحوتُ الوُعُولَ». أَكَذَاكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ سَمِعْتَهُ مِنْ حِبِّي -صلى الله عليه وآله وسلم-؟ قَالَ: نَعَمْ، وَرَبِّ الكَعْبَةِ. قُلْنَا: وَمَا التُّحوتُ؟ قَالَ: «فُسُولُ الرِّجَالِ، وَأَهْلُ البُيُوتِ الغامِضَةِ، يُرْفَعُونَ فَوْقَ صَالِحِيهِمْ. وَالوُعُولُ: أَهْلُ البُيُوتِ الصَّالِحَةِ».
وأخرج أحمد، وابن ماجة، وصححه الألبانيُّ في صحيح سنن ابن ماجة وفي السلسلة الصحيحة عن أبي موسى -رضي الله عنه- أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «إن بين يدي الساعة لهَرْجًا» ، قال: قلتُ: يا رسول الله، وما الهَرْجُ؟ قال: «القتلُ» ، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «ليس بقتل المشركين، ولكن يقتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره، وابنَ عمه وذا قرابته» ، فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا، تُنْزَعُ عقول أكثر ذلك الزمان، ويَخْلُفُ لهم هباءٌ من الناس لا عقولَ لهم». ثم قال أبو موسى -رضي الله عنه-: «وايمُ اللهِ، إني لأظنها مُدْرَكَتِي وإياكم، وايمُ الله، ما لي ولكم منها مخرجٌ، إنْ أدركتنا فيما عهد إلينا نبينا -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن نخرج كما دخلنا فيها».
وأخرج أحمد، وابن ماجة، وصححه الألبانيُّ في السلسلة الصحيحة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ: يُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ».
وأخرج ابنُ حِبّان في صحيحه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «كَيْفَ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللهِ بن عمرو لو بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ -والحُثالة: الرَّدِيء من كل شيء. يُريدُ: أراذِلَهم- مِنَ النَّاسِ؟»، قَالَ: وَما ذَاكَ ومَا هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «ذَاكَ إِذَا مَرِجَتْ عهودُهم وأَمَانَاتُهُمْ، وصاروا هَكَذَا»، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَكَيْفَ بِي يا رسول الله؟ قال: «تعملُ مَا تَعْرِفُ، وَتَدَعُ مَا تُنْكِرُ، وَتَعْمَلُ بِخَاصَّةِ نفسك، وتدعُ عوامَّ الناس».
في النفس البشرية مَثالِبُ خَفِيَّة، تلتوي أحيانًا وتستقيم أحيانًا، وتُظهِر الحقَّ في ثَوب الباطل تارةً، وتُظهِر الباطلَ في ثَوب الحقِّ تارات، ومهما جئتها به من بينة؛ لترشدها رُدَّتْ عليكَ بينتكَ وثُرِّبَ عليكَ.
والحقُّ لا يضيره شيء من ذلك كله، ولا يثنيه عن بلوغ سواء النفوس الكريمة ليحيها الله به كما يُحي الأرضَ المَوات بالحيا الطهور.
أخرج البخاري بسنده عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: انْشَقَّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً فَوْقَ الجَبَلِ، وَفِرْقَةً دُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ-: «اشْهَدُوا».
وفي الصحيحين عن أنسٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ القَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا».
وقد ذكر السَّعْدِيُّ -رحمه الله- في تفسيره «أنّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لما طلبَ منه المكذبون أن يُرِيَهُم من خوارق العادات ما يدل على صحة ما جاء به وصِدْقِه، أشار إلى القمر، فانشق -بإذن الله- فِلْقَتَيْن، إحداهما على جبل أبي قُبَيْس، والأخرى على قُعَيْقِعَان، والمشركون وغيرُهم يشاهدون هذه الآية الكبرى الكائنة في العالم العلوي، التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل.
فشاهدوا أمرًا ما رأوا مثله، بل ولم يسمعوا أنه جرى لأحد من المرسَلين قبله نظيرُه، فانبهروا لذلك، ولكن لم يدخل الإيمان في قلوبهم، ففزعوا إلى بَهْتِهِم وطغيانهم، وقالوا: سحرنا محمد!!».اهـ
فما تُغني الآيات والنُّظُر عن قومٍ لا يُؤمنون.
أخرج أحمد عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- أنّ رَجُلاً مِنْ بَنِي عَامِرٍ، طلبَ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يُرِيَهُ الخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْه -يعني: خاتم النبوة- وقال الرجلُ العامِريُّ: فَإِنِّي مِنْ أَطَبِّ النَّاسِ -أي: من أعلمهم بالطب-، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ-: «أَلا أُرِيكَ آيَةً؟»، قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَنَظَرَ إِلَى نَخْلَةٍ، فَقَالَ: ادْعُ ذَلِكَ العِذْقَ»، قَالَ: فَدَعَاهُ، فَجَاءَ يَنْقُرُ، حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ارْجِعْ»، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ.
في رواية الدارميّ: أنّ النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلم- استشهدَ النخلة، وقد كانت جاءت إليه فقامت بين يديه تخطُّ الأرضَ خطًّا، فسلّمتْ عليه بالنبوة، واستشهدها فشهدتْ أنه رسولُ الله، وهنا فرجعَ العِذْقُ إلى مكانه، فَقَالَ العَامِرِيُّ: يَا آلَ بَنِي عَامِرٍ، مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ رَجُلًا أَسْحَرَ!!
الحديثُ صحيحٌ ورجالُه ثقات.
فلم تزده الآياتُ المُبهرة إلا كُفرًا وعِنادًا!!
وقد كانت العربُ مَن يرى السوادَ مُقبلاً فيُمارِي صاحبه فيه هو عَنْزٌ لا محالة، ويقول صاحبه: بل هو طائرٌ له جناحان، فإذا هَيَّجَا السوادَ فطار، قال: (عَنْزٌ ولو طارتْ!!).
والمُساجَلة التي نحن فيها منذ حين مساجلةٌ عجيبة تُغَشِّيها سُحُبٌ سوداء من الخيانة حينًا ومن الكذب حينًا ومن التدليس والخداع في أغلب الأحيان.
والرجل الذي نرد عليه بعضَ تجاوزه وضلاله وطغيانه واعتدائه على أهل السُّنة لا يزيده -ومَن يأزُّه على الأدلة- الأمرُ إلا عِنادًا ومُكابرةً وخداعًا.
وكلُّ صاحب باطلٍ لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالَب الحق: كما أخرجتْ الجهميةُ التعطيلَ في قالب التنزيه..
وكما أخرج المنافقون النفاق في قالب الإحسان والتوفيق والعقل المعيشي..
وأخرج المَكَّاسون أكلَ المكوس في قالب إعانة المجاهدين، وسدِّ الثغور، وعمارة الحصون..
وأخرج الروافض الإلحادَ والكُفر والقدح في سادات الصحابة وحزب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأوليائه وأنصاره في قالب محبة أهل البيت والتعصب لهم وموالاتهم..
وأخرجتِ المُباحِيَّةُ وفَسقةُ المنتسبون إلى الفقر والتصوف بِدَعهم وشطحهم في قالب الفقر والزهد والأحوال والمعارف ومحبة الله ونحو ذلك..
وأخرجتِ الاتحادية أعظمَ الكُفر والإلحاد في قالب التوحيد، وأنّ الوُجودَ واحدٌ لا اثنان وهو اللهُ وحده؛ فليس هاهنا وجودان: خالقٌ ومخلوق، ولا ربٌّ وعبدٌ، بل الوجود كله واحدٌ وهو حقيقة الربِّ..
وأخرجتِ القدريةُ إنكارَ عمومَ قدرة الله -تعالى- على جميع الموجودات: أفعالِها وأعيانها في قالب العدل، وقالوا: لو كان الرب قادرًا على أفعال عباده لَزِمَ أن يكونَ ظالمًا لهم، فأخرجوا تكذيبهم بالقدر في قالب العدل..
وأخرجتِ الجهميةُ جحدهم لصفات كماله -جلّ وعلا- في قالب التوحيد؛ فقالوا: لو كان له -سبحانه- سمعٌ وبصرٌ وقدرةٌ وحياةٌ وإرادةٌ وكلامٌ يقوم به لم يكن واحدًا وكان آلهةً متعددة..
وأخرجتِ الفَسقة والذين يتّبعون الشهوات الفسوقَ والمعاصي في قالب الرجاء وحُسن الظن بالله -تعالى- وعدم إساءة الظن بعفوه، وقالوا: تجنُّب المعاصي والشهوات إزراءٌ بعفو الله -تعالى- وإساءةٌ للظن به ونسبة له إلى خلاف الجُود والكَرم والعفو، كما قال قائلهم:
فكثِّرْ ما استطعتَ من المعاصي
إذا كان القدومُ على كريمِ!!
وأخرجتِ الخوارجُ قتالَ الأئمة والخروج عليهم بالسيف في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفع الظلم ورفع الجَور..
وأخرجتْ أربابُ البدع -جميعهم- بدعهم في قوالبَ متنوعة بحسب تلك البدع..
وأخرجَ المشركون شركهم في قالب التعظيم لله وأنه أجلُّ من أن يُتقرَّب إليه بغير وسائط وشفعاء وآلهةٍ تُقَرِّبهم إليه.
فكلُّ صاحب باطلٍ لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق.
ومَثَلُ الرجل فيما أُراجعه فيه كما لو سألته: كم للإسلام من رُكن؟ فيقول: للأرنبِ أربعُ أرجلٍ!!
فإجاباته هكذا، وفهمه هكذا، وأنا أسأله عن أركان الإسلام لا عن أركان الأرنب!!
وقد لاحظتُ من إطلاقاته ومجازفاته التي يُطلقها على أهل السُّنة من مخالفيه أنه لا يعنيهم في حقيقة الأمر، وما يُطلقه إنما ينطبقُ أو يُشاكِلُ ما يقول به «الحَدَّادِيَّة»، وهؤلاء ليسوا من أهل السُّنة، بل هم حربٌ عليها وعلى أهلها.
ومن صفاتهم: قولُهم بتبديع كل مَن وقع في بدعة!! هذا منهجُ «الحَدَّادِيَّة» لا أحدَ من أهل السُّنة السلفيين يقولُ هذا، هذا يقوله «الحَدَّادِيَّة» الغُلاة.
والرجلُ يتوجه إلى أهل السُّنة بتهم «الحَدَّادِيَّة»: يظلم ويجور، ويعتدي ولا يعدل، فاللهُ حَسِيبُه.
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: قولُهم بتبديع كلِّ مَن وقع في بدعة!!
ومن صفاتهم: تبديعُ مَن لا يُبدِّعُ مَن وقع في بدعة، وعداوته، وحربُه، ويكفي عندهم أنْ تقول: عند فلانٍ أشعرية -مثلاً- أو هو أشعريّ ..
هذا لا يكفي عندهم، لا يكفي عندهم أنْ تقولَ هذا، بل لابد أنْ تقولَ: مبتدع!! وإلا فالحربُ والهجرانُ والتبديع لكَ -إنْ لم تقله-!!
مَن مِن أهل السُّنة السلفيين الأقحاح يقول بمثل هذه الفِرَى حتى تُوجه أمثالُ هذه التهم إلى السلفيين الخُلَّص جَورًا وظلمًا وعدوانًا وتشهيرًا ونكايةً وانتقاصًا؟!!
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يُحرِّمون الترحمَ على أهل البدع بإطلاقٍ، لا فرْقَ بين رافضي وقدري وجهمي، وبين عالمٍ وقع في بدعة!! هذا من صفات «الحَدَّادِيَّة».
ومن صفاتهم: أنهم يُبدعون مَن يترحم على مثل أبي حنيفة، والشوكانيّ، وابن الجوزي، وابن حجر، والنووي!!
مَن مِن السلفيين قال هذا؟!!
إنما يقوله «الحَدَّادِيَّة».
ويأتي هذا الوافدٌ من الكهوف والغِيران؛ ليُلطِّخَ صفحة السلفيين بما هم منه بُرَآء، ويفتري الكذب وهو يعلم -أو لا يعلم؛ فليعلمْ، ولننظر بعدُ ما يكون-.
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يُبدِّعون مَن يترحم على مثل أبي حنيفة، والشوكاني، وابن الجوزي، وابن حجر، والنووي -عليهم رحمةُ الله-.
ومن صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يُعادون السلفيين معاداةً شديدةً، ومهما بذلوا من الجهود في الدعوة إلى السلفية والذب عنها، ومهما اجتهدوا في مقاومة البدع والحزبيات والضلالات؛ فإنهم يعتدون عليهم، وأنهم -أعني: «الحَدَّادِيَّة»- يلعنون المُعَيَّنَ!! حتى إنّ بعضَهم يلعنُ أبا حنيفة!! وبعضَهم يُكفِّره!! -عليه رحمةُ الله-.
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يتميزون بالكِبر والعناد وردِّ الحق كسائر الغُلاة من أهل البدع، وهم يمتازون باللعن والجفاء والإرهاب حتى إنهم يعتدون على السلفيين اعتداءًا ماديًا، ولو استطاعوا قتلهم لفعلوا!!
فمن كلام «أبي الفتن» أميلُ إلى أنه يريد هؤلاء بحملته التي سَلَّ لها سيفه، وشهرَ فيها رُمْحَه، وامتطى فيها ظهرَ حِماره الهزيل، وراح يصول ويجول في قناة «النِّقْمَة» يُحارب طواحين الهواء!!
والسلفيون بُرآء من كل ما يرميهم به، ولا يعود عليهم من هُرائه وهذيانه شيء.
ولعل مما يُؤيد ما ذهبتُ إليه من أنه إنما يريد «الحَدَّادِيَّة»، فيأتي بالحملة عليهم؛ تشهيرًا بالسلفيين وحَطًا عليهم .. مما يُؤيد ذلك ما تورط فيه من الخيانة والمكر عندما يَمَّمَ وجهه شَطر مواقع «الحَدَّادِيَّة» ليأتي بالطبعة الأولى من «فضل العربية»، وليقوم بحركةٍ استعراضية تمثيلية؛ ليُرِيَ المشاهدين ما وقع عليه من قاصمة الظهر!!
والطبعة المُومَى إليها كانت منذ قرابة ربع قرن!!، وكنتُ نقلتُ فيها بعضَ نقلٍ عن «سيد قطب» وغيرِه، ثم انتبهتُ لذلك فحذفته من الطبعة الثانية، ثم طُبع الكتابُ بدون ذلك طبعةً ثالثة، وقد خلا مما شابه في الطبعة الثانية وطُبع مرةً ثالثة، وصُوِّرَ من الثانية والثالثة مرات -ولله الحمدُ والمنة- ثم أعدتُ كتابته وصياغته -جملةً- في الطبعة الرابعة، وهي بين أيدي الناس التي عاد إليها يتقممُ كالذباب يقع على العَقِير، كانت منذ رُبْع قرن!! ثم حُذفَ منها ما كان وجَدَّ أمرٌ..
ما وقع من نَقْلٍ في الطبعة الأولى لم يقع عليه سواي، لم يلتفت إليه أحدٌ، ولم يُخَطِّئني به أحدٌ، أنا الذي دللتُ عليه ونبّهتُ إليه على هذا المنبر مُحذِّرًا منه ومن الغفلة عن فحوى الكلام عند نقله؛ اغترارًا بالأسلوب الأدبيّ أو حُسْن الصياغة والأداء.
أنا الذي لفتُّ إليه الأنظارَ، وضربتُ بنفسي المثالَ، وقلتُ: وقد وقع ذلك مني اغترارًا بالأسلوب، أو غفلةً عند النقل، أو جهلاً مني!!
لقد قررتُ ذلك على المنبر وعلى رؤوس الأشهاد عند الكلام عند بعض مخالفات «سيد قطب»، وأنا أردُّ عليه، وكلامي في ذلك محفوظٌ، والنصُّ المكتوبُ غيرُ محفوظ، فكأني أُحيلُ حين أُحيلُ على معدوم، وما منعني ذلك من الإعلام به على المنبر، وبمسمعٍ من الناس، وقد كان هذا منذ سنوات.
أفمن دين الله -تعالى- أو من الإنصاف الذي يدّعيه «أبو الفتن» وحزبُه أنْ تذهبَ تتقمم مراحيض الشبكة العنكبوتية؛ لتأتي برجيع «الحَدَّادِيَّة» وقَيئهم، وعندكَ ما يُغنيكَ مما كتبتُ وقلتُ؟!!
أليست هذه خيانة؟! يتنزه عنها المسلمُ، ويرتفعُ عند رمي مسلمٍ بما ليس فيه حتى لا يردَ رَدْغَةَ الخَبال.
ثم ما تأسيسك على باطلك الذي ادّعيتَ من مثل قولك: وماذا كانت حالُك قبل ذلك؟ وما كانت صفتك؟ إلى آخر هذيانه! وهرائه! وتخريفه!
أما واللهِ لو فعلتُ فِعلكَ لجعلتكَ تتقلبُ على أمثال الإبَر!! ولكني أتقي اللهَ فيك وإنْ رميتني والسلفيين الخُلَّص بما فيك تارة، وبصفات «الحَدَّادِيَّة» تارةً أخرى، والله -عز وجل- هو المسئول أن يعاملك بعدله.
ثم ماذا كان فيما صنعتُ في فترةٍ من فترات الطلب، هل عليّ من بأس؟! هل عليّ من تثريبٍ أو مَلامٍ؟! ما الذي كان؟! ألم يقل شيخُ الإسلام في (توحيد الربوبية) من «مجموع الفتاوى»: «إنه كان يُحسنُ الظنَّ بابن عربيّ!! في بداية الطلب، وأنهم -هو ورفاقه- كانوا يجتمعون على قراءة كُتب ابن عربيّ». قال: «حتى عرفنا حاله». وهو شيخُ الإسلام -رحمه الله-.
فكان ماذا؟!
لقد صار شيخُ الإسلام إلى رميه بعد بالزندقة!! ووصَفه بما فيه، فلماذا تَشْغَبُ هذا الشَّغْب الإعلامي الحقير!!
إنكَ لا تُنصر على مخالفك بمثل هذا الخداع، بل ينصره الله عليكَ بمعاصيكَ وتهوركَ، فلماذا لا تتقي الله فيما تقول وتعمل؟!
ليتكَ فعلتَ مثلي عندما أعلنتُ على رؤوس الأشهاد عن أمرٍ وقعتُ فيه وهو خَفِيّ، وقلتُ: «وقعَ ذلك اغترارًا بالأسلوب، أو غفلةً لحُسن الصياغة، أو وقع ذلك جهلاً مني»، وما يَضيرني؟!! ومَن المعصوم بعد محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!
فليتكَ فعلتَ مثلي عندما تورطتَ في سب الصحابة ووصفهم بالغُثائية، وقلتَ في «حَسّان»، و«أبي سعيدٍ»، و«أسامة» ما قلتَ، بل ولمزتَ «داود»!! وجعلته على العَجْلَة المذمومة مثالاً!!
ولستُ أدري لماذا تجعل الصحابة -رضي الله عنهم- وحدهم غَرَضًا؟!!
إذا ذكرتَ بدانةَ «محمد بن الحسن» لم تجد أمامكَ إلا عليًا!! -رضي الله عنه- لتقول: هو البَطِينُ الأصلع!!
يا رجل ما الذي يُلْجئكَ إلى هذا؟! وما الذي يحملكَ عليه؟! ولماذا يهون عندك قدرُ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تتخذهم غرضًا، ولمَ لمْ تضرب المثلَ للبَطِين الأصلع بنفسكَ؟!
لماذا تذكر هذا هنا؟! وما الداعي إليه؟! هل عندما تتراجعُ على الهواء مباشرةً عن قولكَ في الصحابة تلتف حول تراجعك مرةً أخرى، وتذكر «عِياضًا» وتتفلسف!!
قلْ: أخطأتُ في حق الصحابة، وأتوب إلى الله وأستغفره، ورضي الله -تبارك وتعالى- عنهم، ولا تزدْ حرفًا!!
أما أن يقول: قلتُ: إنّ فيهم «غُثائية» وأنا تراجعتُ عن ذلك، ثم يعود فيقول: ولكنّ «عِياضًا» قال: غُثاء!
لا يُغني عنك هذا شيئًا.
ثم ها أنتَ ذا تعيدُ الأمر مرةً أخرى إلى ساحة الصحابة؛ فتضرب الأمثالَ: وكانوا في «حُنَيْنٍ» حديثي عهدٍ بكُفر، وكذا وكذا .. يقول: و«الغثائية»، سبحانَ الله!!
تعريفُ الصحابي: هو مَن لقي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مُؤمنًا به ومات على ذلك ولو تخللته ردةٌ على الصحيح؛ فكلُّ مَن لقي النبي -لا أبصره، فبعضُ الصحابة كان لا يُبصر، ولا كلّمه، فلا يُشترط أن يكلّمه، ولا أن يسمعَ منه، ولكن لَقِيَه كالذين كانوا معه في حَجة الوداع- كلُّ مَن لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مُؤمنًا به ومات على ذلك ولو تخللته ردةٌ على الصحيح، هذا تعريفُ الصحابيّ.
فمَن ثبتَ ذلك له فهو من أصحاب رسول الله.
وهذا حَرَمٌ مَصونٌ، إياكَ ثم إياكَ أن تعتدي على هذه الحَرَم المصون، وليسوا بمعصومين، ولكن نُعَذِّرهم، ونُوَقِّرهم، ونُقِّدرهم، ونسكت عما شجر بينهم، ولا نذيعه، ولا نضرب بهم الأمثال!!
هذا لا يجوز كما سترى في قول الرجل في أمر «حَسّان» -رضوان الله عليه-.
لماذا تُجرِّئ الناس على خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين؟!
بل عاد المتراجعُ عن سب الصحابة، ولمْز نبي الله «داود» إلى التورط مرةً أخرى في سب الصحابة عند سَوق أدلته الفاشلة على رد المُجمل على المُفصل عندما ذكر عائشة -رضي الله عنها- وحادثةَ الإفك، وما وقع من «حَسّانٍ» -رضي الله عنه-، فقال: «وكان الذي تولّى كِبْرَهُ «حَسّانًا»!!
لا، الذي تولّى كِبْرَهُ «عبدالله بن أُبيّ بن سَلول» شيخُ المنافقين غيرَ مُدَافَع، ليس بـ «حَسّان» -رضوان الله عليه- .. والذي تولّى كِبْرَه، ولا هو الذي تَبِعَ المنافقين، وإنما وقع ما وقع في حِجْر التربية في حِجْر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وانتهى الأمر.
أفيجوزُ لمسلمٍ أن يقولَ: إنّ الذي تولّى كِبْرَهُ في الإفك هو «حسّان بن ثابت»؟!!
الذي تولّى كِبْرَهُ شيخُ المنافقين، فكيف نستبدلُ هذا الاستبدال؟!، وكيف نَذِلُّ هذه الذَّلَّة؟!! أقولُ: كَبُرَتْ كلمةً تخرج من فيكَ!! ألا تدري ما يخرجُ من رأسك؟!!
ومع هذا فلو حُلِّفتُ بين الرُّكن والمقام على أنكَ ما أردتَ انتقاصًا للصحابة ولا حَطًّا من قدرهم لحلفتُ!! لأني أعلمُ أنّ لسانكَ أطولُ من عقلكَ!! فلذلك أَعْذُرُكَ.
يا «أبا الفتن» إنكَ تجعل المُتَخَيَّلَ في ذهنك محلاً للنزاع، ثم تسوق الأدلة المتكاثرة على ما تعتقده فيما تخيلته!!
إذا قلنا لكَ: هذا في غير موطن النزاع ضججتَ!!
مَن من السلفيين نازعكَ في أنّ الحقَّ لا يُؤخذ ممن جاء به كائنًا مَن كان .. سَمِّ لنا سلفيًا يقول: إنه لا يقبل الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان، لا يقول ذلك سلفيّ، وكيف يقوله وهو يروي حديثَ رسول الله: «الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ».
(بَطَرُ الحَقِّ): ردُّه .. دَفْعُه على مَن جاء به، لوضاعة شأنه أو لصغر سنِّه أو لرِّقة حاله أو لرَثاثة ثيابه أو لبغضه، فمَن فَعَل؛ فالنار!!
«لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، ثم عرَّف الكِبرَ، فقال: «الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ»، فكيف يفعلُ ذلك أهلُ السُّنة؟!
مَن منهم قال: إنّ الحقَ يُردُّ على مَن جاء به، وإنه لا يُقبل ممن جاء به كائنًا مَن كان؟!! لمَ هذه البهتان؟!!
هذا أمرٌ مُسَلَّمٌ، لكنك أبعدتَ النَّجْعَة، ورحتَ تُكثر من النقل في غير موضع..
الرجلُ يُقرر القاعدة، يصوغُ الاتهام كالمحامي الفاشل يُدَبِّجُ عريضة اتهامٍ: هؤلاء يقولون: إنّ الرجلَ إذا تلبّسَ بالبدعة أو تلبستْ به فهو مبتدعٌ قولاً واحدًا، فمَن لم يُبدعه بدَّعوه، ومَن لم يُبدِّع مَن لم يُبدِّعه بدَّعوه.
تتهم مَن؟! مَن قال هذا من السلفيين الخُلَّص؟!!
ويأتي بالأدلة ..
نقول له: في غير موضعها!!؛ لأنه لا محل للنزاع أصلاً، هذا أمرٌ مُسَلَّمٌ، كهذا الذي قال من أنهم لا يقبلون الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان، ثم يَرُوح يأتي بالأدلة المتكاثرة على أنّ الحقَّ يُقبَلُ ممن جاء به، ولم يُنازعه في هذا مُنازِع!!
فنقول له: أتعبتَ نفسكَ!! وعَنَّيتَها في غير طائل، ولكنْ سَمِّ لنا من السلفيين الخُلَّص، من أهل السُّنة والجماعة على منهاج النبوة مَن يقول: إنه لا يقبل الحق ممن جاء به .. كيف؟!
ولكنْ هم يفهمون ما يأخذون وما يدعون، ويعرفون متى يأخذون ومتى يدعون، وهم الذين يُعْمِلُون القواعد الشرعية المرعية على أصولها السُّنية السلفية: لا يُهَوِّشُون، ولا يرتجلون، وإنما هم منضبطون.
مَن من السلفيين -يعرفه هذا الرجل- قال: إنّ كل مَن أخطأ خطئًا سقطَ وتُرِكَ!! .. مَن؟!
لا نعرفُ من السلفيين الخُلَّص أحدًا قال هذا، بل هم يقولون ضده، ويُحذِّرون من هذا الكلام في أشرطتهم ورسائلهم .. هذا يتهم مَن؟! ويتكلم عن مَن؟! ويفتري على مَن؟! ويكذبُ على مَن؟!
مَن أخطأ خطئًا سقطَ وتُركَ!! .. هذا يقوله «الحَدَّادِيّة» وغيرُهم من الغُلاة، وأهل السُّنة منهم بُرآء.
بل إنّ أهلَ السُّنة والجماعة، بل إنّ السلفيين على منهاج النبوة يُعانون من أولئك «الحَدَّادِيّة» ما لا يُتصور من: العَنَتِ، والطيش، والزيغ .. وفي هذا مَشابِهُ منهم، فاللهُ حسيبهم جميعًا يعاملهم بعدله، وهو على كل شيءٍ قديرٍ.
أهلُ السُّنة لا يقولون: إنّ مَن أخطأ خطئًا سقطَ وتُركَ، ولكنْ أهلُ السُّنة يُفرِّقون بين الخطإ العارض والخطإ المنهجيّ .. ولعلكَ لا تدري هذا ولا تعلمه!!
أخرجُ البخاري في «صحيحه» عن الصحابيّ وحالِه المُلَقَّب بـ «حِمار» واسمه عبدالله أنه كان يشربُ الخمرَ، فيُؤتى به إلى النبيّ، فيأمرُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بضربه، قال راوي الحديث: فمنّا الضاربُ بيده، ومنّا الضاربُ بثوبه، ومنّا الضاربُ بنعله، في حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.. ينصرف، يُؤتى به مرةً أخرى شاربًا؛ فيُضرب، وثالثة فيُضرب حتى قال قائلٌ في مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كَثُرَ المجيءُ به: لعنكَ الله!! ما أكثرَ ما يُؤتى بكَ!!
فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تلعنهُ، إنّه يحبُّ اللهَ ورسولَه»، وفي رواية: «لا تُعِنْ الشيطانَ على أخيكَ».
هذا خطأٌ عارِضٌ: غلبةُ هوى بنزغِ شيطانٍ، فوقع المرءُ في مثل هذا .. يتوبُ منه.
هذا خطأٌ عارِضٌ، هذه معصيةٌ ليست ببدعة، ومُقِرٌّ بحرمة الخمر، ومُقِرٌ بمضارها ونفسه تغلبه عليها، قال: «هو يحبُّ اللهَ ورسولَه»، ولعلها لم تُقل لمَن لعنه!!
فهذا الشاربُ وقعَ في خطإٍ عارِضٍ.
وأما الخطأ المنهجيُّ؛ فانظر إلى كلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في وصف (الخوارج): «يحقرُ أحدُكم صلاته مع صلاتهم، وتلاوته مع تلاوتهم، عبادته مع عبادتهم، يقرؤون القرآنَ لا يُجاوِز تَرَاقِيَهُم -وفي روايةٍ: حناجرهم- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة».
ويقول رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «هم كلابُ النار، وهم شرُّ قتلى تحت أديم السماء، وخيرُ قتيلٍ تحت أديم السماء مَن قتلوه، ولئن أدركتهم لأقتلنهم قَتْلَ عَادٍ».
هذا -كلُّه- وأكثرُ منه في (الخوارج)!!
هذا يأتي شاربًا الخمرَ، وهؤلاء يحقر الصحابةُ عبادتهم مع عبادتهم، وهذا يحبُّ اللهَ ورسولَه، لا تُعِنِ الشيطانَ على أخيكَ، وهؤلاء كلابُ النار!!
لمَ؟!!
هذا خطأٌ عارِضٌ .. وهذا خطأٌ منهجيّ، هذه بدعةٌ عقدية، سيؤول أمرهم إلى تكفير المسلمين ووضع السيف في أجساد المسلمين وإراقة دماء المسلمين، إلى غير ذلك من الفتن والمِحَن والإحَن.
هذا خطأٌ منهجيّ .. مع كثرة العبادة!! لم تنفعهم عبادتهم!! وإنما نُظر إلى ما يأتون به، ولم يقل -هاهنا-: نوازنُ بين ما هم عليه من هذه العبادة العظيمة التي يحقر الصحابة عبادتهم معها، وهذا الذي أتوا به وإنما هو هكذا، مُهْدَرَةٌ عباداتهم: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة .. كلابُ النار .. شرُّ قتلى تحت أديم السماء.
وكذلك ما قال ابن عمر -رضي الله عنهما- في شأن (القدرية) الذين قالوا: إنّ الأمرُ أُنُف، وإنّه لا قَدر، فقال: «إذا لقيتَ هؤلاء فأخبرهم أني بريءٌ منهم وأنهم بُرآء مني، والذي يحلفُ به ابن عمر لو كان لأحدهم مِثْلُ أُحُدٍ ذهبًا، فأنفقه في سبيل الله ما تُقبِّلَ منه حتى يُؤمنَ بالقدر».
مع أنهم -كما وصفهم راوي الحديث-: «يتقفَّرُون العِلم»: يجمعونه .. يتدارسونه .. يعكفون عليه، فهل نفعهم؟!! لم ينفعهم في شيء!!
ولم يُوازِن ابن عمر -رضوان الله عليهما- يقول: لابد من رعاية حالهم!!، هم يجمعون العِلم والسُّنن، فيُنظر في بدعتهم؛ فَتُمَرَّر .. ولكنْ بريءٌ منهم!! وهم بُرآءُ مني!!
لماذا يُهَوِّلُ هذا الرجل، ويرمي الناسَ بما ليس فيهم؟!
الرجلُ يُقرر القاعدة المُقرَّرة عند غيره، فيُعيدُ تقريرها ويفترضُ أنّ مخالفه لا يقولُ بها، ثم يذهب يجمع النصوصَ ويجمع، والناسُ يرثون له! وإذا فرغَ قالوا له: هذا في غير موطن النزاع! فقد ذهبَ مجهودكَ هَدَرًا! لأنه لا نزاعَ فيما تدّعيه نزاعًا أصلاً.
إنّ السلفيين يا «أبا الفتن» يُفرِّقون بين الخطإ العارِض والخطإ المنهجيّ، ويعرفون ذلّةَ العالِم إذا ذَلَّ؛ فيُفرِّقون بين ذلّةَ العالِم وبدعة المُبتدِع، وأنتَ تجعلهما سواءً!! غَشَّى الحقدُ على عين بصيرتك فطمسها؛ فأنتَ تخبطُ في باديةٍ من ظنونك خبْطَ عشواء، بل خبْط عمياء.
وأهلُ السُّنة يعرفون إطلاقات العلماء، وهو ما تُسميه أنتَ بالمُجمَل، ويُراعون تلك الإطلاقات بشروطها وقواعدها، ولا يمنعون من جمع كلام العالِم الذي فيه احتمالٌ وإشكالٌ إلى كلامه الآخَر ليتبيّن بالكلام الآخَر: هل القائلُ يسير فيهما على وَتيرةٍ واحدةٍ؟ أم أنّ كلامَه الآخَرَ مناقضٌ للأول؟
فهذا الجَمْعُ بين أقوال العالِم الواحد، المقصودُ منه: أنْ يتبين هل هو ممن مشى مع الحق والأدلة في الموضعين؟ فَتُعرَفُ نزاهته .. أو يُتبين مَيلُه في أحدهما، فيُدان بذلك المَيل.
أما حملُ المُطلَق على المُقيَّد، وحملُ المُجمَل على المُبيَّن، وحملُ العام على الخاص، فلا يكونُ إلا في كلام الله -تعالى- أو كلام المعصوم -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ لأنّ كلامَ الله، وكلامَ رسوله لا يتحول، ولا يتغير إلا بالنسخ في زمن نزول الوحي.
ومع ذلك لقد أنصفتُكَ، وقلتُ لكَ: إنكَ تحملُ مُجمَل كلام «سيد قطب» على مُفصَّله .. حَسَنٌ، فبيِّنْ لنا كيف يكون الحَمْلُ في: تفسير سورة الإخلاص بعقيدة أصحاب وَحدَة الوجود!! وأنّ «سيدًا» كفّر أمّة محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- في مُقدِّمة تفسير سورة الحِجر، فقال: «إنه ليس على وجه الأرض -اليومَ- دولةٌ مُسلِمة!!، ولا مجتمعٌ مُسلِم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلاميّ».
وأنه وصفَ موسى بأنه: «رجلٌ عصبي المزاج!!». وهذا تنقُّص لرسولٍ من أولي العزم من الرسل.
وغَمَزَ داودَ وسُليمان في أخلاقهما برميهما بالسَّوءة الأخلاقية: «وأما سليمانُ فهو ابنُ داود الذي كانت فتنته في امرأة!!».
أجرِ لنا القاعدة، فإنّا -واللهِ الذي رفعَ السماءَ بلا عمدٍ- نُحبُّ تبرئة «سيد قطب» مما تورط فيه، ولكنْ أرنا.
وأنه تكلم عن جماعةٍ من الصحابة، منهم عثمان، ومنهم أبوسفيان، ومعاوية، وعمرو، ومنهم هِند بنت عُتْبَة، قال فيها قولاً فاحِشًا!!
فأجرِ لنا المُجمَلَ على المُفصَّلِ من كلامه، وأخرِجه من ورطته يا رجل!!
وكذلك فيما وقع منه من السب، بل والتكفير لبعض الصحابة!! -رضوان الله عليهم-، كما وقع لأبي سفيان، فقال: «وما أسلمَ ذلك الرجلُ يومًا!! إنما إسلامُه إسلامُ الشَّفَةِ واللسان، لا إسلامُ القلب والجَنان!!».
هلاّ شققتَ عن قلبه!!
وأنّ «سيدًا» ميّع الصفات في كل مكانٍ وُجدت فيه صفةٌ من صفات الله في كتابه -جل وعلا-، وفسّر الاستواءَ بالهيمنة!! والعرشَ على أنه كناية عن العظمة والسيطرة!! والميزان إنما هو كنايةٌ عن إقامة العدل يوم القيامة!!
احملْ لنا هذا المُجمَل على المُفصَّل؛ لتخرجَ الأمّة من هذا الخلاف الناشب بين أبنائها ما دام الحلُّ عندكَ!! وإلا فإنّ الإثم يُحيط بك على كتمان ما عندكَ من العِلم..
أجرِ لنا هذا، فإنّ كان أخطأ فقل: أخطأ، واحذروا خطأه، وإنْ كان أصاب بحمل المُجمَل على المُفصَّل، فبيِّنْ لنا ذلك.
وكذلك ما كان من قول «سيد»: «ولابد للإسلام أنْ يحكمَ؛ لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغُ من المسيحية والشيوعية معًا مزيجًا كاملاً يتضمن أهدافهما جميعًا، ويزيد عليهما التوازنَ والتناسقَ والاعتدالَ!!».
أهذا يُقال في حق شريعة الإسلام؟!!
وجعلَ مساجد المسلمين معابدَ جاهلية، ولم يستثنِ منها شيئًا!!
فأجرِ القاعدةَ على كلام الرجل، ونحن نقبلُ منكَ ما جئتَ به، إنْ كان حقًا فنحن نقبلُ الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان شريطةَ أن يكون حقًا، ولا نقول: نقبلُ الحقَّ من الشيطان!! كما يقول بعضُهم في فضل آية الكُرسيّ لما قال الشيطان لأبي هريرة ثالِثَ ليلةٍ: أطلقني أُعَلِّمُكَ كلماتٍ: اقرأ آية الكرسي إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ وإذا أخذتَ مضجعكَ، لا يزالُ عليكَ من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطان..
فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «صدَقكَ وهو كذوبٌ»، فأخذناها من النبيّ، لا من الشيطان، إنما نأخذها من رسول الله، لولا أنه اعتمدها ما قبلناها، أيكونُ سندنا عاليًا إلى الشيطان الرجيم؟!! ما هذا الهُراء!!
أسألُ اللهَ أنْ يُرشدنا إلى الحق والصواب، وصلّى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخُطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بَعْدُ:
فقد أسلفتُ القولَ عما يحدثُ من الخيانة والمسخ بشأن تراث علمائنا وعلى رأسهم شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في قناة «النِّقْمَة» وعلى يدي «أبي الفتن»، والخيانةُ عندهم طبقاتٌ فوقَها طبقات، ظلماتٌ بعضها فوق بعض كما صنعَ في «فضل العربية» فيما أسلفتُ من كلامٍ راح يتقمَّم ما هنالك في مراحيض الشبكة العنكبوتية؛ فأتى بما أتى به مما يتعلق بـ «فضل العربية» في الطبعة الأولى منذ ربع قرنٍ أو حولَ ذلك.
وأما قاعدته المُحدَثة: «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم»، فهي إعادةُ صياغةٍ لقاعدة «التعاون والمعذِرة»: (نجتمع فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه).
«نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم» إعادةُ صياغةٍ لهذه القاعدة، وقاعدة «التعاون والمعذرة» من صياغة «محمد رشيد رضا»، وقد سمَّاها بقاعدة «المنار الذهبية»، وقد شَهِدَ «رشيد رضا» أنه تلقى تلك القاعدة عن شيخيه: «الأفغانيّ»، و«محمد عبده»، تلقتها بعد ذلك «الإخوانُ»؛ فصارتْ لهم منهجًا.
وهي قاعدةٌ ناسفةٌ لـ (الولاء والبراء)، مُمررةٌ لكل بدعةٍ ومُحدَثة .. يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه!! .. من توحيد الألوهية، من توحيد الأسماء والصفات، من توحيد الربوبية، من قواعد وأصول السلف والسلفية!! يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.
فقاعدته «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم» إعادةُ صياغةٍ لتلك القاعدة، وهي الأساسُ الذي بنا فوقه «المنهجَ الأفيح»!!
جاء فصاغها صياغةً فاشلةً، وراح يتساءل: إذا كانت خطئًا فهل نَهْدِمُ فقط؟! أو هل نُصَحِّحُ فقط؟!
إذا كانت خطئًا -يقول- فخبِّرونا ما هي القاعدة؟
نعم، سنُخَبِّركَ -إنْ شاء الله-..
القاعدةُ -بعد التصحيح، وإزالة ما فيها من مداخل أهل البدع، والإحداث، والإفساد في الأرض- «نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ».
قاعدته «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم»، والصوابُ «نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ»: نُصَحِّحُ ما يُصَحَّح، ونَهْدِمُ ما يجب أنْ يُهْدَمَ، الدَّمَ .. الدَّمَ، والهَدْمَ .. الهَدْمَ، بهذا يستقيمُ الدين، وتستقيم في يديكَ أقوالُ العلماء ولا تتناقض.
فقد يُصحِّح العالِمُ قولاً أو رأيًا كما قال ابنُ القيِّم عن «الشِّبْلِيّ» بقولٍ أصابَ فيه -للهِ دَرُّه-، ولكنه يصفه بما فيه، ويهدِم ما شيَّد من بدعة «الحلول والاتحاد»؛ فصحَّح وهدم، بهذا يستقيمُ الأمرَ، ولا تلتوي عليكَ أقوالُ العلماء وتضطربُ في يديكَ، وإذا جمعتَ أقوالهم استقامتْ معكَ.
«نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ» .. ما قَبِلَ التصحيحَ صَحَّحْناه ونقبل الحق من كل أحدٍ كائنًا مَن كان.
«نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ» .. ما يستحق الهدمَ، ألم يهدم رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قواعدَ الشرك وينسفها نسفًا؟! ألم يهدِم مُوَاضَعَات أهل الجاهلية؟! ألم يزلها إزالةً؛ ليؤسسَ الدين الحق على أساس التوحيد والاتباع؟!
نُصَحِّحُ ما يُصحح، ونَهْدِمُ ما يجبُ أنْ يُهدَم، بهذا تستقيمُ القاعدة، وأما «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم» فهذه إعادةُ صياغةٍ لقاعدة «التعاون والمعذرة»، وهي البابُ المفتوح على مصراعيه لكل صاحب بدعة!!
«نُصَحِّحُ ونَهْدَمُ» .. كذلكَ فَعل «رشيد رضا»، وتابعه الشيخُ «ابن باز» -رحمه الله- وهو يُصحِّح قول النصراني في تعدد الزوجات، ويقول: للهِ دَرُّه!! ولكنْ هل الشيخُ «ابن باز» لا يهدِم كُفر هذا الرجل وباطلَه؟! هل يهدِم كُفره أو لا يهدِمه؟! هو يُصحِّح الصحيح ويهدِم ما يستحق الهَدْمَ، فبهذا تستقيم القاعدة، وتتم الإجابة عن السؤال.
يقول: فَخَبِّرُونا ما هي القاعدة؟! هل نُصحِّح فقط؟! أو نهدِم فقط؟!
لا، نُصحح ونهدِم: نُصحح ما يجب تصحيحه، ونهدِم ما يجب هدمه، هذا هو دينُ الله، وهذا ما نطالبكَ به في آثار وتراث وأقوال مَن تمدحهم وتدافع عنهم.
هيا بيِّنْ لنا الصحيحَ لنُصححه، وبيِّنْ لنا ما دونه لنهدمه.
ولتدعِ الإجمالَ، ولا تتبَّعه مُراوغةً أو عجزًا، ولا تقل: الإجابةُ السكوتُ .. لا، أنتَ وضعتَ قاعدةً، طبِّقها، وبالتطبيق يتبيّن الحال -ليس بالمقال- وإنما بالتطبيق يتبيّن الحال، طبِّقْ لنا القواعد .. قل لنا: كيف نحمل المُجمَل على المُفصَّل في مثل هذا الكلام عن «سيِّد قطب» خاصة؟!
فإنْ فعلتَ فواللهِ إنها لمَكْرُمَة، يبقى لكَ على الدهر أثرُها، ولكنْ هيهات، هيهات ثم هيهات، أتزنُ الحديدَ بالهباء؟!! أتزنُ الجبالَ بالذَّرِّ؟!! فأنَّى لكَ!
والآن، انظرْ إلى أقوال أصحاب رسول الله ومَن تبعهم بإحسان: عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- حدَّثَ بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تمنعوا النساءَ من الخروج إلى المساجد بالليل»، فقال ابنٌ لعبدالله بن عمر: لا ندعهنّ يخرجنّ فيتَّخذنه دَغَلاً، قال: فَزَبَرَهُ ابنُ عمر، وقال: أقول: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقول: لا ندعهنّ!!
وفي رواية: «لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها»، قال: فقال بلال بن عبدالله: واللهِ لنمنعهنّ!! فأقبلَ عليه عبدالله يسبه، فسبه سبًا سيئًا ما سمعته سبَّه مثله قط، وقال: أُخبركَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: واللهِ لنمنعهنّ!! والحديثُ عند مُسلمٍ في «الصحيح».
وقد أُخذَ من إنكار عبدالله على ولده، ما يقول الحافظُ في «الفتح»: «تَأْدِيبُ المُعْتَرِضِ عَلَى السُّنَنِ بِرَأْيِهِ وَعَلَى العَالِمِ بِهَوَاهُ وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ وَجَوَازُ التَّأْدِيبِ بِالهِجْرَانِ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَمَا كَلَّمَهُ عَبْدُ اللهِ حَتَّى مَاتَ». اهـ
وهذا عَبْدُ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ، فَقَالَ: لاَ تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الخَذْفِ، أَوْ كَانَ يَكْرَهَه، وَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلاَ يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ العَيْنَ» ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ نَهَى عَنِ الخَذْفِ أَوْ كَرِهَه، وَأَنْتَ تَخْذِفُ، لاَ أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا. اهـ، والحديثُ في الصحيحين.
قيلَ لأحمد -الإمام، رحمةُ الله عليه-: إنّ ابن أبي قُتَيْلَة يقول عن أهل الحديث: إنهم قومٌ لا خيرَ فيهم، أو قال: هم قوم سوء، فقام الإمامُ أحمد، وجعل ينفض ثوبَه ويقول: «زنديقُ، زنديقُ، زنديقُ».
لأنّ الرجل قال: أهلُ الحديث لا خيرَ فيهم، أهلُ الحديث قومُ سوء.
لما عُرض كتابُ «المدلِّسين» للحسين بن علي الكرابيسيّ على الإمام أحمد وهو لا يدري مَن ألّفه، وكان فيه الطعنُ على الأعمش والنصرة للحسن بن صالح، وكان في الكتاب: (إنْ قلتُ: إنّ الحسنَ بن صالح كان يرى رأي الخوارج؛ فهذا ابنُ الزبير قد خرج!!).
قال المرُّوزِيُّ: فلما قُرئ على أبي عبدالله، قال: «هذا قد جمعَ للمخالِفين ما لم يُحسنوا أن يحتجوا به، حذِّروا عن هذا». انظر «عِللَ الترمذي» مع شرحها لابن رجب.
هؤلاء أكانوا مُتَّبِعين أم كانوا مُبتدعين؟! أصحابُ النبي ومَن تبعهم بإحسان.
عن الأوزاعيّ فيما أخرج ابن بطة في «الإبانة الكُبرى»، قال: «مَن ستر عنا بدعته، لم تخفَ علينا أُلفتُه». يعني أنه إذا أَلِفَ أهلَ البدع؛ فإنه يُعتبر منهم، فهل خالفَ ما كان عليه السلف؟!
هذا ابن بطة بسنده: (سمعتُ يحيى بن سعيد القطّان قال: لَمَّا قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ البَصْرَةَ: جَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى أَمْرِ الرَّبِيعِ يَعْنِي ابْنَ صَبَيْحٍ , وَقَدْرَهُ عِنْدَ النَّاسِ , سَأَلَ: أَيُّ شَيْءٍ مَذْهَبُهُ؟ - لم ينظر لشهرة ولا لأتباع - قَالُوا: مَا مَذْهَبُهُ إِلَّا السُّنَّةُ، قَالَ: مَنْ بِطَانَتُهُ؟ قَالُوا: أَهْلُ القَدَرِ. قَالَ: «هُوَ قَدَرِيٌّ»!!
أليس هذا من أئمتنا؟! أفنطرحه؟!
قال ابْنُ المُبَارَكِ: «يَكُونُ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِينِ , وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ».
وعن أبي الدرداء: «مِنْ فِقْهِ الرَّجل مَمْشَاهُ , وَمَدْخَلُهُ , وَمَجْلِسُهُ».
سمعتُ معاذَ بن معاذٍ، يقول: قلتُ ليحيى بن سعيد: «الرَّجُلُ وَإِنْ كَتَمَ رَأْيَهُ لَمْ يَخْفَ ذلك فِي ابْنِهِ , وَلَا صَدِيقِهِ , وَلَا جَلِيسِهِ».
كَانَ يُقَالُ: «يَتَكَاتَمُ أَهْلُ الأَهْوَاءِ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا التَّآلُفَ وَالصُّحْبَةَ».
لذلك لما نزل مصر، نزل على أشكالِه!! هل نزل على أهل السُّنة؟! الطيورُ على أشكالها تقع.
الشيخُ الألباني -رحمه الله- قال عن فصل «لا إلهَ إلا الله منهجُ حياة» -وهو فصلٌ من «المعالم» لسيد قطب- قال فيه ما قال مما ذكره «أبو الفتن»، وطار به إلى ما فوق السحاب، وقال: يقول الشيخُ الألبانيُّ كذا..
الشيخُ الألبانيُّ -رحمه الله- يُصحِّح ويهدِم، ألم يقل: إنّ «سيدًا» قال بقول أصحاب وحدة الوجود في تفسير سورة الإخلاص؟! إلى غير ذلك مما انتقده عليه .. هو يهدِم هذا؛ لأنه يستحق الهدْمَ، ولابد من بيانه وتخطئته وهدمه، وبيان خطره على الأمّة.
نُصحِّح ما يُصحح، ونهدم ما يجب أن يُهدَم، ونحذِّر المسلمين إذا كانت البدعة غالبةً على كتاب ألا يقربوه؛ لأنّ طالبَ العِلم قد لا يُميِّز؛ فيقع في أمورٍ تقوده إلى البدعة حتى يكون على سوائها.
أهلُ العِلم يراعون المصالحَ والمفاسد .. صَحَّحَ الشيخُ ما صحح؛ لأنه يُصَحَّحَ، وهدم ما يجب هدمه، وهو يقول -أي الشيخُ الألبانيّ-: «كلمةٌ جميلة تلك التي قالها، مَن قال -ولم يُعَيِّنه- أقيموا دولةَ الإسلام في قلوبكم، تقم لكم في أرضكم».
فجاء «أبو الفتن» وقال: الشيخُ الألبانيّ مدحَ هذه المقولة، وهي لـ «حسن البنا».
إذا كانت حقًا نقبله كما يقبله الشيخُ الألبانيّ ويُصححه، وأما قاعدةُ «التعاون والمعذرة» فيهدمها، هو .. هو.
الشيخُ الألبانيّ يُصحِّح ما يُصحح ويهدم ما يجب أن يُهدم.
ثم هذه المقولة ليست من كلام «حسن البنا»، وأنا أُحيله على أَخْدَانِه، فليسألهم ليُعْلِموه مَن قالها، بهذا تستقيمُ أقوالُ العلماء.
وأما أنتَ فأخذتَ شطر المقولة، ورُحْتَ تجمع أقوال العلماء في الدلالة عليها، وليس هذا في موطن النزاع كما ترى.
أنتَ تفترض شيئًا على أنه نزاعٌ، ثم تذهب تتقمم وتأتي بأقوال العلماء، وتقول: هي في موطن النزاع.
أيُّ نزاع؟!!
«دُوْن كَيْشُوت» على فرسكَ الهزيل بسيفكَ الخشبيّ، تقاتِلُ طواحينَ الهواء!! .. تتخيل؟!!
هذا مرضٌ نفسيّ!! (هَلاوِس) سمعية!! و(هَلاوِس) بصرية!! و(هَلاوِس) حسية!!
على المرء أنْ يُعالَج، وعلى مَن حوله أنْ يدلّوه إذا رأوا مثل هذا الخلل فيه.
صياغته الركيكة من للقاعدة المزعومة هي التي أردته في الزلل والخطأ؛ لأنه ذهب بالتصحيح إلى الأقوال: نُصحِّحُ، ونفى الهدم عن الأشخاص؛ فانفكتِ الجهة، وصوابُ القاعدة يُقيمها على جادة أهل العلم، والله المستعان.
يبقى أمرٌ يسير، الدين النصيحة -كما قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كما في الحديث الذي رواه مسلمٌ من رواية أبي رقية تميم بن أوس الداري -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «الدين النصيحة، قلنا: لمَن؟ قال: للهِ، ولكتابِه، ولرسولَه، ولأئمة المسلمين وعامتهم».
فنصيحةً لـ «أبي الفتن» -وهو من عامة المسلمين- نقول: عندما تريد الذهاب إلى التصوير، إلى «الاستديو»، خذ معكَ كُوزَ «سَالَمون»!! قد قطعته إلى نصفه، وضعْ فيه قطعةَ قُطنٍ أو صُوفٍ، أو حتى خذْ خِرْقَة من سروالٍ قديم؛ فضعه في ذلك الكُوز، فإذا دخلتَ «الاستديو» ضعه أمامكَ على المنضدة، واطلب من الذي يُلِّحن لكَ بين الوَصلتين الغِنائيتين من وَصلاتك أن يأتيكَ ببعض ما تضعه على الصوف أو القطن أو الخِرقة في الكُوز.
فإذا أردتَ أن تقلبَ الصفحةَ، لا تضع إصبعكَ في فِيكَ؛ لأنها عادةٌ قبيحة، ولكنْ ضع إصبعك في الكوز، ثم اقلب الصفحة، أما أن تُدخل إصبعكَ في فِيكَ مرّات، هذا عيبٌ يا رجل!! الناس يتقززون ويشمئزون!! دعكَ من هذه العادات الطفولية، وعليكَ بالكوز!!
الأمر الثاني: كُنْ حذرًا يا «أبا الفتن» عندما تدخل جُحْرَ الثعالب، هم يستغلونكَ يا رجل!! يريدون ثورةً وضجةً حتى يُقبلَ الناسُ على المشاهدة؛ فيرتفع سعرُ الإعلان عن «الكَبَّة!!» و«الحَلَّة!!» بين وَصْلتيكَ.
عيبٌ عليكَ!! أنْ يكونَ هنالكَ إعلانٌ عن هدية «عيد الأم» -يا رجل!! أين ولاؤكَ وبراؤكَ؟!!
ألم تقرأ «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم» لشيخ الإسلام ابن تيمية؟!!
أما دلّكَ علامةُ اليمن، ومُحدِّثها على أنه لا عيدَ لأهل الإسلام سوى عيد الفطر وعيد الأضحى، وما يتكرر كل أسبوعٍ من هذه الجمعة المباركة؟!
كنْ حذرًا يا «أبا الفتن» عندما تدخل جُحر الثعالب، أنا لكَ ناصحٌ وعليكَ مُشْفِقٌ؛ فإنها ستكون سُبَّةً في تاريخكَ بعد حين.
واللهُ المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين". اهـ
وفرِّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
5 من جماد الأول 1433هـ، الموافق 28/3/2012م.
وإنْ تجد عيبًا فسُد الخللا ==== فجلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا.
[ تفريغ ] [ خطبة جمعة ] [ أبو الفتن .. ونواقض الإسلام ] لفضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان
بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
هذا هو الردُّ (الحادِي عشر) من ملف (أبي الفتن)، والذي يردُّ فيه فضيلة الشيخ المجاهد محمد سعيد رسلان -حفظه الله- على المُبتدِع (أبي الفتن المأربي) -هداه الله أو قصم ظهره-.
تاريخ إلقاء هذه الخطبة
الجمعة 30 من ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 23-3-2012 م
التفريغ
PDF - جاهز للطباعة
اضغط هنـــــا == اضغط هنـــــا
WORD - للتعديل والنسخ واللصق
اضغط هنـــــا == اضغط هنـــــا
صورة من ملف التفريغ
القراءة المباشرة
إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بَعْدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أمّا بَعْدُ:
فقد أخرج الإمامُ أحمد، وابنُ ماجة، وصحَّحَه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» وفي غيرِها، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنَواتٌ خَدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ». قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ».
ما أصدقَ الحديثِ انطباقًا على «أبي الفتن»؛ فهذا «الرُّوَيْبِضَةُ» الذي جِيءَ به ليكونَ حربًا على السُّنة وأهلِها، وظهيرًا للبدعة وأصحابها، لا يُحسنُ ينطق حديثًا يدور على ألسنة العامة وصبيان المكاتب!! فيدعو على نفسه من حيث يريد الدعاء لها!! ويُلقَّبُ مع ذلك -مَينًا وزورًا وكذبًا- بالمُحدِّث والعلامة وغيرِها، وما أكثرَ ألقابَ «الهِرّ»!! وما أقلَّ «الهِرَّ» بنفسه!!
مما يزهِّدني في أرضِ أندلُسٍ
ألقابُ مُعْتَمِدٍ فيها ومُعْتَضِدِ
ألقابُ مملكةٍ في غير موضِعِها
كالهِرِّ يحكي انتفاخًا صولةَ الأسدِ
ذهب الرجل يدعو: اللهم لا سهلَ إلا ما جعلته سهلاً، وأنتَ تجعل «الحَزَنَ» -إذا شئتَ- سهلاً.
هكذا: «الحَزَنَ» -مُحَرَّكَةً- فلما سمعتُها، قلتُ: سَبْقُ لسانٍ سَرعانَ ما يُصلحه، فإذا به يُكررها مرةً ومرةً!!
فالذي لا يُفرِّقُ بين «الحَزْنِ»، و«الحَزَنِ» .. ويدعو على نفسه بأنْ يجعل اللهُ عليه «الحَزَنَ» سهلاً مُيسَّرًا، يزيده منه!! .. مَن هذا حالُه يستحقُّ أنْ يُناقش أو أنْ يتوقف عنده!!
وأنا -والله- لا أجدُ انطباقًا عليه، ولا أصدقَ وصفًا له من المَثَل العاميّ: [هَبْلِة، وِمَسِّكُوهَا طَبْلِة!!].
فهذا النموذجُ العجيب من البشر في هذيانه وتخريفه وخلطه وخبطه لا يعدو ما قالتِ العامةُ في مثلها هذا.
وإني لأهنِّئُ «أبا الفتن»، وأُهَنِّئ مُستضيفيه، وشيخَهم «أبا طَرْحَة!!»، ومُشاهديه، ومُستمِعِيه .. أُهَنِّئ الجميعَ على فِطام «أبي الفتن»!! فلقد فطمناه -بحول الله- عن رضاع إصبعه!! ونطمعُ أنْ نفطمه عن بدعه وسوء مسلكه.
ومن تمام نُصحه أن أدعوه -مُخلِصًا- للتوجه قبل الذهاب إلى تصوير وَصلته في الحفلة القادمة إلى وزارة «البحث العِلميّ»، وليتوجه إلى إدارة «الاختراعات»؛ ليُسجِّلَ باسمه براءة اختراع «كُوز السَّالَمون!!»؛ حتى لا يُسرق منه.
ومن مساهمة «أبي الفتن» في حل مشكلة «البطالة» في مصر، أنْ يدعوَ «أبا طَرْحَة» وإخوانَه لمشاركته في إنشاء مصنعٍ صغيرٍ لإنتاجِ «كِيزَانٍ مُعَدَّلَةٍ!!» مُعَدَّلَةٍ باستعمال «الإسفنجة!!» بدلَ خِرقة «السِّرْوَالِ القديم!!» يقومُ شباب الخريجين بعرضها بأناقةٍ وإتقانٍ أمام إستديوهات التصوير!!
ونأملُ أنْ يُكتبَ لها القَبول؛ حتى تُعمم في مصر وتمتد إلى الخارج إنتاجًا وتصديرًا؛ ليعلمَ أعداؤنا -أعداء الإسلام- أنّ لدينا عقولاً فَذَّة!! وقدراتٍ واعدةٍ!! وليعودَ ذلك على بلدنا بالعملة الصعبة التي نستغني بها عن المعونات الأجنبية؛ لنمتلكَ قرارنا ونرفعَ رأسنا!!
ولن ينسى لكَ التاريخُ -«أبا الفتن»- ولإخوانكَ جهادكم في محاربة رضع الأصابع!! وستشكركَ و«أبا طَرْحَةَ» وسائرَ الشركاء، وزاراتُ: البيئة، والصحة، والتضامن، والإنتاج الحربيّ!! على معروفكم الذي للإنسانية أسديتم، وجميلكم الذي للبشرية صنعتم.
إنّ «أبا الفتن» رجلٌ منكوس الفطرة!!، معكوس الفهم!! يحسب أنه إن أحسن شيئًا فهو لسائر الأشياء مُحسِن، وهو -مع ذلك- قعيدٌ في الحماقة!! لا يفهم مرامي الكلام، ولا تستبينُ له مقاصده!!
فإذا قلتُ: إني ابتُليتُ بالنظر إلى وجوهكم وسماع أصواتكم، وما ذاكَ إلا بذنبٍ أستغفرُ اللهَ منه، قال -كأنه يترجم عن (اللاتينية) أو (السِّنْسِكِرِيتِيَّة)!!-، يقول -يعنيني-: «إنّ هذه الحلقات ابتلاءٌ بذنبٍ»، ثم ذهب المسكينُ «أبو الفتن» يُوَصِّفُ الذنبَ؛ فوافقني -من حيث يريد النفع- على أن النظر في وجهه ووجه مَن معه نقمةٌ وابتلاءٌ بذنب، وخالفني في توصيف الذنب، فهل رأيتَ حُمْقًا كهذا؟!! يريدُ أنْ ينفي فيُثبت!! وأنْ يدفعَ فيجلب!!
والحقُّ أنْ الحلقات -نفسها- نعمةٌ لا نقمة؛ لأنها أظهرت للناس هذا «المُبتدِع» على حقيقته، وكشفت للخلق المستورَ من أمره؛ فبان تخليطُه، وبدت حماقته، وكان -قَبْلُ- كـ «الهُولَة!!» تُشاع عنها الشائعات وليست شيئًا، وتَبُثُّ هاهنا وهنالكَ الدعايات وهي هَباءٌ بلا عَدَم.
وأما شأني أنا فمختلِفٌ؛ لأنّ النظرَ في وجوه أهل البدع يُقسِّي القلوبَ ويُكثِّر الذنوبَ، فمن هذه البابَة يُعد النظر إلى وجه هذا ومَن معه نقمةً بذنب، كما قالتْ أمُّ «جُرَيْج» وقد قدّم صلاته على إجابتها: «اللهم لا تُمته حتى ينظرَ إلى وجوه المُومِسَات»، فكان من شأنه ما هو معروفٌ، فهذه كتلكَ، وهاأنذا لم أَمُتْ حتى رأيتُ وجوهكم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وأما قولُه: «إنّ أعظمَ ذنبٍ هو الوقوع في الصالحين» إلى آخر رجمه بالغيب، فقد جعل الصالحين -بزعمه- مَن يذهب إليهم فِكرُه، وهم طالحون في حقيقة الأمر!! فعكسه؛ فجعل الطالحين صالحين، والمُبتدعين مُتسنِّنين، وهدَّامِي الدين بنَّائِعين.
وأشدُّ ما يعانيه المُتعامل مع هذا الرَّجل حماقتُه!! ومَثَلُه كمثل عيسى بن صالح، قال محمد بن زيادٍ: «كان عيسى بن صالح يُحَمَّق، وكان له ابنٌ يُقال له: عبدُالله من عقلاء الناس، فتولَّى عيسى جُنْدَ قِنَّسْرِينَ، فاستخلف ابنه على العمل، قال ابنه: فأتاني رسوله في بعض الليل يأمرني بالحضور في وقت مُبكِّر لا يُحضَر فيه إلا لأمر مهم؛ فتوهمتُ أن كتابًا ورد من الخليفة في بعض الأشياء التي يُحتاج فيها إلى حضوري وحضور الناس، فتقدمتُ بالبعثة إلى وجوه القُوَّاد، وركبتُ إلى داره، فلما دخلتها سألتُ الحُجَّابَ: هل ورد كتاب من الخليفة أو حدث أمر؟ فقالوا: لم يكن من هذا شيء، فصرتُ من الدار إلى موضعٍ تخلَّفَ الحُجَّابُ عنه، فسألتُ الخُدَّامَ -أيضًا- فقالوا: مِثْلَ مقالة الحُجَّابُ، فصرتُ إلى الموضع الذي هو فيه، فقال لي: أُدخلْ يا بُني، فدخلتُ فوجدته على فراشه، فقال: علمتَ يا بُني أني سهرتُ الليلة في أمر أنا مُفَكِّرٌ فيه إلى الساعة، قلتُ: أصلحَ الله الأمير، ما هو؟ قال: اشتهيتُ أن يُصَيِّرَنِي اللهُ من الحور العين!! ويجعلَ في الجنة زوجي يوسف النبي، فطال في ذلك فكري، قلتُ: أصلح الله الأمير؛ فاللهُ -عز وجل- قد جعلكَ رجلاً، فأرجو أن يُدخلكَ الجنة، ويُزوجكَ من الحور العين، فإذ قد وقع هذا في فكرك؛ فهلاّ اشتهيتَ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أن يكون زوجك؟! فإنه أحق بالقرابة والنسب، وهو سيد الأولين والآخرين في أعلى عِليين، فقال: يا بني لا تظن أني لم أفكر في هذا؛ فقد فكرتُ فيه، ولكنْ كرهتُ أن أغيظَ عائشةَ -رضي الله عنها-.
فهذا كهذا حماقةً، وفُسُولَةَ رأيٍّ!!
وأما حماقته وتخليطه عند ذكر القناة الملعونة، فدائمًا يجعل هذا الرجل ما ليس مُعَيَّنًا مُعَيَّنًا!! مع أنّ لَعْنَ المُحْدِثِ المُعَيَّنِ أحد القولين عند أهل العِلم، ومع ذلك فإنه يستظرف فيقول: هذا المايكروفون ملعون، وهذه المنضدة ملعونة، هذه الجدران ملعونة، على طريقته في العجز عن فهم الكلام العربيّ، وتحميله ما لا يحتمل للعُجْمَة الغالبة عليه، والعِيّ المُستحكِم منه.
وفي حديث عليٍّ -رضي الله عنه- الذي أخرجه مسلمٌ في «صحيحه» أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لعنَ الله مَن آوى مُحْدِثًا».
والإحداثُ -في أحد المعنيين-: الابتداعُ في الدين. فالبدعُ إحداثٌ وأيُّ إحداثٍ، والعملُ بالبدع، ونشرُها، وإيواءُ أهلها، وإعانتهم، ونصرتهم، كلُّ ذلك إحداثٌ في دين الله -عز وجل- ومُوجِب لسخط الله على مَن فعله.
ومن ذلك إيواءُ مثل «أبي الفتن»؛ فإيواؤه وتمكينه يزيد القناةَ بدعًا فوق بدعها؛ فهي وَكْرٌ للبدع وملاذٌ لها، ومَن آوى المُحْدِثين استحقَّ هذا الوعيد.
وما لي لا ألعنُ مَن لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!!
في «الصحيحين» عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- أنه قال: «لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ والمُوسْتَوْشِمَات، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ»، فقالتْ له امرأةٌ في ذلك، فَقَالَ: «وَمَا لِي لا العَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ، قال -تعالى-: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾».
وقد أخرج الطبرانيُّ في «الأوسط» من حديث ابن عمرو -رضي الله عنهما- بإسنادٍ صحيحٍ، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ، العَنُوهُنَّ؛ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ».
هذا كلامُ رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وفي «الصحيحين» عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- «لعنَ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ».
وأخرج البخاريُّ بسنده عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: «لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ».
وفي روايةٍ: «لعنَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ».
وعند مسلمٍ من رواية عليٍّ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لعنَ اللهُ مَن آوى مُحْدِثًا».
و«أبو الفتن» من كبار المُحْدِثين المفسدين في الأرض، وإنْ لم يكن مُحْدِثًا، فليس على ظهرها مُحْدِثٌ!! والوعيدُ مُدْرِكٌ كلَّ مَن آواه، وما لي لا ألعنَ مَن لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو في كتابِ الله -عز وجل؟!!
«لعنَ اللهُ مَن آوى مُحْدِثًا».
«لعنَ»: يُحتمل أن تكونَ خبرية؛ فيُخبر -صلى الله عليه وسلم- بوقوع اللعن على مَن آوى مُحْدِثًا، وهو كما قال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-.
ويُحتمل أن تكون إنشائية بلفظ الخبر؛ فتكونُ دعاءً، ودعاؤه -صلى الله عليه وآله وسلم- مسموعٌ مقبولٌ، وإذا كان مَن آوى المُحْدِثَ ملعونًا، فكيف بالإحداث وكيف بالمُحْدِثِ -نفسِه-؟!!
ما أزدادُ -وأهلُ السُّنة- في «أبي الفتن» إلا بصيرة، وكأنه (الشيطانُ) في مِسْلاخ إنسان!! فقد أخرج مسلمٌ في «مقدمة صحيحه» عن عبدالله -رضي الله عنه- قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، فَيَأْتِي القَوْمَ، فَيُحَدِّثُهُمْ بِالحَدِيثِ مِنَ الكَذِبِ، فَيَتَفَرَّقُونَ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرِفُ وَجْهَهُ، وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ».
وروى بسنده عند عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: «إِنَّ فِي البَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ، فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا».
وما أشبه «أبا الفتن» أن يكونَ من شياطين سُليمان!! قد خرج من وَثَاقِه كما خرجَ قَبْلُ على إمامه، فاقرءوا عليه آيةَ الكُرسيّ!! وفواتحَ سورة الكهف!!
روى مسلمٌ في «مقدمة الصحيح» بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ».
لقد أبدى الرجلُ جزعَه من قولي: «إنه جِيءَ به لإزالة الحواجز بين السُّنة والبدعة، ولتتماها الحدودُ بين التوحيد والشرك».
أبدى جزعَه من هذا القول، وما هو إلا ذاكَ!! شاءَ أم أبى، وإلا فلماذا لم يُظهِر هو أو غيرُه حُكمَ الشرع في موافقة المشركين في أعيادهم كعيد «اللقطاء وأولاد الزنا»!! في «فرنسا» الذي يحتفلُ به المسلمون؟!!
ويستغلُ مُضيفوه وجوده طاعنًا في السُّنة، مُرَوِّجًا للبدعة للإعلان عن هدايا ذلك العيد!! ترويجًا له ولها، ودلالةً عليه وعليها، ولمّا نبّهته تغافلَ وراحَ يقول في سماجَتِه المعهودة: «هذا إستديو صامت!! وهل فيه إعلانات؟!» إلى غير ذلك من هذيانه .. ينفي عِلمَه .. فقد علمتَ، فما صنعتَ؟! هل أنكرتَ أم وافقتَ؟!
سكوتُه إقرارٌ وإمرار، وتخلصه عَيبٌ وشَنارٌ، فلماذا وقد علمتَ لم تُوضِّح الفرق ما بين التوحيد والشرك، والسُّنة والبدعة؟! وهل تملُّصكَ الصبيانيّ هذا إلا إمرارٌ وإقرارٌ بما وقع؟! ولماذا تغافلتَ أنتَ ومَن معكَ عما وقع فيه كثيرٌ من جماهير المسلمين من تورطٍ في نواقض من نواقض الإسلام العظيم -وهم لا يعلمون-؟!
إنّ منهجكم الأفيح وقواعدكم المُحْدَثة قد أوصلتِ المسلمين إلى ما ترى -إنْ كنتَ ترى- من الوقوع في نواقض الإسلام!!
أوصلتم المسلمين بتخنثكم في الدعوة، وتنازلكم عن العقيدة لأجل السياسة، وهجركم الحصيرةَ في المسجد إلى الكراسيّ الدوارة في الإستديوهات المُكَيَّفة .. أوصلتم المسلمين إلى الوقوع والولوغ في نواقض الإسلام!! يخرج بها من المِلّة مَن يخرج -وهو لا يعلم-!! وهنيئًا لكم ما أنتم فيه، هذه نتيجة دعوتكم الفاشلة!! وتضليلكم السَّافِر للمسلمين.
لمّا هلكَ مُقَدَّمُ النصارى غَرَّ المسلمين شيوخُهم ودعاتُهم؛ فراحوا يتسابقون في التلبيس على المسلمين؛ اتِّبَاعًا للسياسة، وإزراءً بالدين حتى راحَ بعضُهم يُقارِن بين الجنازة، وجنازة الإمام أحمد!!! ويقول: بيننا وبينكم الجنائز!! وهو محسوبٌ على الدعاة أنه منهم.
وفي هيئة كبار -ما أدري ماذا؟!- أو هيئة شورى -ما أدري ماذا؟!-، وآخرُ في زِيِّه الرسميّ يُعلن عن المصيبة التي نزلتْ بالأمّة، ويستلهم اللهَ -تعالى- الصبرَ والسُّلوان!!
ودعاتُكَ -«أبا الفتن»- في هَرْوَلةٍ للعزاء تارة، ولإثبات نصوص التعزية تارة، وفي الحُكم بمشروعيتها تارات!!
لماذا لم تُحذِّروا المسلمين من هذا الناقض من نواقض الإسلام العظيم؟!
أأصواتُ هؤلاء المساكين من المسلمين أهمُّ عندكم من إسلامهم؟! أم أنه أصبح بعد الربيع العربيّ رجعيةً وجمودًا لا يتناسبان مع السياسة والكراسيّ والرئاسة والحِدَاد؟!
أيها الغَشَشَة عاملكم اللهُ بعدله، وهتكَ أستاركم، ما أقبحَ بدعكم، واتِّبَاع أهوائكم!!
من نواقض الإسلام: مَن لم يُكفِّر المشركين، أو شَكَّ في كُفرهم، أو صحَّحَ مذهبهم .. مَن صحَّحَ مذهبهم كَفَرَ، ومَن شَكَّ في كُفرهم كَفَرَ، ومَن لم يُكفِّرهم كَفَرَ.
هذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، وعليه «الإجماع» كما حكى ذلك عِياضٌ في «الشِّفَا»، وغيرُه في غيرِه.
أين هذا من المسلمين الذين يُصحَّحَون دين المشركين، ويتورعون عن تسمية الكُفر باسمه، وعن الكافرين بالكافرين؟!! بل يُثبتون لهم الجنة والرضوان بل والفردوس الأعلى منه!!
أين الغَشَشَة الذين يُضلون الأمّة من بيان هذا الناقض من نواقض الإسلام لهؤلاء المساكين الذين يخرجون من الإسلام وهم لا يعلمون؟!!
من نواقض الإسلام: مَن لم يُكفِّر المشركين؛ لأنه يجب على المسلم أنْ يُكفِّر مَن كفَّره اللهُ ورسولُه -صلى الله عليه وسلم-.
واللهُ -جل وعلا- كفَّر المشركين عَبَدَةَ الأوثان وغيرَهم ممن يعبدُ مع الله غيرَه، وكفَّر مَن لم يُؤمن بالرسل أو بعضهم كما في القرآن والسُّنة النبوية، كفَّر المشركين من اليهود والنصارى والوثنيين.
فيجبُ على المسلم أنْ يعتقدَ بقلبه كُفرَهم عملاً بتكفير الله لهم، وتكفير رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لهم. قال -تعالى-: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» [المائدة: 17]، وقال -تعالى-: «وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا» [المائدة: 64]، وقال -تعالى-: «لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ» [آل عمران: 181]. إلى غير ذلك من المقالات التي حكاها الله عنهم وهم أهلُ كتابٍ، ويكفي في تكفيرهم أنهم كفروا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله للناس كافة، والذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، قال -تعالى-: ﴿النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾. [الأعراف:157- 158]
فقولُه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» عامٌ في جميع الناس من أهل الكتاب وغيرِهم، ﴿إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. [الأعراف: 158]، وقال -تعالى-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾. [سبأ: 28].
فمَن لم يُؤمن بعموم رسالة النبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- حتى ولو أقرَّ أنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنْ قال: إنّ رسالته خاصةٌ بالعرب دون غيرهم؛ فهو كافرٌ!! فكيف بالذي يكفرُ برسالته أصلاً ولا يُؤمن بها؟!! فهذا أشدُّ كُفرًا.
فالذي يشكُّ في كُفر المشركين عمومًا سواءٌ كانوا من الوثنيين، أو من اليهود والنصارى، أو من المنتسبين إلى الإسلام، وهم يُشركون بالله يجب اعتقاد كُفرهم.
فكلُّ مَن أشركَ بالله وعبد معه غيرَه من الأشجار والأحجار والأصنام والأوثان والقبور والأضرحة فإنه مُشركٌ كافرٌ يجب تكفيرُه حتى ولو كان يدّعي الإسلامَ ويقول: لا إلهَ إلا الله محمدٌ رسولُ الله؛ لأنّ الشركَ يُبطلُ الشهادتين ويناقضُ الإسلام ويُفسد التوحيدَ.
فيجب على المسلم أن يُكفِّر المشركين الذين يعبدون غيرَ الله سواءٌ كانوا من العرب أو من العَجَم، سواءٌ كانوا من اليهود أو النصارى أو المُتسمِّين بالإسلام.
هذه عقيدة ليس عليها مُسَاوَمَة، هذه ليست مما يدخلُ في الاستفتاء عليها!! ليست بداخلة بقواعد نظام قانون الأحزاب!!
هذه عقيدة ليس عليها مُسَاوَمَة؛ فمَن لم يُكفِّر المشركين فإنه يكونُ مُرتدًا كافرًا مثله؛ لأنه تساوى عنده الإيمانُ والكُفر: لا يُفرِّق بين هذا وهذا فهذا كافرٌ.
وكذلك مَن شَكَّ في كُفر المشركين .. مَن شَكَّ، وقال: لا أدري هل هم كُفارٌ أو غيرُ كُفار؟! فإنه يكون كافرًا؛ لأنه مُتردِّدٌ في دينه بين الكُفر والإيمان، ولم يُفرِّق بين هذا وهذا.
هذا ناقض من نواقض دين الإسلام العظيم، هل بيّنه القومُ؟!! وهم يرون المسلمين كالفَراش يتهافت على النار؛ لتُحْرِقَه، لتُهْلِكَه، وأمّا هم ففي بُلَهْنِيَاتِهم سادرون، وفي ملذاتهم قائمون قاعدون.
يجب أن يُكفِّر المسلمُ مَن كفَّره اللهُ، ومَن أشركَ بالله -عز وجل- وأن يتبرأ منه، كما تبرأ إبراهيم من أبيه وقومِه، قال: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف: 26-27].
وكذلك إذا ما صحَّحَ مذهب الكفار المجرمين، هذه أشد!! إذا صحَّحَ مذهبهم، أو قال: في الذي يعملونه نظرٌ!!، هذا إنما هو اتخاذٌ وسائل وهو مُحْتَمَل!! أو يقول: هؤلاء الكفار جُهَّال وقعوا في هذا عن جهل، ويُدافع عنهم!! فهذا أشدُّ كُفرًا منهم؛ لأنه صحَّحَ الكُفر، أو صحَّحَ الشركَ، أو شكَّ في دين الإسلام العظيم، قال -سبحانه-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ﴾ [البينة: 6].
وأهلُ الكتاب: اليهودُ والنصارى، والمشركون: الذين يعبدون مع اللهِ إلهًا ومعبودًا غيرَه.
قال -تعالى-: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: 17].
وقال -سبحانه-: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: 17].
فمَن لم يُكفِّر الكافرَ الذي اتضح كُفره بالقرآن والسُّنة سواءٌ كان الكافرُ يهوديًا، أو نصرانيًا، أو مجوسيًا، أو مُشرِكًا، أو مُلْحِدًا، أو غير ذلك من أصناف الكُفر، أو شَكَّ في كُفرهم، أو صحَّحَ مذهبهم .. مَن فعلَ شيئًا من ذلك فقد كَفَرَ!!
هذا ناقضٌ من نواقض الإسلام بإجماع لا خلافَ عليه، فماذا صنع القوم؟! هل حذَّروا من هذا؟! هل راعوا إسلامَ المساكين؟! وهم يندفعون كالفراش إلى النار!! هل حذَّروهم؟! هل علَّموهم؟! هل بيّنوا لهم؟!
لا .. خدعوهم!! وغَرَّرُوا بهم!! فاللهُ حَسِيبُهم.
ذلك كله؛ لأنّ الله قد كفَّرهم، فمَن لم يُكفِّرهم فقد ضادَّ الله ورسولَه، ويُعدُّ مُكذِّبًا غيرَ مُصَدِّق لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكذا مَن شَكَّ في كُفرهم يُعدُّ غيرَ مُصَدِّقٍ لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- الدالِ على كُفرهم.
أمّا مَن صحَّحَ مذهبهم، فزيادةً على كونه تكذيبًا لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو أيضًا استحلالٌ لما حرَّم الله؛ لأنّ اللهَ أبطلها وحرَّمها، وهذا يُصحَّحَه!! فيكون معترِضًا على الله حين كفَّرهم.
هذا الناقضُ أجمعَ عليه العلماء، ونقل الإجماعَ القاضي عِياض -رحمه الله- في «الشِّفَا»، فقال: « وقامَ الإجماعُ عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى، وَكُلَّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الإسلامِ، أَوْ وَقَفَ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ شَكَّ». اهـ
كان الأولى بـ «أبي الفتن» وهو يتقمم .. يبتر النصوصَ ويسلخها!! ويُنزِّلها على غير منازلها!! ويخونُ الأمّة!! أنْ يأتي بهذا الإجماع .. أم هو إجماعٌ مُعَلَّل؟!!
قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: «ومَن لم يُقر بأن بعد مبعث محمد -صلى الله عليه وسلم- لن يكون مسلمٌ إلا مَن آمن به واتبعه باطنًا وظاهرًا فليس بمسلمٍ، ومَن لم يُحَرِّم التدين بعد مبعثه -صلى الله عليه وسلم- بدين اليهود والنصارى، بل مَن لم يُكفِّرهم ويُبغضهم فليس بمسلم باتفاق المسلمين». اهـ
هذا كلامُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي يتَّكئ على نصوصه الرَّجل .. أما كان الأحرى بكَ في هذه المُلِمَّة التي يخرج فيها كثيرٌ من جماهير المسلمين من رِبْقَة الإسلام لتورطهم في ناقضٍ من نواقضه -وهم لا يعلمون- أما كان الأولى بكَ أنْ تُذيعَ هذا النص؟!! بَدَلَ تلك الخرافات والهُراءات والدفاع عن المبتدعة، فاللهُ -عز وجل- يُعاملكَ بعدله.
لابد من البراءة من كل دينٍ غير دين الإسلام، وإنكاره، ونفيه، وبُغْضِه، ومعاداته، ومعاداة أهله، وهذا النفي هو معنى الكُفر بالطاغوت في قوله -تعالى-: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256].
والطاغوتُ: كلُّ ما جاوز به العبدُ حَدَّهُ من معبودٍ أو مَتبوعٍ أو مُطاعٍ.
الإثبات بصرف العبادة كلها لله -تعالى- وحده، وعدم صرف شيءٍ منها لغير الله، فهذا معنى «لا إله إلا الله»؛ فإنّ معناها: لا معبودَ بحقٍ إلا الله.
وحديثُ النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلمٌ: «مَن قال: لا إلهَ إلا الله، وكفرَ بما يُعبدُ من دون الله، حَرُمَ مالُه ودمُه وحسابُه على الله».
وهذا من أعظم ما يُبيِّن معنى «لا إله إلا الله»؛ فإنه لم يجعلِ التلفظَ بها عاصمًا للدم والمال، بل ولا معرفةَ معناها مع لفظها، بل ولا الإقرارَ بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله -وحده- لا شريكَ له، بل لا يحرم مالُه ودمُه حتى يُضيفَ إلى ذلك الكُفر بما يُعبد من دون الله، فإنْ شكَّ أو توقفَ لم يَحْرُم مالُه ودمُه.
فيا لها من مسألةٍ، ما أعظمها وأجلَّها!! ويا له من بيانٍ، ما أوضحه!! وحُجَّةٍ ما أقطعها للمُنازِع .. وهذا من كلام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمةُ الله عليه- في كتاب «التوحيد».
قال الشيخُ ابن عثيمين -رحمه الله- في «القول المفيد»: «فمَن رضي دين النصارى دينًا يدينون الله به; فهو كافر؛ لأنه ساوَى غيرَ دين الإسلام بالإسلام; فقد كذّب قولَ الله -جل وعلا-: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه﴾. وبهذا يكون كافرًا.
وبهذا نعرف الخطر العظيم الذي أصاب المسلمين اليوم باختلاطهم مع النصارى، والنصارى يدعون إلى دينهم صباحًا ومساءً، والمسلمون لا يتحركون، بل بعضُ المسلمين الذين ما عرفوا الإسلام حقيقةً يَلِينُون لهؤلاء،: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾، وهذا من المحنة التي أصابت المسلمين الآن، وآلت بهم إلى هذا الذل الذي صاروا فيه». انتهى كلامُه.
من أشد ما يكون أن يُصحَّحَ المسلمُ مذهبَ المشركين ودينَهم .. مَن صحَّحَ مذهبَ المشركين -وما أكثرَ مَن يُصحَّحَ مذهبهم!! ويُدافعُ عنهم!!- خصوصًا اليهود والنصارى، فالدعوةُ قائمة إلى الوَحدة بين الأديان -كما يزعمون- بين الإسلام واليهودية والنصرانية، ويقولون: كلُّها أديانٌ صحيحة!! وكلُّهم مؤمنون بالله فلا نُكفِّرهم!! .. هذا أشدُّ كُفرًا من الذي شكَّ في كُفرهم؛ لأنه صحَّحَ مذهبهم، وقال: إنهم يُؤمنون بالله ويتَّبعون الأنبياء: اليهود يتَّبعون موسى، والنصارى يتَّبعون عيسى.
فيُقال لهم: لم يتَّبعوا لا موسى، ولا عيسى، ولو كانوا يتَّبعونهما لآمنوا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- لأنّ موسى وعيسى -عليهما السلام- بشَّرا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وهو موجودٌ في التوراة والإنجيل: في التوراة التي أُنزلتْ على موسى موجودٌ فيها ذِكرُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾. [الأعراف: 157].
الإنجيل الذي نُزِّلَ على عيسى فيه ذِكرُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، بل صرَّح عيسى -نفسه- عليه السلام- بذلك: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾. [الصف: 6].
مَن الذي جاء بعد عيسى -عليه السلام-؟!
هو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وله أسماءٌ كثيرةٌ ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. [البقرة: 146].
فمَن صحَّحَ شيئًا من ذلك خرج من رِبْقَةِ الإسلام!! أين هذا من الأمّة في هذه المحنة التي تمرُّ بها .. تَتَقَلْقَلُ فيها قواعد توحيدها -والقومُ مشغولون-؟!!
على المسلم أن يعتقد كُفرَ الكفّار أيًّا كانوا، وكلُّ مَن أشرك بالله ودعا غيرَ الله بأي نوعٌ من أنواع الشرك الأكبر؛ فيجب تكفيره بالحُكم عليه بالكُفر، ولا يجوزُ الشكُّ في كُفره، ولا يجوزُ تصحيح ما هو عليه من الكُفر؛ فيُقال: هذا صاحبُ دين!! هذا أحسنُ من الوثنيين!! لماذا؟! لأنّ الكُفرَ مِلَّةٌ واحدةٌ.
ونبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول -كما في «صحيح مسلم»-: «والذي نفسي بيده لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمّة -يعني: أمّةَ الدعوة- يهوديُّ ولا نصرانيُّ، ثم لم يُؤمن بالذي جئتُ به إلا دخلَ النارَ».
ينبني على تكفير الكفّار أحكامٌ كثيرةٌ، منها: أنه يجبُ بُغضهم، ومعاداتهم، وعدمُ موالاتهم، حتى ولو كانوا من أقرب الناس إلى المسلم، وعلى هذا تظاهرتِ النصوص في الكتاب والسُّنة.
وبما يترتب على تكفير المُشرِك أنه إذا ماتَ المُشرِك والكافر؛ فإنّ المُسلمَ لا يتولّى جنازته إلا إذا لم يُوجد مَن يدفنه من الكُفّار؛ فإنه يُوارَى بالتراب، ولا يُدفنُ في مقابر المسلمين.
فالمسلمون لا يتولَّون جنازةَ الكافرِ: لا يُغسلونها، ولا يُكَفِّنُونَها، ولا يحملونها، ولا يُشيِّعونها، ولا يحضرون دفنها، ولا تُدفن في مقابر المسلمين.
فالمسلمُ لا يُشيِّع جنازة الكافر، ولا يُجهِّزها، ولا تُدفن في مقابر المسلمين.
أين هذه الأحكامُ من أولئك القوم الذين يَغشُّون الأمّة، ويرون الناس يتورطون في نواقض الإسلام العظيمة التي يخرجون بها منه، وهم لا يُبالون ..
شغلتهم السياسة والكراسيّ!! وما هم فيه من بُلَهْنِيَةِ العَيش مما امتصوه من دماء المسلمين بزعم «الدعوة»!! حتى صارَ المسلمون إلى هذه الهُوّة الهابطة، وصرتَ ترى الناسَ لا يحكمون على الكافرَ، ويجادلون!! مَن أتى بنصوص الكتاب والسُّنة للحُكم عليه بما هو أهلُه .. يُصحَّحَون مذهبَ الكافرين المشركين، ويشهدون لهم بأنهم على دينٍ وصراطٍ مستقيمٍ، وأنهم في الجنة من أهل الخلود!!
إلى اللهِ المُشتَكى، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله -رب العالمين-، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بَعْدُ:
فـ «أبو الفتن» المشئوم!! يقول: «الساحةُ تحتاجُ إلى جهادٍ طويلٍ وإلى جُهدٍ مُضْنٍ في توضيح مسائل الدين؛ لرد الهجمات الشرسة على الإسلام في هذه الفترة».
أفليس التحذير من اقتحام نواقض الإسلام مما يحتاجُ إلى بيانٍ يا مشئوم؟!!
أفهذا خيرٌ أم كَذِبُكَ بادعائكَ أنّ المسيرة المباركة -كذا- للحلقات الفاشلة التي ضيّعت فيها أوقات الناس في هذيانكَ وخلطكَ وخبطكَ، أنها لم تتعرض لفلانٍ ولا لفلانٍ ولا لقول فلانٍ -وهكذا الكذبُ وإلا فلا؟!!
حَمْلُ المُجْمَلِ على المُفَصَّل من ابتداع «عبدالله عَزَّام»، وقد سطوتَ عليه؛ لتنسبَ الخَنا إلى نفسكَ!! ورحتَ تتناقضُ فيه: تنعي على مَن يضع ضوابطكَ أنْ يكون مَن يُردُّ مُجْمَلُه على مُفَصَّلِه من كبار العلماء، أو الأئمة المشهورين، أو أصحاب الجهاد المحمود في نشر العِلم وتعليمه، تنعى عليه وتسخرُ منه! ثم تُقيِّد أنتَ -بهواكَ-: تقول -في سب الأنبياء-: «ليس فيها حَمْلُ مُجْمَلٍ على مُفَصَّلٍ»، وفي سب الصحابة، وفي تكفير المسلمين، وتصف هذا بأنه رِدَّةٌ، وكُفرٌ، وفسوقٌ، وكبيرةٌ .. وتتخلّف عند التطبيق!!
كلامُ «سيِّدٍ» في «وَحدة الوجود» في تفسير قوله -تعالى-: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، وكذلك في تفسير سورة «الإخلاص» صريحٌ في القول بوحدة الوجود!!
ونردُّ كلامَه المُجْمَل في الموضعين مع أنه بَيِّنٌ مُفَصَّلٌ!! نرده إلى مُبَيَّنِه -تنزُّلاً مع الخَصم- في «ديوانه» في قصيدة «إلى الشاطئ المجهول»، وفي مقدِّمة «ديوانه» تعليقًا عليها وعلى أختٍ لها، وفي دفاعه وتقريره لعقيدة «النِّرْفانا» إلى مواضعَ في كتابه.
وقد جزمَ الشيخُ الألبانيّ، والشيخُ ابن عثيمين بأنّ كلامَه يُفيد القولَ بوَحدة الوجود -لا يُوهِم!!- كما نقله «أبو الفتن» عن الشيخ ابن بازٍ وتصريحه بأنّ كلامه مُوهِم، إنما كان تعليقًا على نصٍّ لا يدل على حقيقة الحال.
قال الشيخُ الألبانيّ: ينقلُ كلامَ الصوفية، لا يُمكن أن يُفهم منه إلا أنه يقول بوَحدة الوجود!!
هذا كلامُه.
وقال الشيخُ ابن عثيمين: وقد قال قولاً عظيمًا، مخالفًا لما عليه أهلُ السُّنة والجماعة، حيث إنّ تفسيره لها يدل على أنه يقول بوَحدة الوجود!!
نقول له: لماذا اجتزأتَ -خيانةً- بعضَ كلام حاشية صفحة (أربعين) من كتاب «براءة علماء الأمّة»، وكلام الألبانيّ وكلام ابن عثيمين وراء كلام الشيخ ابن باز الذي أتى به مجتزِئًا وقد سُئل عن شيءٍ غير بيِّن؛ فقال: مُوهِم .. وهكذا يكون أهلُ العِلم في إنصافهم!!
لكنّ هذا لم يلتفت إلى ما قاله الشيخُ الألبانيّ، ولا ما قاله الشيخ ابن عثيمين، واجتزأ بقول الشيخ ابن باز؛ خيانةً للأمّة!! كما يفعل دائمًا: إذا كان النصُّ يسنده يأتي به، وإذا كان لا يسنده يُلقي به إلى حيث ألقت رَحْلَها «أمُّ قَشْعَمِ»!!
أليس صنيعكَ هذا بترًا، وخيانةً علمية؟!!
علّق على كلام شيخ الإسلام لأمراء الجهمية وقضاتهم .. قال شيخ الإسلام: «ولهذا كنتُ أقول للجهمية من الحلولية والنُّفاة -لا تنسَ هذا الوصف- الذين نفوا أن الله -تعالى- فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنتُ كافرًا؛ لأني أعلم أن قولكم كُفر وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جُهال, وكان هذا خطابًا لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم ». انتهى كلام شيخ الإسلام.
علّق عليه «أبو الفتن» بقوله: الجهمية لا يُكفِّرهم شيخُ الإسلام، عندهم شبهة، ولم يُبدِّعهم!! -يعني: كان (بِيدَلَّعْهُم!!) عندما يقول: إنهم جهمية، حُلولية، نُفاة؟!!
هذا الوصفُ يكون لماذا؟!! لبدعة أم لسنَّة؟!
يقول: ولم يُبدِّعهم .. اللهُ حَسيبُه!
هذا الوصفُ لا يفيد معنًا عند «المشئوم» «أبي الفتن»!!، وهو يدَّعي أن المتأوِّل لا يُعدُّ مبتدعًا!!
لو لم يكن من الدلالة على سوء فهمه وقلة عقله إلا هذا، لكفى!! وهل يكون المبتدعُ إلا متأوِّلاً؟!!
إنّ المبتدع الذي يأتي بما يأتي به يتقرب به إلى الله -عز وجل- يُضاهي به الشريعة يفعل ذلك بنوع شبهة: بتأوُّل؛ لأنه لو لم يكن متأوِّلاً، لكان معانِدًا؛ فإذا أثبت في الدين ما ليس منه، فلهو حكمٌ آخر هو أكبرُ من وصف المبتدع.
هذا الرجل لا يدري ما يخرجُ من عقله!! هذه بَلِيَّةُ ابتلى اللهُ -رب العالمين- بها أهلَ مَصر!! ومِصر .. بالفتح والكسر؛ ليبتليهم الله -تبارك وتعالى- في عقولهم، أيطيعون ويسمعون هذا الزَّيف والخَنَا والسفاهة، ويتِّبعون هذه الفُسولة في الرأي، أم يَثْبُت أنهم أصحابُ العقل -حقًا- وأصحابُ النُّهَى -صِدقًا-؟!
هل يكون المبتدع مبتدعًا إلا بتأويل؟!! إنّ المبتدع يتقرب ببدعته إلى الله بنوع شبهة -لا بمعاندة- لأنّ اختراعه في الدين لو لم يكن بنوع شبهة وكان بمعاندة للشرع لكان له حُكمٌ آخر .. فأينَ يُذهب بهذا الضال المبتدِّع؟!!
وتأمّل -يا رعاكَ اللهُ- في الخلط الذي يُزِّيف به الأمور على المسلمين، ويعرف أنّ أهل السُّنة كوصف يُطلق بالمعنى العام؛ فيدخلُ فيه أهلُ القِبلة سوى الروافض .. هذا معروفٌ! معروفٌ من قديم، وهو في كلام علمائنا.
أهل السُّنة بالمعنى الأعم، هم: أهلُ القِبلة سوى الروافض؛ فهذا تقسيمٌ ثنائيٌّ عام، فيدخلُ فيهم القَدَرِيَّة، والمرجئة، والخوارج، والأشاعرة، والمعتزلة، وغيرُهم من الجماعات والأحزاب والفِرق الحديثة.
كلُّ هؤلاء -بالمعنى الأعم- من أهل القِبلة؛ لأنّ العلماء لم يُكفِّروهم وهم ليسوا من الروافض؛ فإذًا هم من أهل القِبلة، فهم من أهل السُّنة بالمعنى الأعم؛ إذ لم يكونوا من الروافض.
هذا متَّفقٌ عليه بين أهل العِلم سلفًا وخلفًا، وعليه فهم السوادُ الأعظم، بالمعنى الأعم؛ ففيهم: القَدَرِيَّة، وفيهم المرجئة، وفيهم المعتزلة، وفيهم الأشاعرة، وفيهم الأحزابُ والفِرق المعاصرة، هم السوادُ الأعظم الذي يُباهِي به المسكين!!
ويقول -مُعَيِّرًا أهلَ السُّنة-: هل أنتم السوادُ الأعظم؟! العوامُ هم السوادُ الأعظم!!، وهم مع مَن تُبدِّعونهم؛ فليذهبوا -جمعيًا- إلى حيث ألقت .. لا يضيرنا في شيء!!
تُعَيِّرنا أنّا قليلٌ عَدِيدُنا
فقلتُ لها: إنّ الكرامَ قليلٌ.
وأهلُ السُّنة الخُلَّص قليل، بل أقلُّ من القليل.
أهلُ السُّنة بالمعنى العام المقابل للروافض لا يتوجه إليهم المدحُ الذي يخص أهلَ السُّنة بالمعنى الأخص.
كلامُ شيخ الإسلام الذي يُسيء هذا الرجل فهمَه، ويُظهر للناس شيخ الإسلام في غير ما عرفته الأمّة، ويعيد صياغته، وصياغة نصوصه، بفهمه السقيم .. كلامُ شيخ الإسلام يتوجه تارةً إلى المعنى الأعم، وتارةً إلى المعنى الأخص، ووضعُ هذا في موضع هذا خيانةٌ عِلمية!! وتضليلٌ للمسلمين!! وتحريفٌ للكَلِم عن مواضعه!!
وهذا كالخيانة التي يرتكبها في سلخ الكلمات والعبارات من سياقاتها، والنفخِ فيها على معانٍ لا تحتملها .. ليظهرَ الله غباءه!! وسخافته للناس!! كما فعل بكلام الشافعيّ الذي غمزَ -لأجل نقد كلامه- عليًّا -رضي الله عنه-!! كما هي عادته في اتخاذ الصحابة غرضًا بحُجة التربية -كما يدَّعي!!-.
قال: نقول للعاصي الذي أسرف على نفسه: لا عليكَ، لقد كان في الصحابة مَن زنا، وأُقيمَ عليه الحد، ومنهم مَن زنا وسترَ الله عليه، ومنهم مَن شَرِبَ الخمرَ .. إلى آخر بذاءاته، واللهُ حَسِيبُه.
أهكذا يُعامَل الصحابة؟!!! تتخذهم غرضًا!! ولا يكون هذا إلا لمرضٍ في القلب!!
أَوَلا نبيِّن للذي يهم بأن يقنطَ من رحمة الله سعةَ المغفرة إلا بأن نقول: في الصحابة مَن زنا وستره الله، ومَن شَرِبَ الخمر، ومَن زنا وأُقيمَ عليه الحد؟!! إلى آخر بذاءاته؟!!
لقد كان ذكرَ أنه لو حُلِّف بين الركن والمقام على أنّ مَن كان يخالفه لا يريد انتقاصًا ولا إزراءً لحلف، ثم عاد ليقول -كالعائد في هِبَتِه، والعائدُ في هِبَتِه كالكلب يَقِيء ثم يعود في قَيْئه-: ما تقولون في العصفور؟! -ما العصفورُ؟! أنا لم أرَ على جانبي رأسه عصافير!!- وما تقولون في كذا، وإنّا لمنتظرون؟!
ما هذا؟! «عَبِيطٌ!!».
انظر في خيانته!! عندما يأتي بذكر كلامٍ للشيخ الفوزان في معرض سؤالٍ عن تعلّم العربية من حزبية تعلِّم أعجمية، فاستطرد وذكر كلامًا يتعلق بالإخوان المسلمين ..
تأمل في كلام الشيخ الفوزان هذا، -الذي قاله مُجْمَل وهذا مُفَصَّل، سنحمل المُجْمَل على هذا المُفَصَّل- السؤال: ما وجه صحة نسبة الجماعات الموجودة اليوم إلى الإسلام أو وصفهم بالإسلامية، وصحة إطلاق لفظ الجماعات عليهم، وإنما جماعة المسلمين واحدة كما في حديث حذيفة -رضي الله عنه-؟
الجواب: الجماعاتُ فِرق تُوجد في كل زمان، هذا ليس بغريب، قال -صلى الله عليه وسلم-: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فِرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فِرقة، وستفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فِرقة، كلُّها في النار إلا واحدة».
فوجود الجماعات ووجود الفِرق أمرٌ معروف، وأخبرنا عنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «ومَن يعش منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا».
ولكنّ الجماعةَ التي يجب السيرُ معها، والاقتداءُ والانضمامُ إليها، هم أهلُ السُّنة والجماعة؛ لأنها الفِرقة الناجية؛ لأنّ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- لمّا بيّن هذه الفِرق، قال: «كلُّها في النارِ إلا واحدةً». قالوا: مَن هي؟ قال: «ما كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
هذا هو الضابط؛ فالجماعات إنما يجب الاعتبارُ بمَن كان منها على ما عليه الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه من السلف الصالح.
ثم ذكرَ آية التوبة في شأن الصحابة ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ﴾، ثم قال: هؤلاء هم الجماعة، جماعةٌ واحدة، ليس فيها تعدد، ولا انقسام من أول الأمّة إلى آخرها، هم جماعةٌ واحدة، هذه هي الجماعةُ الممتدة من وقت الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى قيام الساعة، وهم أهل السُّنة والجماعة.
وأمّا ما خالفهم من الجماعات؛ فإنها لا اعتبارَ بها، وإنْ تسمّت بالإسلامية!! وإنْ تسمّت جماعة الدعوة أو غيرَ ذلك؛ فكلُّ ما خالف الجماعة المتفرِّقة التي لا يجوز لنا أن ننتمي إليها أو أن ننتسب إليها؛ فليس عندنا انتماءٌ إلا لأهل السُّنة والتوحيد.
ثم قال -بعد أن ذكر حديث العِرباض بن سارية-: هؤلاء هم الجماعة المعتبرَة، وما عداها من الجماعات فلا اعتبارَ بها، بل هي جماعاتٌ مخالفة وتختلف في بعدها عن الحق وقربها منه، ولكنْ كلها تحت الوعيد، كلها في النار إلا واحدة، نسألُ اللهَ العافية.
سمعتَ؛ لتعلمَ كَذِبَه!! لتعلمَ فُجورَه!! لتعلمَ تدليسَه وغِشَّه!! وتناقضَه حتى في قواعده!!
سُئل الشيخُ الفوزان: هل هذه الجماعات تدخل في الاثنين وسبعين فِرقة الهالكة؟!
قال: نعم!! كلُّ مَن خالف أهلَّ السُّنة والجماعة ممن ينتسبون إلى الإسلام في الدعوة أو في العقيدة أو في شيء من أصول الإيمان؛ فإنه يدخل في الاثنتين وسبعين فِرقة ويشمله الوعيد، ويكون له من الذنب والعقوبة بقدر مخالفته.
سُئل -وأنقل لكَ كلامَه، وكلامُ غيره من أهل العلم الكبار المستفيض، ولكنْ لتعلمَ غِشَّ الرجل!!، كيف يُدَلِّس على أهل العلم- الشيخُ الفوزان -أحسنَ اللهُ إليه- حديثُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في افتراق الأمم، قولُه: «ستفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فِرقة إلا واحدة»، فهل جماعةُ التبليغ -على ما عندهم من شركياتٍ وبدعٍ-، وجماعة الإخوان المسلمين -على ما عندهم من تحزِّبٍ وشق العصا على ولاة الأمور وعدم السمع والطاعة- هل هاتين الفِرقتين -كذا، هذا صيغةُ السؤال بما فيه من اللحْن- تدخلُ؟
الجوابُ: تدخلُ في الثنتين والسبعين.
نأتي له بكلام مَن؟! ونُحيله إلى مَن؟! نسألُ اللهَ -رب العالمين- أن يُنجِّي المسلمين من شره وشرِّ أمثاله.
الشيخُ الألبانيّ جاء بكلامٍ مُجْمَلٍ -كما يقول- من كلامه، وله كلامٌ مُفَصَّل لم يلتفتْ إليه -على قاعدته!!-، يقولُ الشيخُ الألبانيُّ -رحمه الله-: الإخوانُ المسلمون ينطلقون من هذه القاعدة التي وضعها رئيسهم الأوَّل -أقصدُ «حسن البنا»- على إطلاقها، ولذلك لا تجد فيهم التناصح المُستقى من نصوص كتاب الله وسنَّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وذكر سورةَ العصر.
ثم ذكر، قال: الحقُّ -كما تعلمُ- ضدُّ الباطل، والباطلُ أصوليٌّ وفروعيّ، وكلُّ ما خالف الصوابَ فهو باطل، هذه العبارة هي سبب بقاء الإخوان المسلمين نحو سبعين سنة -عمليًا- بعيدين عن السُّنة!!
لماذا لم يأتِ بهذا؟!! لماذا لم يأتِ بفتوى اللجنة الدائمة؟!! برئاسة الشيخ ابن باز، وعضوية الشيخ عبدالرزاق عفيفي، والشيخ عبدالله بن غُدَيَّان، والشيخ عبدالله بن قَعُود، وهم يُسألون: هل يجوزُ التحزب كحزب «التحرير»، وحزب «الإخوان المسلمين»؟
الجوابُ: لا يجوز أن يتفرقَ المسلمون في دينهم شِيَعًا وأحزابًا، إلى غير ذلك من تأصيلهم -رحمة الله عليهم-.
وأمّا الشيخُ ابن باز -رحمه الله تعالى- فمعلومٌ أنه يقول: هم من الفِرق النارية. ولا يلزم من ذلك أن يكونوا كفّارًا، ولكنْ كلُّ مَن خالف ما عليه الفِرقة الناجية؛ فهو من الفِرق النارية -كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وكذلك فتاوى الشيخ الألبانيّ -رحمه الله تعالى-.
ماذا نقول؟!!
نقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ونسألُ اللهَ -تبارك وتعالى- أن يُهَيِّئ للأمّة أمرَ رُشْدٍ: يُعَزُّ فيه أهلُ السُّنة، ويُذَلُّ فيه أهلُ البدعة، إنه على كل شيءٍ قديرٍ.
ولا يعلمُ إلا الله -عز وجل- مَن يطلب التشفي والانتقام؟!، ومَن يبتغي نصرةَ الدين؟! وقد قال الإمامُ الشاطبيُّ -رحمه الله-: «حينَ تَكُونُ الفِرْقَةُ تَدْعُو إِلَى ضَلَالَتِهَا وَتُزَيِّنُهَا فِي قُلُوبِ العَوَامِّ وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ، فَإِنَّ ضَرَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى المُسْلِمِينَ كَضَرَرِ إِبْلِيسَ، وَهُمْ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ - [ كما بيّنتُ لكَ في النقل من «مقدمة صحيح مسلمٍ» عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بل عنه -صلى الله عليه وسلم- ] - فَلَابُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالضَّلَالَةِ، وَنِسْبَتِهِمْ إِلَى الفِرَقِ إِذَا قَامَتْ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْهُمْ.
فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَابُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمْ وَالتَّشْرِيدِ بِهِمْ، لِأَنَّ مَا يَعُودُ عَلَى المُسْلِمِينَ مِنْ ضَرَرِهِمْ إِذَا تُرِكُوا، أَعْظَمُ مِنَ الضَّرَرِ الحَاصِلِ بِذِكْرِهِمْ وَالتَّنْفِيرِ منهم، إِذَا كَانَ سَبَبُ تَرْكِ التَّعْيِينِ الخَوْفَ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالعَدَوَاةِ، بل الضررُ الحاصلُ أكبرُ من ذلك، فلا يُتركَ لهذا بحالٍ أبدًا». اهـ
ويبقى أمرٌ يسير لم أتكلم عنه، تلك القاعدة، وهي قاعدةٌ ابتدعها من قبل جمال الدين الأفغانيّ، ومحمد عبده، وتلقَّفها محمد رشيد رضا، فسمّاها بقاعدة «المنار الذهبية»: «يُعينُ بعضنا بعضًا فيما اتفقنا فيه، ويعذرُ بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه»!!.
بابٌ واسعٌ، لاحِبٌ، لإمرار البدع كلِّها!! وإذا كلّمته، وقلتَ له: قد أعدّتَ الصياغةَ بطريقةٍ فاشلةٍ!! «نُصحَّحَ، ولا نَهْدِمُ!!» مع أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ذكره هو قَبْلُ يهدمُ على رأسه قاعدته!!
قال النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي هريرة عن الشيطان: «صَدَقَكَ وهو كَذُوب»، فهدمَه، وصحَّحَ مقالته .. اعتمدها: صَدَقَكَ، وهو كَذُوب!!
يقول: لا تهدموا الأشخاص.
نقول له: لا تهدمِ الشيطان!! هنيئًا لكَ قد سامحناكَ فيه!!
أيها الأحِبَّةُ من أهل السُّنة الزموا الجادة، ولا يغرّنّكم التهويشَ!! فالأمرُ يحتاجُ وقتًا يعكفُ فيه طلاّب العِلم على النصوص التي يتقممها الرجل من هاهنا وهاهنا؛ ليضعها في غير موضعها!! سالِخًا لها من سياقاتها!! غيرَ فاهمٍ لها!! جملةً وتفصيلاً؛ ليستبينَ للناس أمرُ هذا الغَشَّاش!! الذي أتى ليغشَّ الأمّة واللهُ حَسِيبُه.
نسألُ اللهَ -رب العالمين- أنْ يُنَجِّيَ الأمّة من شره ومن شر أمثاله، وأنْ يكبتهم، وأنْ يُخزيهم، وأنْ يجعلَ كيدَهم في نحورهم، وأنْ يُنَجِّيَ أهلَ السُّنة من شرورهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
5 من جماد الأول 1433هـ، الموافق 28/3/2012م.
وإنْ تجد عيبًا فسُد الخللا ==== فجلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:
هذا هو الردُّ (الحادِي عشر) من ملف (أبي الفتن)، والذي يردُّ فيه فضيلة الشيخ المجاهد محمد سعيد رسلان -حفظه الله- على المُبتدِع (أبي الفتن المأربي) -هداه الله أو قصم ظهره-.
تاريخ إلقاء هذه الخطبة
الجمعة 30 من ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 23-3-2012 م
التفريغ
PDF - جاهز للطباعة
اضغط هنـــــا == اضغط هنـــــا
WORD - للتعديل والنسخ واللصق
اضغط هنـــــا == اضغط هنـــــا
صورة من ملف التفريغ
القراءة المباشرة
إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بَعْدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أمّا بَعْدُ:
فقد أخرج الإمامُ أحمد، وابنُ ماجة، وصحَّحَه الألبانيُّ في «السلسلة الصحيحة» وفي غيرِها، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سِنَواتٌ خَدَّاعَاتٌ، يُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ». قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ».
ما أصدقَ الحديثِ انطباقًا على «أبي الفتن»؛ فهذا «الرُّوَيْبِضَةُ» الذي جِيءَ به ليكونَ حربًا على السُّنة وأهلِها، وظهيرًا للبدعة وأصحابها، لا يُحسنُ ينطق حديثًا يدور على ألسنة العامة وصبيان المكاتب!! فيدعو على نفسه من حيث يريد الدعاء لها!! ويُلقَّبُ مع ذلك -مَينًا وزورًا وكذبًا- بالمُحدِّث والعلامة وغيرِها، وما أكثرَ ألقابَ «الهِرّ»!! وما أقلَّ «الهِرَّ» بنفسه!!
مما يزهِّدني في أرضِ أندلُسٍ
ألقابُ مُعْتَمِدٍ فيها ومُعْتَضِدِ
ألقابُ مملكةٍ في غير موضِعِها
كالهِرِّ يحكي انتفاخًا صولةَ الأسدِ
ذهب الرجل يدعو: اللهم لا سهلَ إلا ما جعلته سهلاً، وأنتَ تجعل «الحَزَنَ» -إذا شئتَ- سهلاً.
هكذا: «الحَزَنَ» -مُحَرَّكَةً- فلما سمعتُها، قلتُ: سَبْقُ لسانٍ سَرعانَ ما يُصلحه، فإذا به يُكررها مرةً ومرةً!!
فالذي لا يُفرِّقُ بين «الحَزْنِ»، و«الحَزَنِ» .. ويدعو على نفسه بأنْ يجعل اللهُ عليه «الحَزَنَ» سهلاً مُيسَّرًا، يزيده منه!! .. مَن هذا حالُه يستحقُّ أنْ يُناقش أو أنْ يتوقف عنده!!
وأنا -والله- لا أجدُ انطباقًا عليه، ولا أصدقَ وصفًا له من المَثَل العاميّ: [هَبْلِة، وِمَسِّكُوهَا طَبْلِة!!].
فهذا النموذجُ العجيب من البشر في هذيانه وتخريفه وخلطه وخبطه لا يعدو ما قالتِ العامةُ في مثلها هذا.
وإني لأهنِّئُ «أبا الفتن»، وأُهَنِّئ مُستضيفيه، وشيخَهم «أبا طَرْحَة!!»، ومُشاهديه، ومُستمِعِيه .. أُهَنِّئ الجميعَ على فِطام «أبي الفتن»!! فلقد فطمناه -بحول الله- عن رضاع إصبعه!! ونطمعُ أنْ نفطمه عن بدعه وسوء مسلكه.
ومن تمام نُصحه أن أدعوه -مُخلِصًا- للتوجه قبل الذهاب إلى تصوير وَصلته في الحفلة القادمة إلى وزارة «البحث العِلميّ»، وليتوجه إلى إدارة «الاختراعات»؛ ليُسجِّلَ باسمه براءة اختراع «كُوز السَّالَمون!!»؛ حتى لا يُسرق منه.
ومن مساهمة «أبي الفتن» في حل مشكلة «البطالة» في مصر، أنْ يدعوَ «أبا طَرْحَة» وإخوانَه لمشاركته في إنشاء مصنعٍ صغيرٍ لإنتاجِ «كِيزَانٍ مُعَدَّلَةٍ!!» مُعَدَّلَةٍ باستعمال «الإسفنجة!!» بدلَ خِرقة «السِّرْوَالِ القديم!!» يقومُ شباب الخريجين بعرضها بأناقةٍ وإتقانٍ أمام إستديوهات التصوير!!
ونأملُ أنْ يُكتبَ لها القَبول؛ حتى تُعمم في مصر وتمتد إلى الخارج إنتاجًا وتصديرًا؛ ليعلمَ أعداؤنا -أعداء الإسلام- أنّ لدينا عقولاً فَذَّة!! وقدراتٍ واعدةٍ!! وليعودَ ذلك على بلدنا بالعملة الصعبة التي نستغني بها عن المعونات الأجنبية؛ لنمتلكَ قرارنا ونرفعَ رأسنا!!
ولن ينسى لكَ التاريخُ -«أبا الفتن»- ولإخوانكَ جهادكم في محاربة رضع الأصابع!! وستشكركَ و«أبا طَرْحَةَ» وسائرَ الشركاء، وزاراتُ: البيئة، والصحة، والتضامن، والإنتاج الحربيّ!! على معروفكم الذي للإنسانية أسديتم، وجميلكم الذي للبشرية صنعتم.
إنّ «أبا الفتن» رجلٌ منكوس الفطرة!!، معكوس الفهم!! يحسب أنه إن أحسن شيئًا فهو لسائر الأشياء مُحسِن، وهو -مع ذلك- قعيدٌ في الحماقة!! لا يفهم مرامي الكلام، ولا تستبينُ له مقاصده!!
فإذا قلتُ: إني ابتُليتُ بالنظر إلى وجوهكم وسماع أصواتكم، وما ذاكَ إلا بذنبٍ أستغفرُ اللهَ منه، قال -كأنه يترجم عن (اللاتينية) أو (السِّنْسِكِرِيتِيَّة)!!-، يقول -يعنيني-: «إنّ هذه الحلقات ابتلاءٌ بذنبٍ»، ثم ذهب المسكينُ «أبو الفتن» يُوَصِّفُ الذنبَ؛ فوافقني -من حيث يريد النفع- على أن النظر في وجهه ووجه مَن معه نقمةٌ وابتلاءٌ بذنب، وخالفني في توصيف الذنب، فهل رأيتَ حُمْقًا كهذا؟!! يريدُ أنْ ينفي فيُثبت!! وأنْ يدفعَ فيجلب!!
والحقُّ أنْ الحلقات -نفسها- نعمةٌ لا نقمة؛ لأنها أظهرت للناس هذا «المُبتدِع» على حقيقته، وكشفت للخلق المستورَ من أمره؛ فبان تخليطُه، وبدت حماقته، وكان -قَبْلُ- كـ «الهُولَة!!» تُشاع عنها الشائعات وليست شيئًا، وتَبُثُّ هاهنا وهنالكَ الدعايات وهي هَباءٌ بلا عَدَم.
وأما شأني أنا فمختلِفٌ؛ لأنّ النظرَ في وجوه أهل البدع يُقسِّي القلوبَ ويُكثِّر الذنوبَ، فمن هذه البابَة يُعد النظر إلى وجه هذا ومَن معه نقمةً بذنب، كما قالتْ أمُّ «جُرَيْج» وقد قدّم صلاته على إجابتها: «اللهم لا تُمته حتى ينظرَ إلى وجوه المُومِسَات»، فكان من شأنه ما هو معروفٌ، فهذه كتلكَ، وهاأنذا لم أَمُتْ حتى رأيتُ وجوهكم، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
وأما قولُه: «إنّ أعظمَ ذنبٍ هو الوقوع في الصالحين» إلى آخر رجمه بالغيب، فقد جعل الصالحين -بزعمه- مَن يذهب إليهم فِكرُه، وهم طالحون في حقيقة الأمر!! فعكسه؛ فجعل الطالحين صالحين، والمُبتدعين مُتسنِّنين، وهدَّامِي الدين بنَّائِعين.
وأشدُّ ما يعانيه المُتعامل مع هذا الرَّجل حماقتُه!! ومَثَلُه كمثل عيسى بن صالح، قال محمد بن زيادٍ: «كان عيسى بن صالح يُحَمَّق، وكان له ابنٌ يُقال له: عبدُالله من عقلاء الناس، فتولَّى عيسى جُنْدَ قِنَّسْرِينَ، فاستخلف ابنه على العمل، قال ابنه: فأتاني رسوله في بعض الليل يأمرني بالحضور في وقت مُبكِّر لا يُحضَر فيه إلا لأمر مهم؛ فتوهمتُ أن كتابًا ورد من الخليفة في بعض الأشياء التي يُحتاج فيها إلى حضوري وحضور الناس، فتقدمتُ بالبعثة إلى وجوه القُوَّاد، وركبتُ إلى داره، فلما دخلتها سألتُ الحُجَّابَ: هل ورد كتاب من الخليفة أو حدث أمر؟ فقالوا: لم يكن من هذا شيء، فصرتُ من الدار إلى موضعٍ تخلَّفَ الحُجَّابُ عنه، فسألتُ الخُدَّامَ -أيضًا- فقالوا: مِثْلَ مقالة الحُجَّابُ، فصرتُ إلى الموضع الذي هو فيه، فقال لي: أُدخلْ يا بُني، فدخلتُ فوجدته على فراشه، فقال: علمتَ يا بُني أني سهرتُ الليلة في أمر أنا مُفَكِّرٌ فيه إلى الساعة، قلتُ: أصلحَ الله الأمير، ما هو؟ قال: اشتهيتُ أن يُصَيِّرَنِي اللهُ من الحور العين!! ويجعلَ في الجنة زوجي يوسف النبي، فطال في ذلك فكري، قلتُ: أصلح الله الأمير؛ فاللهُ -عز وجل- قد جعلكَ رجلاً، فأرجو أن يُدخلكَ الجنة، ويُزوجكَ من الحور العين، فإذ قد وقع هذا في فكرك؛ فهلاّ اشتهيتَ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- أن يكون زوجك؟! فإنه أحق بالقرابة والنسب، وهو سيد الأولين والآخرين في أعلى عِليين، فقال: يا بني لا تظن أني لم أفكر في هذا؛ فقد فكرتُ فيه، ولكنْ كرهتُ أن أغيظَ عائشةَ -رضي الله عنها-.
فهذا كهذا حماقةً، وفُسُولَةَ رأيٍّ!!
وأما حماقته وتخليطه عند ذكر القناة الملعونة، فدائمًا يجعل هذا الرجل ما ليس مُعَيَّنًا مُعَيَّنًا!! مع أنّ لَعْنَ المُحْدِثِ المُعَيَّنِ أحد القولين عند أهل العِلم، ومع ذلك فإنه يستظرف فيقول: هذا المايكروفون ملعون، وهذه المنضدة ملعونة، هذه الجدران ملعونة، على طريقته في العجز عن فهم الكلام العربيّ، وتحميله ما لا يحتمل للعُجْمَة الغالبة عليه، والعِيّ المُستحكِم منه.
وفي حديث عليٍّ -رضي الله عنه- الذي أخرجه مسلمٌ في «صحيحه» أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لعنَ الله مَن آوى مُحْدِثًا».
والإحداثُ -في أحد المعنيين-: الابتداعُ في الدين. فالبدعُ إحداثٌ وأيُّ إحداثٍ، والعملُ بالبدع، ونشرُها، وإيواءُ أهلها، وإعانتهم، ونصرتهم، كلُّ ذلك إحداثٌ في دين الله -عز وجل- ومُوجِب لسخط الله على مَن فعله.
ومن ذلك إيواءُ مثل «أبي الفتن»؛ فإيواؤه وتمكينه يزيد القناةَ بدعًا فوق بدعها؛ فهي وَكْرٌ للبدع وملاذٌ لها، ومَن آوى المُحْدِثين استحقَّ هذا الوعيد.
وما لي لا ألعنُ مَن لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!!
في «الصحيحين» عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- أنه قال: «لَعَنَ اللهُ الوَاشِمَاتِ والمُوسْتَوْشِمَات، وَالمُتَنَمِّصَاتِ وَالمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ المُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ»، فقالتْ له امرأةٌ في ذلك، فَقَالَ: «وَمَا لِي لا العَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ، قال -تعالى-: ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا﴾».
وقد أخرج الطبرانيُّ في «الأوسط» من حديث ابن عمرو -رضي الله عنهما- بإسنادٍ صحيحٍ، قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي نِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ، العَنُوهُنَّ؛ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ».
هذا كلامُ رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
وفي «الصحيحين» عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- «لعنَ الوَاصِلَةَ وَالمُسْتَوْصِلَةَ، وَالوَاشِمَةَ وَالمُسْتَوْشِمَةَ».
وأخرج البخاريُّ بسنده عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- قال: «لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ».
وفي روايةٍ: «لعنَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ».
وعند مسلمٍ من رواية عليٍّ -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لعنَ اللهُ مَن آوى مُحْدِثًا».
و«أبو الفتن» من كبار المُحْدِثين المفسدين في الأرض، وإنْ لم يكن مُحْدِثًا، فليس على ظهرها مُحْدِثٌ!! والوعيدُ مُدْرِكٌ كلَّ مَن آواه، وما لي لا ألعنَ مَن لعنَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو في كتابِ الله -عز وجل؟!!
«لعنَ اللهُ مَن آوى مُحْدِثًا».
«لعنَ»: يُحتمل أن تكونَ خبرية؛ فيُخبر -صلى الله عليه وسلم- بوقوع اللعن على مَن آوى مُحْدِثًا، وهو كما قال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-.
ويُحتمل أن تكون إنشائية بلفظ الخبر؛ فتكونُ دعاءً، ودعاؤه -صلى الله عليه وآله وسلم- مسموعٌ مقبولٌ، وإذا كان مَن آوى المُحْدِثَ ملعونًا، فكيف بالإحداث وكيف بالمُحْدِثِ -نفسِه-؟!!
ما أزدادُ -وأهلُ السُّنة- في «أبي الفتن» إلا بصيرة، وكأنه (الشيطانُ) في مِسْلاخ إنسان!! فقد أخرج مسلمٌ في «مقدمة صحيحه» عن عبدالله -رضي الله عنه- قال: «إِنَّ الشَّيْطَانَ لِيَتَمَثَّلُ فِي صُورَةِ الرَّجُلِ، فَيَأْتِي القَوْمَ، فَيُحَدِّثُهُمْ بِالحَدِيثِ مِنَ الكَذِبِ، فَيَتَفَرَّقُونَ، فَيَقُولُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ: سَمِعْتُ رَجُلًا أَعْرِفُ وَجْهَهُ، وَلَا أَدْرِي مَا اسْمُهُ يُحَدِّثُ».
وروى بسنده عند عبدالله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: «إِنَّ فِي البَحْرِ شَيَاطِينَ مَسْجُونَةً، أَوْثَقَهَا سُلَيْمَانُ، يُوشِكُ أَنْ تَخْرُجَ، فَتَقْرَأَ عَلَى النَّاسِ قُرْآنًا».
وما أشبه «أبا الفتن» أن يكونَ من شياطين سُليمان!! قد خرج من وَثَاقِه كما خرجَ قَبْلُ على إمامه، فاقرءوا عليه آيةَ الكُرسيّ!! وفواتحَ سورة الكهف!!
روى مسلمٌ في «مقدمة الصحيح» بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «يَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ، يَأْتُونَكُمْ مِنَ الأَحَادِيثِ بِمَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ، وَلَا آبَاؤُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُمْ، لَا يُضِلُّونَكُمْ، وَلَا يَفْتِنُونَكُمْ».
لقد أبدى الرجلُ جزعَه من قولي: «إنه جِيءَ به لإزالة الحواجز بين السُّنة والبدعة، ولتتماها الحدودُ بين التوحيد والشرك».
أبدى جزعَه من هذا القول، وما هو إلا ذاكَ!! شاءَ أم أبى، وإلا فلماذا لم يُظهِر هو أو غيرُه حُكمَ الشرع في موافقة المشركين في أعيادهم كعيد «اللقطاء وأولاد الزنا»!! في «فرنسا» الذي يحتفلُ به المسلمون؟!!
ويستغلُ مُضيفوه وجوده طاعنًا في السُّنة، مُرَوِّجًا للبدعة للإعلان عن هدايا ذلك العيد!! ترويجًا له ولها، ودلالةً عليه وعليها، ولمّا نبّهته تغافلَ وراحَ يقول في سماجَتِه المعهودة: «هذا إستديو صامت!! وهل فيه إعلانات؟!» إلى غير ذلك من هذيانه .. ينفي عِلمَه .. فقد علمتَ، فما صنعتَ؟! هل أنكرتَ أم وافقتَ؟!
سكوتُه إقرارٌ وإمرار، وتخلصه عَيبٌ وشَنارٌ، فلماذا وقد علمتَ لم تُوضِّح الفرق ما بين التوحيد والشرك، والسُّنة والبدعة؟! وهل تملُّصكَ الصبيانيّ هذا إلا إمرارٌ وإقرارٌ بما وقع؟! ولماذا تغافلتَ أنتَ ومَن معكَ عما وقع فيه كثيرٌ من جماهير المسلمين من تورطٍ في نواقض من نواقض الإسلام العظيم -وهم لا يعلمون-؟!
إنّ منهجكم الأفيح وقواعدكم المُحْدَثة قد أوصلتِ المسلمين إلى ما ترى -إنْ كنتَ ترى- من الوقوع في نواقض الإسلام!!
أوصلتم المسلمين بتخنثكم في الدعوة، وتنازلكم عن العقيدة لأجل السياسة، وهجركم الحصيرةَ في المسجد إلى الكراسيّ الدوارة في الإستديوهات المُكَيَّفة .. أوصلتم المسلمين إلى الوقوع والولوغ في نواقض الإسلام!! يخرج بها من المِلّة مَن يخرج -وهو لا يعلم-!! وهنيئًا لكم ما أنتم فيه، هذه نتيجة دعوتكم الفاشلة!! وتضليلكم السَّافِر للمسلمين.
لمّا هلكَ مُقَدَّمُ النصارى غَرَّ المسلمين شيوخُهم ودعاتُهم؛ فراحوا يتسابقون في التلبيس على المسلمين؛ اتِّبَاعًا للسياسة، وإزراءً بالدين حتى راحَ بعضُهم يُقارِن بين الجنازة، وجنازة الإمام أحمد!!! ويقول: بيننا وبينكم الجنائز!! وهو محسوبٌ على الدعاة أنه منهم.
وفي هيئة كبار -ما أدري ماذا؟!- أو هيئة شورى -ما أدري ماذا؟!-، وآخرُ في زِيِّه الرسميّ يُعلن عن المصيبة التي نزلتْ بالأمّة، ويستلهم اللهَ -تعالى- الصبرَ والسُّلوان!!
ودعاتُكَ -«أبا الفتن»- في هَرْوَلةٍ للعزاء تارة، ولإثبات نصوص التعزية تارة، وفي الحُكم بمشروعيتها تارات!!
لماذا لم تُحذِّروا المسلمين من هذا الناقض من نواقض الإسلام العظيم؟!
أأصواتُ هؤلاء المساكين من المسلمين أهمُّ عندكم من إسلامهم؟! أم أنه أصبح بعد الربيع العربيّ رجعيةً وجمودًا لا يتناسبان مع السياسة والكراسيّ والرئاسة والحِدَاد؟!
أيها الغَشَشَة عاملكم اللهُ بعدله، وهتكَ أستاركم، ما أقبحَ بدعكم، واتِّبَاع أهوائكم!!
من نواقض الإسلام: مَن لم يُكفِّر المشركين، أو شَكَّ في كُفرهم، أو صحَّحَ مذهبهم .. مَن صحَّحَ مذهبهم كَفَرَ، ومَن شَكَّ في كُفرهم كَفَرَ، ومَن لم يُكفِّرهم كَفَرَ.
هذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، وعليه «الإجماع» كما حكى ذلك عِياضٌ في «الشِّفَا»، وغيرُه في غيرِه.
أين هذا من المسلمين الذين يُصحَّحَون دين المشركين، ويتورعون عن تسمية الكُفر باسمه، وعن الكافرين بالكافرين؟!! بل يُثبتون لهم الجنة والرضوان بل والفردوس الأعلى منه!!
أين الغَشَشَة الذين يُضلون الأمّة من بيان هذا الناقض من نواقض الإسلام لهؤلاء المساكين الذين يخرجون من الإسلام وهم لا يعلمون؟!!
من نواقض الإسلام: مَن لم يُكفِّر المشركين؛ لأنه يجب على المسلم أنْ يُكفِّر مَن كفَّره اللهُ ورسولُه -صلى الله عليه وسلم-.
واللهُ -جل وعلا- كفَّر المشركين عَبَدَةَ الأوثان وغيرَهم ممن يعبدُ مع الله غيرَه، وكفَّر مَن لم يُؤمن بالرسل أو بعضهم كما في القرآن والسُّنة النبوية، كفَّر المشركين من اليهود والنصارى والوثنيين.
فيجبُ على المسلم أنْ يعتقدَ بقلبه كُفرَهم عملاً بتكفير الله لهم، وتكفير رسولِ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- لهم. قال -تعالى-: «لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ» [المائدة: 17]، وقال -تعالى-: «وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا» [المائدة: 64]، وقال -تعالى-: «لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ» [آل عمران: 181]. إلى غير ذلك من المقالات التي حكاها الله عنهم وهم أهلُ كتابٍ، ويكفي في تكفيرهم أنهم كفروا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله للناس كافة، والذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل، قال -تعالى-: ﴿النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ (157) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾. [الأعراف:157- 158]
فقولُه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ» عامٌ في جميع الناس من أهل الكتاب وغيرِهم، ﴿إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾. [الأعراف: 158]، وقال -تعالى-: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾. [سبأ: 28].
فمَن لم يُؤمن بعموم رسالة النبي محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- حتى ولو أقرَّ أنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكنْ قال: إنّ رسالته خاصةٌ بالعرب دون غيرهم؛ فهو كافرٌ!! فكيف بالذي يكفرُ برسالته أصلاً ولا يُؤمن بها؟!! فهذا أشدُّ كُفرًا.
فالذي يشكُّ في كُفر المشركين عمومًا سواءٌ كانوا من الوثنيين، أو من اليهود والنصارى، أو من المنتسبين إلى الإسلام، وهم يُشركون بالله يجب اعتقاد كُفرهم.
فكلُّ مَن أشركَ بالله وعبد معه غيرَه من الأشجار والأحجار والأصنام والأوثان والقبور والأضرحة فإنه مُشركٌ كافرٌ يجب تكفيرُه حتى ولو كان يدّعي الإسلامَ ويقول: لا إلهَ إلا الله محمدٌ رسولُ الله؛ لأنّ الشركَ يُبطلُ الشهادتين ويناقضُ الإسلام ويُفسد التوحيدَ.
فيجب على المسلم أن يُكفِّر المشركين الذين يعبدون غيرَ الله سواءٌ كانوا من العرب أو من العَجَم، سواءٌ كانوا من اليهود أو النصارى أو المُتسمِّين بالإسلام.
هذه عقيدة ليس عليها مُسَاوَمَة، هذه ليست مما يدخلُ في الاستفتاء عليها!! ليست بداخلة بقواعد نظام قانون الأحزاب!!
هذه عقيدة ليس عليها مُسَاوَمَة؛ فمَن لم يُكفِّر المشركين فإنه يكونُ مُرتدًا كافرًا مثله؛ لأنه تساوى عنده الإيمانُ والكُفر: لا يُفرِّق بين هذا وهذا فهذا كافرٌ.
وكذلك مَن شَكَّ في كُفر المشركين .. مَن شَكَّ، وقال: لا أدري هل هم كُفارٌ أو غيرُ كُفار؟! فإنه يكون كافرًا؛ لأنه مُتردِّدٌ في دينه بين الكُفر والإيمان، ولم يُفرِّق بين هذا وهذا.
هذا ناقض من نواقض دين الإسلام العظيم، هل بيّنه القومُ؟!! وهم يرون المسلمين كالفَراش يتهافت على النار؛ لتُحْرِقَه، لتُهْلِكَه، وأمّا هم ففي بُلَهْنِيَاتِهم سادرون، وفي ملذاتهم قائمون قاعدون.
يجب أن يُكفِّر المسلمُ مَن كفَّره اللهُ، ومَن أشركَ بالله -عز وجل- وأن يتبرأ منه، كما تبرأ إبراهيم من أبيه وقومِه، قال: ﴿إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ﴾ [الزخرف: 26-27].
وكذلك إذا ما صحَّحَ مذهب الكفار المجرمين، هذه أشد!! إذا صحَّحَ مذهبهم، أو قال: في الذي يعملونه نظرٌ!!، هذا إنما هو اتخاذٌ وسائل وهو مُحْتَمَل!! أو يقول: هؤلاء الكفار جُهَّال وقعوا في هذا عن جهل، ويُدافع عنهم!! فهذا أشدُّ كُفرًا منهم؛ لأنه صحَّحَ الكُفر، أو صحَّحَ الشركَ، أو شكَّ في دين الإسلام العظيم، قال -سبحانه-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ وَالمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ البَرِيَّةِ﴾ [البينة: 6].
وأهلُ الكتاب: اليهودُ والنصارى، والمشركون: الذين يعبدون مع اللهِ إلهًا ومعبودًا غيرَه.
قال -تعالى-: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ المَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة: 17].
وقال -سبحانه-: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ﴾ [المائدة: 17].
فمَن لم يُكفِّر الكافرَ الذي اتضح كُفره بالقرآن والسُّنة سواءٌ كان الكافرُ يهوديًا، أو نصرانيًا، أو مجوسيًا، أو مُشرِكًا، أو مُلْحِدًا، أو غير ذلك من أصناف الكُفر، أو شَكَّ في كُفرهم، أو صحَّحَ مذهبهم .. مَن فعلَ شيئًا من ذلك فقد كَفَرَ!!
هذا ناقضٌ من نواقض الإسلام بإجماع لا خلافَ عليه، فماذا صنع القوم؟! هل حذَّروا من هذا؟! هل راعوا إسلامَ المساكين؟! وهم يندفعون كالفراش إلى النار!! هل حذَّروهم؟! هل علَّموهم؟! هل بيّنوا لهم؟!
لا .. خدعوهم!! وغَرَّرُوا بهم!! فاللهُ حَسِيبُهم.
ذلك كله؛ لأنّ الله قد كفَّرهم، فمَن لم يُكفِّرهم فقد ضادَّ الله ورسولَه، ويُعدُّ مُكذِّبًا غيرَ مُصَدِّق لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وكذا مَن شَكَّ في كُفرهم يُعدُّ غيرَ مُصَدِّقٍ لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم- الدالِ على كُفرهم.
أمّا مَن صحَّحَ مذهبهم، فزيادةً على كونه تكذيبًا لكلام الله وكلام رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ فهو أيضًا استحلالٌ لما حرَّم الله؛ لأنّ اللهَ أبطلها وحرَّمها، وهذا يُصحَّحَه!! فيكون معترِضًا على الله حين كفَّرهم.
هذا الناقضُ أجمعَ عليه العلماء، ونقل الإجماعَ القاضي عِياض -رحمه الله- في «الشِّفَا»، فقال: « وقامَ الإجماعُ عَلَى كُفْرِ مَنْ لَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا مِنَ اليَهُودِ والنَّصَارَى، وَكُلَّ مَنْ فَارَقَ دِينَ الإسلامِ، أَوْ وَقَفَ فِي تَكْفِيرِهِمْ، أَوْ شَكَّ». اهـ
كان الأولى بـ «أبي الفتن» وهو يتقمم .. يبتر النصوصَ ويسلخها!! ويُنزِّلها على غير منازلها!! ويخونُ الأمّة!! أنْ يأتي بهذا الإجماع .. أم هو إجماعٌ مُعَلَّل؟!!
قال شيخُ الإسلام -رحمه الله-: «ومَن لم يُقر بأن بعد مبعث محمد -صلى الله عليه وسلم- لن يكون مسلمٌ إلا مَن آمن به واتبعه باطنًا وظاهرًا فليس بمسلمٍ، ومَن لم يُحَرِّم التدين بعد مبعثه -صلى الله عليه وسلم- بدين اليهود والنصارى، بل مَن لم يُكفِّرهم ويُبغضهم فليس بمسلم باتفاق المسلمين». اهـ
هذا كلامُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- الذي يتَّكئ على نصوصه الرَّجل .. أما كان الأحرى بكَ في هذه المُلِمَّة التي يخرج فيها كثيرٌ من جماهير المسلمين من رِبْقَة الإسلام لتورطهم في ناقضٍ من نواقضه -وهم لا يعلمون- أما كان الأولى بكَ أنْ تُذيعَ هذا النص؟!! بَدَلَ تلك الخرافات والهُراءات والدفاع عن المبتدعة، فاللهُ -عز وجل- يُعاملكَ بعدله.
لابد من البراءة من كل دينٍ غير دين الإسلام، وإنكاره، ونفيه، وبُغْضِه، ومعاداته، ومعاداة أهله، وهذا النفي هو معنى الكُفر بالطاغوت في قوله -تعالى-: ﴿فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 256].
والطاغوتُ: كلُّ ما جاوز به العبدُ حَدَّهُ من معبودٍ أو مَتبوعٍ أو مُطاعٍ.
الإثبات بصرف العبادة كلها لله -تعالى- وحده، وعدم صرف شيءٍ منها لغير الله، فهذا معنى «لا إله إلا الله»؛ فإنّ معناها: لا معبودَ بحقٍ إلا الله.
وحديثُ النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي رواه مسلمٌ: «مَن قال: لا إلهَ إلا الله، وكفرَ بما يُعبدُ من دون الله، حَرُمَ مالُه ودمُه وحسابُه على الله».
وهذا من أعظم ما يُبيِّن معنى «لا إله إلا الله»؛ فإنه لم يجعلِ التلفظَ بها عاصمًا للدم والمال، بل ولا معرفةَ معناها مع لفظها، بل ولا الإقرارَ بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله -وحده- لا شريكَ له، بل لا يحرم مالُه ودمُه حتى يُضيفَ إلى ذلك الكُفر بما يُعبد من دون الله، فإنْ شكَّ أو توقفَ لم يَحْرُم مالُه ودمُه.
فيا لها من مسألةٍ، ما أعظمها وأجلَّها!! ويا له من بيانٍ، ما أوضحه!! وحُجَّةٍ ما أقطعها للمُنازِع .. وهذا من كلام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب -رحمةُ الله عليه- في كتاب «التوحيد».
قال الشيخُ ابن عثيمين -رحمه الله- في «القول المفيد»: «فمَن رضي دين النصارى دينًا يدينون الله به; فهو كافر؛ لأنه ساوَى غيرَ دين الإسلام بالإسلام; فقد كذّب قولَ الله -جل وعلا-: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْه﴾. وبهذا يكون كافرًا.
وبهذا نعرف الخطر العظيم الذي أصاب المسلمين اليوم باختلاطهم مع النصارى، والنصارى يدعون إلى دينهم صباحًا ومساءً، والمسلمون لا يتحركون، بل بعضُ المسلمين الذين ما عرفوا الإسلام حقيقةً يَلِينُون لهؤلاء،: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾، وهذا من المحنة التي أصابت المسلمين الآن، وآلت بهم إلى هذا الذل الذي صاروا فيه». انتهى كلامُه.
من أشد ما يكون أن يُصحَّحَ المسلمُ مذهبَ المشركين ودينَهم .. مَن صحَّحَ مذهبَ المشركين -وما أكثرَ مَن يُصحَّحَ مذهبهم!! ويُدافعُ عنهم!!- خصوصًا اليهود والنصارى، فالدعوةُ قائمة إلى الوَحدة بين الأديان -كما يزعمون- بين الإسلام واليهودية والنصرانية، ويقولون: كلُّها أديانٌ صحيحة!! وكلُّهم مؤمنون بالله فلا نُكفِّرهم!! .. هذا أشدُّ كُفرًا من الذي شكَّ في كُفرهم؛ لأنه صحَّحَ مذهبهم، وقال: إنهم يُؤمنون بالله ويتَّبعون الأنبياء: اليهود يتَّبعون موسى، والنصارى يتَّبعون عيسى.
فيُقال لهم: لم يتَّبعوا لا موسى، ولا عيسى، ولو كانوا يتَّبعونهما لآمنوا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- لأنّ موسى وعيسى -عليهما السلام- بشَّرا بمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وهو موجودٌ في التوراة والإنجيل: في التوراة التي أُنزلتْ على موسى موجودٌ فيها ذِكرُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾. [الأعراف: 157].
الإنجيل الذي نُزِّلَ على عيسى فيه ذِكرُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، بل صرَّح عيسى -نفسه- عليه السلام- بذلك: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ﴾. [الصف: 6].
مَن الذي جاء بعد عيسى -عليه السلام-؟!
هو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وله أسماءٌ كثيرةٌ ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾. [البقرة: 146].
فمَن صحَّحَ شيئًا من ذلك خرج من رِبْقَةِ الإسلام!! أين هذا من الأمّة في هذه المحنة التي تمرُّ بها .. تَتَقَلْقَلُ فيها قواعد توحيدها -والقومُ مشغولون-؟!!
على المسلم أن يعتقد كُفرَ الكفّار أيًّا كانوا، وكلُّ مَن أشرك بالله ودعا غيرَ الله بأي نوعٌ من أنواع الشرك الأكبر؛ فيجب تكفيره بالحُكم عليه بالكُفر، ولا يجوزُ الشكُّ في كُفره، ولا يجوزُ تصحيح ما هو عليه من الكُفر؛ فيُقال: هذا صاحبُ دين!! هذا أحسنُ من الوثنيين!! لماذا؟! لأنّ الكُفرَ مِلَّةٌ واحدةٌ.
ونبينا محمد -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول -كما في «صحيح مسلم»-: «والذي نفسي بيده لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمّة -يعني: أمّةَ الدعوة- يهوديُّ ولا نصرانيُّ، ثم لم يُؤمن بالذي جئتُ به إلا دخلَ النارَ».
ينبني على تكفير الكفّار أحكامٌ كثيرةٌ، منها: أنه يجبُ بُغضهم، ومعاداتهم، وعدمُ موالاتهم، حتى ولو كانوا من أقرب الناس إلى المسلم، وعلى هذا تظاهرتِ النصوص في الكتاب والسُّنة.
وبما يترتب على تكفير المُشرِك أنه إذا ماتَ المُشرِك والكافر؛ فإنّ المُسلمَ لا يتولّى جنازته إلا إذا لم يُوجد مَن يدفنه من الكُفّار؛ فإنه يُوارَى بالتراب، ولا يُدفنُ في مقابر المسلمين.
فالمسلمون لا يتولَّون جنازةَ الكافرِ: لا يُغسلونها، ولا يُكَفِّنُونَها، ولا يحملونها، ولا يُشيِّعونها، ولا يحضرون دفنها، ولا تُدفن في مقابر المسلمين.
فالمسلمُ لا يُشيِّع جنازة الكافر، ولا يُجهِّزها، ولا تُدفن في مقابر المسلمين.
أين هذه الأحكامُ من أولئك القوم الذين يَغشُّون الأمّة، ويرون الناس يتورطون في نواقض الإسلام العظيمة التي يخرجون بها منه، وهم لا يُبالون ..
شغلتهم السياسة والكراسيّ!! وما هم فيه من بُلَهْنِيَةِ العَيش مما امتصوه من دماء المسلمين بزعم «الدعوة»!! حتى صارَ المسلمون إلى هذه الهُوّة الهابطة، وصرتَ ترى الناسَ لا يحكمون على الكافرَ، ويجادلون!! مَن أتى بنصوص الكتاب والسُّنة للحُكم عليه بما هو أهلُه .. يُصحَّحَون مذهبَ الكافرين المشركين، ويشهدون لهم بأنهم على دينٍ وصراطٍ مستقيمٍ، وأنهم في الجنة من أهل الخلود!!
إلى اللهِ المُشتَكى، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله -رب العالمين-، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بَعْدُ:
فـ «أبو الفتن» المشئوم!! يقول: «الساحةُ تحتاجُ إلى جهادٍ طويلٍ وإلى جُهدٍ مُضْنٍ في توضيح مسائل الدين؛ لرد الهجمات الشرسة على الإسلام في هذه الفترة».
أفليس التحذير من اقتحام نواقض الإسلام مما يحتاجُ إلى بيانٍ يا مشئوم؟!!
أفهذا خيرٌ أم كَذِبُكَ بادعائكَ أنّ المسيرة المباركة -كذا- للحلقات الفاشلة التي ضيّعت فيها أوقات الناس في هذيانكَ وخلطكَ وخبطكَ، أنها لم تتعرض لفلانٍ ولا لفلانٍ ولا لقول فلانٍ -وهكذا الكذبُ وإلا فلا؟!!
حَمْلُ المُجْمَلِ على المُفَصَّل من ابتداع «عبدالله عَزَّام»، وقد سطوتَ عليه؛ لتنسبَ الخَنا إلى نفسكَ!! ورحتَ تتناقضُ فيه: تنعي على مَن يضع ضوابطكَ أنْ يكون مَن يُردُّ مُجْمَلُه على مُفَصَّلِه من كبار العلماء، أو الأئمة المشهورين، أو أصحاب الجهاد المحمود في نشر العِلم وتعليمه، تنعى عليه وتسخرُ منه! ثم تُقيِّد أنتَ -بهواكَ-: تقول -في سب الأنبياء-: «ليس فيها حَمْلُ مُجْمَلٍ على مُفَصَّلٍ»، وفي سب الصحابة، وفي تكفير المسلمين، وتصف هذا بأنه رِدَّةٌ، وكُفرٌ، وفسوقٌ، وكبيرةٌ .. وتتخلّف عند التطبيق!!
كلامُ «سيِّدٍ» في «وَحدة الوجود» في تفسير قوله -تعالى-: ﴿هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، وكذلك في تفسير سورة «الإخلاص» صريحٌ في القول بوحدة الوجود!!
ونردُّ كلامَه المُجْمَل في الموضعين مع أنه بَيِّنٌ مُفَصَّلٌ!! نرده إلى مُبَيَّنِه -تنزُّلاً مع الخَصم- في «ديوانه» في قصيدة «إلى الشاطئ المجهول»، وفي مقدِّمة «ديوانه» تعليقًا عليها وعلى أختٍ لها، وفي دفاعه وتقريره لعقيدة «النِّرْفانا» إلى مواضعَ في كتابه.
وقد جزمَ الشيخُ الألبانيّ، والشيخُ ابن عثيمين بأنّ كلامَه يُفيد القولَ بوَحدة الوجود -لا يُوهِم!!- كما نقله «أبو الفتن» عن الشيخ ابن بازٍ وتصريحه بأنّ كلامه مُوهِم، إنما كان تعليقًا على نصٍّ لا يدل على حقيقة الحال.
قال الشيخُ الألبانيّ: ينقلُ كلامَ الصوفية، لا يُمكن أن يُفهم منه إلا أنه يقول بوَحدة الوجود!!
هذا كلامُه.
وقال الشيخُ ابن عثيمين: وقد قال قولاً عظيمًا، مخالفًا لما عليه أهلُ السُّنة والجماعة، حيث إنّ تفسيره لها يدل على أنه يقول بوَحدة الوجود!!
نقول له: لماذا اجتزأتَ -خيانةً- بعضَ كلام حاشية صفحة (أربعين) من كتاب «براءة علماء الأمّة»، وكلام الألبانيّ وكلام ابن عثيمين وراء كلام الشيخ ابن باز الذي أتى به مجتزِئًا وقد سُئل عن شيءٍ غير بيِّن؛ فقال: مُوهِم .. وهكذا يكون أهلُ العِلم في إنصافهم!!
لكنّ هذا لم يلتفت إلى ما قاله الشيخُ الألبانيّ، ولا ما قاله الشيخ ابن عثيمين، واجتزأ بقول الشيخ ابن باز؛ خيانةً للأمّة!! كما يفعل دائمًا: إذا كان النصُّ يسنده يأتي به، وإذا كان لا يسنده يُلقي به إلى حيث ألقت رَحْلَها «أمُّ قَشْعَمِ»!!
أليس صنيعكَ هذا بترًا، وخيانةً علمية؟!!
علّق على كلام شيخ الإسلام لأمراء الجهمية وقضاتهم .. قال شيخ الإسلام: «ولهذا كنتُ أقول للجهمية من الحلولية والنُّفاة -لا تنسَ هذا الوصف- الذين نفوا أن الله -تعالى- فوق العرش لما وقعت محنتهم: أنا لو وافقتكم كنتُ كافرًا؛ لأني أعلم أن قولكم كُفر وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جُهال, وكان هذا خطابًا لعلمائهم وقضاتهم وشيوخهم وأمرائهم ». انتهى كلام شيخ الإسلام.
علّق عليه «أبو الفتن» بقوله: الجهمية لا يُكفِّرهم شيخُ الإسلام، عندهم شبهة، ولم يُبدِّعهم!! -يعني: كان (بِيدَلَّعْهُم!!) عندما يقول: إنهم جهمية، حُلولية، نُفاة؟!!
هذا الوصفُ يكون لماذا؟!! لبدعة أم لسنَّة؟!
يقول: ولم يُبدِّعهم .. اللهُ حَسيبُه!
هذا الوصفُ لا يفيد معنًا عند «المشئوم» «أبي الفتن»!!، وهو يدَّعي أن المتأوِّل لا يُعدُّ مبتدعًا!!
لو لم يكن من الدلالة على سوء فهمه وقلة عقله إلا هذا، لكفى!! وهل يكون المبتدعُ إلا متأوِّلاً؟!!
إنّ المبتدع الذي يأتي بما يأتي به يتقرب به إلى الله -عز وجل- يُضاهي به الشريعة يفعل ذلك بنوع شبهة: بتأوُّل؛ لأنه لو لم يكن متأوِّلاً، لكان معانِدًا؛ فإذا أثبت في الدين ما ليس منه، فلهو حكمٌ آخر هو أكبرُ من وصف المبتدع.
هذا الرجل لا يدري ما يخرجُ من عقله!! هذه بَلِيَّةُ ابتلى اللهُ -رب العالمين- بها أهلَ مَصر!! ومِصر .. بالفتح والكسر؛ ليبتليهم الله -تبارك وتعالى- في عقولهم، أيطيعون ويسمعون هذا الزَّيف والخَنَا والسفاهة، ويتِّبعون هذه الفُسولة في الرأي، أم يَثْبُت أنهم أصحابُ العقل -حقًا- وأصحابُ النُّهَى -صِدقًا-؟!
هل يكون المبتدع مبتدعًا إلا بتأويل؟!! إنّ المبتدع يتقرب ببدعته إلى الله بنوع شبهة -لا بمعاندة- لأنّ اختراعه في الدين لو لم يكن بنوع شبهة وكان بمعاندة للشرع لكان له حُكمٌ آخر .. فأينَ يُذهب بهذا الضال المبتدِّع؟!!
وتأمّل -يا رعاكَ اللهُ- في الخلط الذي يُزِّيف به الأمور على المسلمين، ويعرف أنّ أهل السُّنة كوصف يُطلق بالمعنى العام؛ فيدخلُ فيه أهلُ القِبلة سوى الروافض .. هذا معروفٌ! معروفٌ من قديم، وهو في كلام علمائنا.
أهل السُّنة بالمعنى الأعم، هم: أهلُ القِبلة سوى الروافض؛ فهذا تقسيمٌ ثنائيٌّ عام، فيدخلُ فيهم القَدَرِيَّة، والمرجئة، والخوارج، والأشاعرة، والمعتزلة، وغيرُهم من الجماعات والأحزاب والفِرق الحديثة.
كلُّ هؤلاء -بالمعنى الأعم- من أهل القِبلة؛ لأنّ العلماء لم يُكفِّروهم وهم ليسوا من الروافض؛ فإذًا هم من أهل القِبلة، فهم من أهل السُّنة بالمعنى الأعم؛ إذ لم يكونوا من الروافض.
هذا متَّفقٌ عليه بين أهل العِلم سلفًا وخلفًا، وعليه فهم السوادُ الأعظم، بالمعنى الأعم؛ ففيهم: القَدَرِيَّة، وفيهم المرجئة، وفيهم المعتزلة، وفيهم الأشاعرة، وفيهم الأحزابُ والفِرق المعاصرة، هم السوادُ الأعظم الذي يُباهِي به المسكين!!
ويقول -مُعَيِّرًا أهلَ السُّنة-: هل أنتم السوادُ الأعظم؟! العوامُ هم السوادُ الأعظم!!، وهم مع مَن تُبدِّعونهم؛ فليذهبوا -جمعيًا- إلى حيث ألقت .. لا يضيرنا في شيء!!
تُعَيِّرنا أنّا قليلٌ عَدِيدُنا
فقلتُ لها: إنّ الكرامَ قليلٌ.
وأهلُ السُّنة الخُلَّص قليل، بل أقلُّ من القليل.
أهلُ السُّنة بالمعنى العام المقابل للروافض لا يتوجه إليهم المدحُ الذي يخص أهلَ السُّنة بالمعنى الأخص.
كلامُ شيخ الإسلام الذي يُسيء هذا الرجل فهمَه، ويُظهر للناس شيخ الإسلام في غير ما عرفته الأمّة، ويعيد صياغته، وصياغة نصوصه، بفهمه السقيم .. كلامُ شيخ الإسلام يتوجه تارةً إلى المعنى الأعم، وتارةً إلى المعنى الأخص، ووضعُ هذا في موضع هذا خيانةٌ عِلمية!! وتضليلٌ للمسلمين!! وتحريفٌ للكَلِم عن مواضعه!!
وهذا كالخيانة التي يرتكبها في سلخ الكلمات والعبارات من سياقاتها، والنفخِ فيها على معانٍ لا تحتملها .. ليظهرَ الله غباءه!! وسخافته للناس!! كما فعل بكلام الشافعيّ الذي غمزَ -لأجل نقد كلامه- عليًّا -رضي الله عنه-!! كما هي عادته في اتخاذ الصحابة غرضًا بحُجة التربية -كما يدَّعي!!-.
قال: نقول للعاصي الذي أسرف على نفسه: لا عليكَ، لقد كان في الصحابة مَن زنا، وأُقيمَ عليه الحد، ومنهم مَن زنا وسترَ الله عليه، ومنهم مَن شَرِبَ الخمرَ .. إلى آخر بذاءاته، واللهُ حَسِيبُه.
أهكذا يُعامَل الصحابة؟!!! تتخذهم غرضًا!! ولا يكون هذا إلا لمرضٍ في القلب!!
أَوَلا نبيِّن للذي يهم بأن يقنطَ من رحمة الله سعةَ المغفرة إلا بأن نقول: في الصحابة مَن زنا وستره الله، ومَن شَرِبَ الخمر، ومَن زنا وأُقيمَ عليه الحد؟!! إلى آخر بذاءاته؟!!
لقد كان ذكرَ أنه لو حُلِّف بين الركن والمقام على أنّ مَن كان يخالفه لا يريد انتقاصًا ولا إزراءً لحلف، ثم عاد ليقول -كالعائد في هِبَتِه، والعائدُ في هِبَتِه كالكلب يَقِيء ثم يعود في قَيْئه-: ما تقولون في العصفور؟! -ما العصفورُ؟! أنا لم أرَ على جانبي رأسه عصافير!!- وما تقولون في كذا، وإنّا لمنتظرون؟!
ما هذا؟! «عَبِيطٌ!!».
انظر في خيانته!! عندما يأتي بذكر كلامٍ للشيخ الفوزان في معرض سؤالٍ عن تعلّم العربية من حزبية تعلِّم أعجمية، فاستطرد وذكر كلامًا يتعلق بالإخوان المسلمين ..
تأمل في كلام الشيخ الفوزان هذا، -الذي قاله مُجْمَل وهذا مُفَصَّل، سنحمل المُجْمَل على هذا المُفَصَّل- السؤال: ما وجه صحة نسبة الجماعات الموجودة اليوم إلى الإسلام أو وصفهم بالإسلامية، وصحة إطلاق لفظ الجماعات عليهم، وإنما جماعة المسلمين واحدة كما في حديث حذيفة -رضي الله عنه-؟
الجواب: الجماعاتُ فِرق تُوجد في كل زمان، هذا ليس بغريب، قال -صلى الله عليه وسلم-: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فِرقة، وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فِرقة، وستفترق هذه الأمّة على ثلاثٍ وسبعين فِرقة، كلُّها في النار إلا واحدة».
فوجود الجماعات ووجود الفِرق أمرٌ معروف، وأخبرنا عنه رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: «ومَن يعش منكم، فسيرى اختلافًا كثيرًا».
ولكنّ الجماعةَ التي يجب السيرُ معها، والاقتداءُ والانضمامُ إليها، هم أهلُ السُّنة والجماعة؛ لأنها الفِرقة الناجية؛ لأنّ الرسولَ -صلى الله عليه وسلم- لمّا بيّن هذه الفِرق، قال: «كلُّها في النارِ إلا واحدةً». قالوا: مَن هي؟ قال: «ما كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي».
هذا هو الضابط؛ فالجماعات إنما يجب الاعتبارُ بمَن كان منها على ما عليه الرسولُ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه من السلف الصالح.
ثم ذكرَ آية التوبة في شأن الصحابة ﴿وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ﴾، ثم قال: هؤلاء هم الجماعة، جماعةٌ واحدة، ليس فيها تعدد، ولا انقسام من أول الأمّة إلى آخرها، هم جماعةٌ واحدة، هذه هي الجماعةُ الممتدة من وقت الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- إلى قيام الساعة، وهم أهل السُّنة والجماعة.
وأمّا ما خالفهم من الجماعات؛ فإنها لا اعتبارَ بها، وإنْ تسمّت بالإسلامية!! وإنْ تسمّت جماعة الدعوة أو غيرَ ذلك؛ فكلُّ ما خالف الجماعة المتفرِّقة التي لا يجوز لنا أن ننتمي إليها أو أن ننتسب إليها؛ فليس عندنا انتماءٌ إلا لأهل السُّنة والتوحيد.
ثم قال -بعد أن ذكر حديث العِرباض بن سارية-: هؤلاء هم الجماعة المعتبرَة، وما عداها من الجماعات فلا اعتبارَ بها، بل هي جماعاتٌ مخالفة وتختلف في بعدها عن الحق وقربها منه، ولكنْ كلها تحت الوعيد، كلها في النار إلا واحدة، نسألُ اللهَ العافية.
سمعتَ؛ لتعلمَ كَذِبَه!! لتعلمَ فُجورَه!! لتعلمَ تدليسَه وغِشَّه!! وتناقضَه حتى في قواعده!!
سُئل الشيخُ الفوزان: هل هذه الجماعات تدخل في الاثنين وسبعين فِرقة الهالكة؟!
قال: نعم!! كلُّ مَن خالف أهلَّ السُّنة والجماعة ممن ينتسبون إلى الإسلام في الدعوة أو في العقيدة أو في شيء من أصول الإيمان؛ فإنه يدخل في الاثنتين وسبعين فِرقة ويشمله الوعيد، ويكون له من الذنب والعقوبة بقدر مخالفته.
سُئل -وأنقل لكَ كلامَه، وكلامُ غيره من أهل العلم الكبار المستفيض، ولكنْ لتعلمَ غِشَّ الرجل!!، كيف يُدَلِّس على أهل العلم- الشيخُ الفوزان -أحسنَ اللهُ إليه- حديثُ النبي -صلى الله عليه وسلم- في افتراق الأمم، قولُه: «ستفترق أمتي على ثلاثٍ وسبعين فِرقة إلا واحدة»، فهل جماعةُ التبليغ -على ما عندهم من شركياتٍ وبدعٍ-، وجماعة الإخوان المسلمين -على ما عندهم من تحزِّبٍ وشق العصا على ولاة الأمور وعدم السمع والطاعة- هل هاتين الفِرقتين -كذا، هذا صيغةُ السؤال بما فيه من اللحْن- تدخلُ؟
الجوابُ: تدخلُ في الثنتين والسبعين.
نأتي له بكلام مَن؟! ونُحيله إلى مَن؟! نسألُ اللهَ -رب العالمين- أن يُنجِّي المسلمين من شره وشرِّ أمثاله.
الشيخُ الألبانيّ جاء بكلامٍ مُجْمَلٍ -كما يقول- من كلامه، وله كلامٌ مُفَصَّل لم يلتفتْ إليه -على قاعدته!!-، يقولُ الشيخُ الألبانيُّ -رحمه الله-: الإخوانُ المسلمون ينطلقون من هذه القاعدة التي وضعها رئيسهم الأوَّل -أقصدُ «حسن البنا»- على إطلاقها، ولذلك لا تجد فيهم التناصح المُستقى من نصوص كتاب الله وسنَّة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-، وذكر سورةَ العصر.
ثم ذكر، قال: الحقُّ -كما تعلمُ- ضدُّ الباطل، والباطلُ أصوليٌّ وفروعيّ، وكلُّ ما خالف الصوابَ فهو باطل، هذه العبارة هي سبب بقاء الإخوان المسلمين نحو سبعين سنة -عمليًا- بعيدين عن السُّنة!!
لماذا لم يأتِ بهذا؟!! لماذا لم يأتِ بفتوى اللجنة الدائمة؟!! برئاسة الشيخ ابن باز، وعضوية الشيخ عبدالرزاق عفيفي، والشيخ عبدالله بن غُدَيَّان، والشيخ عبدالله بن قَعُود، وهم يُسألون: هل يجوزُ التحزب كحزب «التحرير»، وحزب «الإخوان المسلمين»؟
الجوابُ: لا يجوز أن يتفرقَ المسلمون في دينهم شِيَعًا وأحزابًا، إلى غير ذلك من تأصيلهم -رحمة الله عليهم-.
وأمّا الشيخُ ابن باز -رحمه الله تعالى- فمعلومٌ أنه يقول: هم من الفِرق النارية. ولا يلزم من ذلك أن يكونوا كفّارًا، ولكنْ كلُّ مَن خالف ما عليه الفِرقة الناجية؛ فهو من الفِرق النارية -كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
وكذلك فتاوى الشيخ الألبانيّ -رحمه الله تعالى-.
ماذا نقول؟!!
نقول: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ونسألُ اللهَ -تبارك وتعالى- أن يُهَيِّئ للأمّة أمرَ رُشْدٍ: يُعَزُّ فيه أهلُ السُّنة، ويُذَلُّ فيه أهلُ البدعة، إنه على كل شيءٍ قديرٍ.
ولا يعلمُ إلا الله -عز وجل- مَن يطلب التشفي والانتقام؟!، ومَن يبتغي نصرةَ الدين؟! وقد قال الإمامُ الشاطبيُّ -رحمه الله-: «حينَ تَكُونُ الفِرْقَةُ تَدْعُو إِلَى ضَلَالَتِهَا وَتُزَيِّنُهَا فِي قُلُوبِ العَوَامِّ وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ، فَإِنَّ ضَرَرَ هَؤُلَاءِ عَلَى المُسْلِمِينَ كَضَرَرِ إِبْلِيسَ، وَهُمْ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْسِ - [ كما بيّنتُ لكَ في النقل من «مقدمة صحيح مسلمٍ» عن أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بل عنه -صلى الله عليه وسلم- ] - فَلَابُدَّ مِنَ التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ البِدَعِ وَالضَّلَالَةِ، وَنِسْبَتِهِمْ إِلَى الفِرَقِ إِذَا قَامَتْ الشُّهُودُ عَلَى أَنَّهُمْ مِنْهُمْ.
فَمِثْلُ هَؤُلَاءِ لَابُدَّ مِنْ ذِكْرِهِمْ وَالتَّشْرِيدِ بِهِمْ، لِأَنَّ مَا يَعُودُ عَلَى المُسْلِمِينَ مِنْ ضَرَرِهِمْ إِذَا تُرِكُوا، أَعْظَمُ مِنَ الضَّرَرِ الحَاصِلِ بِذِكْرِهِمْ وَالتَّنْفِيرِ منهم، إِذَا كَانَ سَبَبُ تَرْكِ التَّعْيِينِ الخَوْفَ مِنَ التَّفَرُّقِ وَالعَدَوَاةِ، بل الضررُ الحاصلُ أكبرُ من ذلك، فلا يُتركَ لهذا بحالٍ أبدًا». اهـ
ويبقى أمرٌ يسير لم أتكلم عنه، تلك القاعدة، وهي قاعدةٌ ابتدعها من قبل جمال الدين الأفغانيّ، ومحمد عبده، وتلقَّفها محمد رشيد رضا، فسمّاها بقاعدة «المنار الذهبية»: «يُعينُ بعضنا بعضًا فيما اتفقنا فيه، ويعذرُ بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه»!!.
بابٌ واسعٌ، لاحِبٌ، لإمرار البدع كلِّها!! وإذا كلّمته، وقلتَ له: قد أعدّتَ الصياغةَ بطريقةٍ فاشلةٍ!! «نُصحَّحَ، ولا نَهْدِمُ!!» مع أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي ذكره هو قَبْلُ يهدمُ على رأسه قاعدته!!
قال النبيُّ -صلى الله عليه وآله وسلم- لأبي هريرة عن الشيطان: «صَدَقَكَ وهو كَذُوب»، فهدمَه، وصحَّحَ مقالته .. اعتمدها: صَدَقَكَ، وهو كَذُوب!!
يقول: لا تهدموا الأشخاص.
نقول له: لا تهدمِ الشيطان!! هنيئًا لكَ قد سامحناكَ فيه!!
أيها الأحِبَّةُ من أهل السُّنة الزموا الجادة، ولا يغرّنّكم التهويشَ!! فالأمرُ يحتاجُ وقتًا يعكفُ فيه طلاّب العِلم على النصوص التي يتقممها الرجل من هاهنا وهاهنا؛ ليضعها في غير موضعها!! سالِخًا لها من سياقاتها!! غيرَ فاهمٍ لها!! جملةً وتفصيلاً؛ ليستبينَ للناس أمرُ هذا الغَشَّاش!! الذي أتى ليغشَّ الأمّة واللهُ حَسِيبُه.
نسألُ اللهَ -رب العالمين- أنْ يُنَجِّيَ الأمّة من شره ومن شر أمثاله، وأنْ يكبتهم، وأنْ يُخزيهم، وأنْ يجعلَ كيدَهم في نحورهم، وأنْ يُنَجِّيَ أهلَ السُّنة من شرورهم، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
وفرَّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
5 من جماد الأول 1433هـ، الموافق 28/3/2012م.
وإنْ تجد عيبًا فسُد الخللا ==== فجلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)