[ تفريغ ] [ خطبة جمعة ] [ نُصحح ونهدم ] لفضيلة الشيخ محمد سعيد رسلان -حفظه الله-

بسم الله الرحمن الرحيم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمدُ لله والصلاةُ والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن اتبع هداه... وبعدُ:

هذا هو الردُّ (العاشر) من ملف (أبي الفتن)، والذي يردُّ فيه فضيلة الشيخ المجاهد محمد سعيد رسلان -حفظه الله- على المُبتدِع (أبي الفتن المأربي) -هداه الله أو قصم ظهره-.

تاريخ إلقاء هذه الخطبة
الجمعة 23 من ربيع الثاني 1433 هـ الموافق 16-3-2012 م

عناصر الخطبة
1. أحاديث علامات الساعة، والسنوات الخداعات، وهلاك الوُعول -وهم أشراف الناس وحكماؤهم-، وظهور التُّحوت -وهم الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يُعلم بهم-؛ فاعتلوا المناصب وأصبحت لهم الكلمة .
2. معجزة انشقاق القمر على رؤوس الأشهاد وعناد المشركين من أهل مكة واتهامهم للرسول -صلى الله عليه وسلم- بأنه ساحر.
3. قصة العامري وعناده مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمام النخلة.
4. وهذا العناد والخداع والخيانة هو ما يفعله (أبو الفتن) منذ أن جاء إلى أرض الكنانة وحتى يوم الناس هذا، وهذا الخداع هو محاولاته المستمرة لإظهار باطله في قالب الحق وهى عادة أهل البدع والأهواء في كل زمان ومكان.
5. أمثلة متنوعة من أصحاب أهل البد ع والأهواء لإخراج الباطل الذي يتكلمون به في قالب الحق الذي هم بعيدون عنه.
6. مَن هم الحدَّادِيّة مع ذكر صفاتهم, ومحاولة (أبي الفتن) اتهام أهل السنة من السلفيين بالحدادية .
7. (أبو الفتن) سَلَّ سيفه وامتطى ظهر حماره الهزيل ويحارب طواحين الهواء على قناة النِّقمة...والسلفيون بُرآء من كل ما يرمهم به.
8. توضيح مسألة كتاب (فضل العربية) وما تم نشره في الطبعة الأولى منذ 25 عام وما تم تصحيحه في الطبعة الثانية والثالثة وما هو موجود الآن في الطبعة الرابعة، وأوضح الشيخ أنه هو وحده مَن كشف عن الخطأ واعترف به على المنبر وعلى رؤوس الأشهاد ولم ينكره وكان هذا منذ سنوات.
9. مطالبة (أبي الفتن) أن يفعل مثلما فعل الشيخ، وأن يخرج ويقول: إنه أخطأ في حق الصحابة -رضي الله عنهم- وسبهم وطعن فيهم ويستغفر ربه عما اقترف من ذنب، فهل يفعل ذلك أبو الفتن.
10. أقوال (أبي الفتن) في نبي الله داود -عليه السلام- وبعض والصحابة والطعن فيهم مثل: حسان بن ثابت في حادثة الإفك.
11. الصحابي هو كل مَن لقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآمن به ومات على ذلك ولو تخللته ردة على الصحيح، فمَن ثبت ذلك فهو من أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم-.
12. مطلوب من (أبي الفتن) أن يذكر اسم سلفي من أهل السنة والجماعة على منهاج النبوة, قال برد الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان.
13. الفرق بين الخطأ العارض والخطأ المنهجي مع ذكر أمثلة من أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- مع توضيح الفرق بين ذلة العالم وبدعة المبتدع عند أهل السنة.
14. مطلوب من (أبي الفتن) أن يوضح لنا قاعدة حمل المجمَل على المفصَّل في أقوال (سيد قطب) في أنبياء الله عليهم السلام والصحابة رضي الله عنهم وأقواله في الشريعة.
15. قاعدة (أبي الفتن) ومَن وراءه هي (نصحِّح ولا نهدِم)، وهى إعادة صياغة لقاعدة (التعاون والمعذرة) التي هي من صياغة محمد رشيد رضا، والإخوان من بعده وهى أساس المنهج الأفيح.
16. وقاعدتنا هي ( نصحِّح ونهدِم): نصحح ما يجب أن يُصحَّح، ونهدم ما يجب أن يُهدم وبهذا يستقيم الدين.
17. أقوال أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم وتأسيس قاعدة (نصحِّح ونهدم)، وفعلهم مع صاحب البدعة ومن خالف الرسول صلى الله عليه وسلم.
18- ولأن الدين النصيحة، فهذه نصيحة لـ (أبي الفتن) -وهو من عامة المسلمين- أن يأخذ معه (كُوز سَالَمون!!) وقد وضع فيه قطعة قطنٍ أو صوف قبل الدخول إلى الأستوديو؛ فإذا أردتَ أن تقلبَ الصفحةَ، لا تضع إصبعكَ في فِيكَ؛ لأنها عادةٌ قبيحة، ولكنْ ضع إصبعك في الكوز، ثم اقلب الصفحة، أما أن تُدخل إصبعكَ في فِيكَ مرّات، هذا عيبٌ يا رجل!! الناس يتقززون ويشمئزون!! دعكَ من هذه العادات الطفولية، وعليكَ بالكوز!!
[نقلاً عن صفحة "مجموعة دروس فضيلة الشيخ محمد سعيد الرسلان" على الفيس بوك بتصرفٍ يسيرٍ].

التفريغ

لتحميل التفريغ بصيغة PDF - جاهز للطباعة.

اضغط هنـــا أو اضغط هنـــا.

أو

لتحميل التفريغ بصيغة DOC- للتعديل.
اضغط هنـــا أو اضغط هنـــا.

صورة من ملف التفريغ:


القراءة المباشرة
"إن الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله مِن شرور أنفسنا ومِن سيئات أعمالنا، مَن يهده اللهُ فلا مُضلّ له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102].
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1].
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب:70].
أمّا بَعْدُ؛ فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم-، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أمّا بَعْدُ:
فقد أخرج البخاري في «التاريخ»، ومن طريقه ابن حبان في «التعليقات الحِسان»، والحاكم، والطبراني في «الأوسط» عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَظْهَرَ الفُحْشُ وَالبُخْلُ، ويُخَوَّنَ الأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنَ الخَائِنُ، وَيَهْلِكَ الوُعُولُ، وَتَظْهَرَ التَّحُوتُ». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الوُعُولُ وَما التَّحُوتُ؟ قَالَ: «الوُعُولُ: وجُوهُ النَّاسِ وَأَشْرَافُهُمْ، وَالتَّحُوتُ: الَّذِينَ كَانُوا تَحْتَ أَقْدَامِ النَّاسِ لَا يُعْلَمُ بِهِمْ».
وللحديث مُتابِعٌ قوي أخرجه الطبراني في «الأوسط» من رواية أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: «إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يَظْهَرَ الشُّحُّ، وَالفُحْشُ، وَيُؤْتَمَنَ الخَائِنُ، وَيُخَوَّنَ الأَمِينُ، وَيَظْهَرَ ثِيَابٌ يَلْبَسُهَا نِسَاءٌ عَارِيَاتٌ كَاسِيَاتٌ ، ويَعْلُو التُّحوتُ الوُعُولَ». أَكَذَاكَ يَا عَبْدَ اللهِ بْنَ مَسْعُودٍ سَمِعْتَهُ مِنْ حِبِّي -صلى الله عليه وآله وسلم-؟ قَالَ: نَعَمْ، وَرَبِّ الكَعْبَةِ. قُلْنَا: وَمَا التُّحوتُ؟ قَالَ: «فُسُولُ الرِّجَالِ، وَأَهْلُ البُيُوتِ الغامِضَةِ، يُرْفَعُونَ فَوْقَ صَالِحِيهِمْ. وَالوُعُولُ: أَهْلُ البُيُوتِ الصَّالِحَةِ».
وأخرج أحمد، وابن ماجة، وصححه الألبانيُّ في صحيح سنن ابن ماجة وفي السلسلة الصحيحة عن أبي موسى -رضي الله عنه- أنّ رسولَ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: «إن بين يدي الساعة لهَرْجًا» ، قال: قلتُ: يا رسول الله، وما الهَرْجُ؟ قال: «القتلُ» ، فقال بعض المسلمين: يا رسول الله، إنا نقتل الآن في العام الواحد من المشركين كذا وكذا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «ليس بقتل المشركين، ولكن يقتل بعضكم بعضًا، حتى يقتل الرجل جاره، وابنَ عمه وذا قرابته» ، فقال بعض القوم: يا رسول الله، ومعنا عقولنا ذلك اليوم؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «لا، تُنْزَعُ عقول أكثر ذلك الزمان، ويَخْلُفُ لهم هباءٌ من الناس لا عقولَ لهم». ثم قال أبو موسى -رضي الله عنه-: «وايمُ اللهِ، إني لأظنها مُدْرَكَتِي وإياكم، وايمُ الله، ما لي ولكم منها مخرجٌ، إنْ أدركتنا فيما عهد إلينا نبينا -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن نخرج كما دخلنا فيها».
وأخرج أحمد، وابن ماجة، وصححه الألبانيُّ في السلسلة الصحيحة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ: يُصَدَّقُ فِيهَا الكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ» قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ العَامَّةِ».
وأخرج ابنُ حِبّان في صحيحه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «كَيْفَ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللهِ بن عمرو لو بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ -والحُثالة: الرَّدِيء من كل شيء. يُريدُ: أراذِلَهم- مِنَ النَّاسِ؟»، قَالَ: وَما ذَاكَ ومَا هُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «ذَاكَ إِذَا مَرِجَتْ عهودُهم وأَمَانَاتُهُمْ، وصاروا هَكَذَا»، وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَكَيْفَ بِي يا رسول الله؟ قال: «تعملُ مَا تَعْرِفُ، وَتَدَعُ مَا تُنْكِرُ، وَتَعْمَلُ بِخَاصَّةِ نفسك، وتدعُ عوامَّ الناس».
في النفس البشرية مَثالِبُ خَفِيَّة، تلتوي أحيانًا وتستقيم أحيانًا، وتُظهِر الحقَّ في ثَوب الباطل تارةً، وتُظهِر الباطلَ في ثَوب الحقِّ تارات، ومهما جئتها به من بينة؛ لترشدها رُدَّتْ عليكَ بينتكَ وثُرِّبَ عليكَ.
والحقُّ لا يضيره شيء من ذلك كله، ولا يثنيه عن بلوغ سواء النفوس الكريمة ليحيها الله به كما يُحي الأرضَ المَوات بالحيا الطهور.
أخرج البخاري بسنده عن ابن مسعودٍ -رضي الله عنه- قال: انْشَقَّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ- فِرْقَتَيْنِ: فِرْقَةً فَوْقَ الجَبَلِ، وَفِرْقَةً دُونَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ-: «اشْهَدُوا».
وفي الصحيحين عن أنسٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ القَمَرَ شِقَّتَيْنِ، حَتَّى رَأَوْا حِرَاءً بَيْنَهُمَا».
وقد ذكر السَّعْدِيُّ -رحمه الله- في تفسيره «أنّ النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لما طلبَ منه المكذبون أن يُرِيَهُم من خوارق العادات ما يدل على صحة ما جاء به وصِدْقِه، أشار إلى القمر، فانشق -بإذن الله- فِلْقَتَيْن، إحداهما على جبل أبي قُبَيْس، والأخرى على قُعَيْقِعَان، والمشركون وغيرُهم يشاهدون هذه الآية الكبرى الكائنة في العالم العلوي، التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل.
فشاهدوا أمرًا ما رأوا مثله، بل ولم يسمعوا أنه جرى لأحد من المرسَلين قبله نظيرُه، فانبهروا لذلك، ولكن لم يدخل الإيمان في قلوبهم، ففزعوا إلى بَهْتِهِم وطغيانهم، وقالوا: سحرنا محمد!!».اهـ
فما تُغني الآيات والنُّظُر عن قومٍ لا يُؤمنون.
أخرج أحمد عن ابن عباسٍ -رضي الله عنهما- أنّ رَجُلاً مِنْ بَنِي عَامِرٍ، طلبَ من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنْ يُرِيَهُ الخَاتَمَ الَّذِي بَيْنَ كَتِفَيْه -يعني: خاتم النبوة- وقال الرجلُ العامِريُّ: فَإِنِّي مِنْ أَطَبِّ النَّاسِ -أي: من أعلمهم بالطب-، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وسَلَّمَ-: «أَلا أُرِيكَ آيَةً؟»، قَالَ: بَلَى، قَالَ: «فَنَظَرَ إِلَى نَخْلَةٍ، فَقَالَ: ادْعُ ذَلِكَ العِذْقَ»، قَالَ: فَدَعَاهُ، فَجَاءَ يَنْقُرُ، حَتَّى قَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «ارْجِعْ»، فَرَجَعَ إِلَى مَكَانِهِ.
في رواية الدارميّ: أنّ النبيّ -صلى الله عليه وآله وسلم- استشهدَ النخلة، وقد كانت جاءت إليه فقامت بين يديه تخطُّ الأرضَ خطًّا، فسلّمتْ عليه بالنبوة، واستشهدها فشهدتْ أنه رسولُ الله، وهنا فرجعَ العِذْقُ إلى مكانه، فَقَالَ العَامِرِيُّ: يَا آلَ بَنِي عَامِرٍ، مَا رَأَيْتُ كَاليَوْمِ رَجُلًا أَسْحَرَ!!
الحديثُ صحيحٌ ورجالُه ثقات.
فلم تزده الآياتُ المُبهرة إلا كُفرًا وعِنادًا!!
وقد كانت العربُ مَن يرى السوادَ مُقبلاً فيُمارِي صاحبه فيه هو عَنْزٌ لا محالة، ويقول صاحبه: بل هو طائرٌ له جناحان، فإذا هَيَّجَا السوادَ فطار، قال: (عَنْزٌ ولو طارتْ!!).
والمُساجَلة التي نحن فيها منذ حين مساجلةٌ عجيبة تُغَشِّيها سُحُبٌ سوداء من الخيانة حينًا ومن الكذب حينًا ومن التدليس والخداع في أغلب الأحيان.
والرجل الذي نرد عليه بعضَ تجاوزه وضلاله وطغيانه واعتدائه على أهل السُّنة لا يزيده -ومَن يأزُّه على الأدلة- الأمرُ إلا عِنادًا ومُكابرةً وخداعًا.
وكلُّ صاحب باطلٍ لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالَب الحق: كما أخرجتْ الجهميةُ التعطيلَ في قالب التنزيه..
وكما أخرج المنافقون النفاق في قالب الإحسان والتوفيق والعقل المعيشي..
وأخرج المَكَّاسون أكلَ المكوس في قالب إعانة المجاهدين، وسدِّ الثغور، وعمارة الحصون..
وأخرج الروافض الإلحادَ والكُفر والقدح في سادات الصحابة وحزب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأوليائه وأنصاره في قالب محبة أهل البيت والتعصب لهم وموالاتهم..
وأخرجتِ المُباحِيَّةُ وفَسقةُ المنتسبون إلى الفقر والتصوف بِدَعهم وشطحهم في قالب الفقر والزهد والأحوال والمعارف ومحبة الله ونحو ذلك..
وأخرجتِ الاتحادية أعظمَ الكُفر والإلحاد في قالب التوحيد، وأنّ الوُجودَ واحدٌ لا اثنان وهو اللهُ وحده؛ فليس هاهنا وجودان: خالقٌ ومخلوق، ولا ربٌّ وعبدٌ، بل الوجود كله واحدٌ وهو حقيقة الربِّ..
وأخرجتِ القدريةُ إنكارَ عمومَ قدرة الله -تعالى- على جميع الموجودات: أفعالِها وأعيانها في قالب العدل، وقالوا: لو كان الرب قادرًا على أفعال عباده لَزِمَ أن يكونَ ظالمًا لهم، فأخرجوا تكذيبهم بالقدر في قالب العدل..
وأخرجتِ الجهميةُ جحدهم لصفات كماله -جلّ وعلا- في قالب التوحيد؛ فقالوا: لو كان له -سبحانه- سمعٌ وبصرٌ وقدرةٌ وحياةٌ وإرادةٌ وكلامٌ يقوم به لم يكن واحدًا وكان آلهةً متعددة..
وأخرجتِ الفَسقة والذين يتّبعون الشهوات الفسوقَ والمعاصي في قالب الرجاء وحُسن الظن بالله -تعالى- وعدم إساءة الظن بعفوه، وقالوا: تجنُّب المعاصي والشهوات إزراءٌ بعفو الله -تعالى- وإساءةٌ للظن به ونسبة له إلى خلاف الجُود والكَرم والعفو، كما قال قائلهم:
فكثِّرْ ما استطعتَ من المعاصي
إذا كان القدومُ على كريمِ!!

وأخرجتِ الخوارجُ قتالَ الأئمة والخروج عليهم بالسيف في قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ودفع الظلم ورفع الجَور..
وأخرجتْ أربابُ البدع -جميعهم- بدعهم في قوالبَ متنوعة بحسب تلك البدع..
وأخرجَ المشركون شركهم في قالب التعظيم لله وأنه أجلُّ من أن يُتقرَّب إليه بغير وسائط وشفعاء وآلهةٍ تُقَرِّبهم إليه.
فكلُّ صاحب باطلٍ لا يتمكن من ترويج باطله إلا بإخراجه في قالب حق.
ومَثَلُ الرجل فيما أُراجعه فيه كما لو سألته: كم للإسلام من رُكن؟ فيقول: للأرنبِ أربعُ أرجلٍ!!
فإجاباته هكذا، وفهمه هكذا، وأنا أسأله عن أركان الإسلام لا عن أركان الأرنب!!
وقد لاحظتُ من إطلاقاته ومجازفاته التي يُطلقها على أهل السُّنة من مخالفيه أنه لا يعنيهم في حقيقة الأمر، وما يُطلقه إنما ينطبقُ أو يُشاكِلُ ما يقول به «الحَدَّادِيَّة»، وهؤلاء ليسوا من أهل السُّنة، بل هم حربٌ عليها وعلى أهلها.
ومن صفاتهم: قولُهم بتبديع كل مَن وقع في بدعة!! هذا منهجُ «الحَدَّادِيَّة» لا أحدَ من أهل السُّنة السلفيين يقولُ هذا، هذا يقوله «الحَدَّادِيَّة» الغُلاة.
والرجلُ يتوجه إلى أهل السُّنة بتهم «الحَدَّادِيَّة»: يظلم ويجور، ويعتدي ولا يعدل، فاللهُ حَسِيبُه.
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: قولُهم بتبديع كلِّ مَن وقع في بدعة!!
ومن صفاتهم: تبديعُ مَن لا يُبدِّعُ مَن وقع في بدعة، وعداوته، وحربُه، ويكفي عندهم أنْ تقول: عند فلانٍ أشعرية -مثلاً- أو هو أشعريّ ..
هذا لا يكفي عندهم، لا يكفي عندهم أنْ تقولَ هذا، بل لابد أنْ تقولَ: مبتدع!! وإلا فالحربُ والهجرانُ والتبديع لكَ -إنْ لم تقله-!!
مَن مِن أهل السُّنة السلفيين الأقحاح يقول بمثل هذه الفِرَى حتى تُوجه أمثالُ هذه التهم إلى السلفيين الخُلَّص جَورًا وظلمًا وعدوانًا وتشهيرًا ونكايةً وانتقاصًا؟!!
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يُحرِّمون الترحمَ على أهل البدع بإطلاقٍ، لا فرْقَ بين رافضي وقدري وجهمي، وبين عالمٍ وقع في بدعة!! هذا من صفات «الحَدَّادِيَّة».
ومن صفاتهم: أنهم يُبدعون مَن يترحم على مثل أبي حنيفة، والشوكانيّ، وابن الجوزي، وابن حجر، والنووي!!
مَن مِن السلفيين قال هذا؟!!
إنما يقوله «الحَدَّادِيَّة».
ويأتي هذا الوافدٌ من الكهوف والغِيران؛ ليُلطِّخَ صفحة السلفيين بما هم منه بُرَآء، ويفتري الكذب وهو يعلم -أو لا يعلم؛ فليعلمْ، ولننظر بعدُ ما يكون-.
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يُبدِّعون مَن يترحم على مثل أبي حنيفة، والشوكاني، وابن الجوزي، وابن حجر، والنووي -عليهم رحمةُ الله-.
ومن صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يُعادون السلفيين معاداةً شديدةً، ومهما بذلوا من الجهود في الدعوة إلى السلفية والذب عنها، ومهما اجتهدوا في مقاومة البدع والحزبيات والضلالات؛ فإنهم يعتدون عليهم، وأنهم -أعني: «الحَدَّادِيَّة»- يلعنون المُعَيَّنَ!! حتى إنّ بعضَهم يلعنُ أبا حنيفة!! وبعضَهم يُكفِّره!! -عليه رحمةُ الله-.
من صفات «الحَدَّادِيَّة»: أنهم يتميزون بالكِبر والعناد وردِّ الحق كسائر الغُلاة من أهل البدع، وهم يمتازون باللعن والجفاء والإرهاب حتى إنهم يعتدون على السلفيين اعتداءًا ماديًا، ولو استطاعوا قتلهم لفعلوا!!
فمن كلام «أبي الفتن» أميلُ إلى أنه يريد هؤلاء بحملته التي سَلَّ لها سيفه، وشهرَ فيها رُمْحَه، وامتطى فيها ظهرَ حِماره الهزيل، وراح يصول ويجول في قناة «النِّقْمَة» يُحارب طواحين الهواء!!
والسلفيون بُرآء من كل ما يرميهم به، ولا يعود عليهم من هُرائه وهذيانه شيء.
ولعل مما يُؤيد ما ذهبتُ إليه من أنه إنما يريد «الحَدَّادِيَّة»، فيأتي بالحملة عليهم؛ تشهيرًا بالسلفيين وحَطًا عليهم .. مما يُؤيد ذلك ما تورط فيه من الخيانة والمكر عندما يَمَّمَ وجهه شَطر مواقع «الحَدَّادِيَّة» ليأتي بالطبعة الأولى من «فضل العربية»، وليقوم بحركةٍ استعراضية تمثيلية؛ ليُرِيَ المشاهدين ما وقع عليه من قاصمة الظهر!!
والطبعة المُومَى إليها كانت منذ قرابة ربع قرن!!، وكنتُ نقلتُ فيها بعضَ نقلٍ عن «سيد قطب» وغيرِه، ثم انتبهتُ لذلك فحذفته من الطبعة الثانية، ثم طُبع الكتابُ بدون ذلك طبعةً ثالثة، وقد خلا مما شابه في الطبعة الثانية وطُبع مرةً ثالثة، وصُوِّرَ من الثانية والثالثة مرات -ولله الحمدُ والمنة- ثم أعدتُ كتابته وصياغته -جملةً- في الطبعة الرابعة، وهي بين أيدي الناس التي عاد إليها يتقممُ كالذباب يقع على العَقِير، كانت منذ رُبْع قرن!! ثم حُذفَ منها ما كان وجَدَّ أمرٌ..
ما وقع من نَقْلٍ في الطبعة الأولى لم يقع عليه سواي، لم يلتفت إليه أحدٌ، ولم يُخَطِّئني به أحدٌ، أنا الذي دللتُ عليه ونبّهتُ إليه على هذا المنبر مُحذِّرًا منه ومن الغفلة عن فحوى الكلام عند نقله؛ اغترارًا بالأسلوب الأدبيّ أو حُسْن الصياغة والأداء.
أنا الذي لفتُّ إليه الأنظارَ، وضربتُ بنفسي المثالَ، وقلتُ: وقد وقع ذلك مني اغترارًا بالأسلوب، أو غفلةً عند النقل، أو جهلاً مني!!
لقد قررتُ ذلك على المنبر وعلى رؤوس الأشهاد عند الكلام عند بعض مخالفات «سيد قطب»، وأنا أردُّ عليه، وكلامي في ذلك محفوظٌ، والنصُّ المكتوبُ غيرُ محفوظ، فكأني أُحيلُ حين أُحيلُ على معدوم، وما منعني ذلك من الإعلام به على المنبر، وبمسمعٍ من الناس، وقد كان هذا منذ سنوات.
أفمن دين الله -تعالى- أو من الإنصاف الذي يدّعيه «أبو الفتن» وحزبُه أنْ تذهبَ تتقمم مراحيض الشبكة العنكبوتية؛ لتأتي برجيع «الحَدَّادِيَّة» وقَيئهم، وعندكَ ما يُغنيكَ مما كتبتُ وقلتُ؟!!
أليست هذه خيانة؟! يتنزه عنها المسلمُ، ويرتفعُ عند رمي مسلمٍ بما ليس فيه حتى لا يردَ رَدْغَةَ الخَبال.
ثم ما تأسيسك على باطلك الذي ادّعيتَ من مثل قولك: وماذا كانت حالُك قبل ذلك؟ وما كانت صفتك؟ إلى آخر هذيانه! وهرائه! وتخريفه!
أما واللهِ لو فعلتُ فِعلكَ لجعلتكَ تتقلبُ على أمثال الإبَر!! ولكني أتقي اللهَ فيك وإنْ رميتني والسلفيين الخُلَّص بما فيك تارة، وبصفات «الحَدَّادِيَّة» تارةً أخرى، والله -عز وجل- هو المسئول أن يعاملك بعدله.
ثم ماذا كان فيما صنعتُ في فترةٍ من فترات الطلب، هل عليّ من بأس؟! هل عليّ من تثريبٍ أو مَلامٍ؟! ما الذي كان؟! ألم يقل شيخُ الإسلام في (توحيد الربوبية) من «مجموع الفتاوى»: «إنه كان يُحسنُ الظنَّ بابن عربيّ!! في بداية الطلب، وأنهم -هو ورفاقه- كانوا يجتمعون على قراءة كُتب ابن عربيّ». قال: «حتى عرفنا حاله». وهو شيخُ الإسلام -رحمه الله-.
فكان ماذا؟!
لقد صار شيخُ الإسلام إلى رميه بعد بالزندقة!! ووصَفه بما فيه، فلماذا تَشْغَبُ هذا الشَّغْب الإعلامي الحقير!!
إنكَ لا تُنصر على مخالفك بمثل هذا الخداع، بل ينصره الله عليكَ بمعاصيكَ وتهوركَ، فلماذا لا تتقي الله فيما تقول وتعمل؟!
ليتكَ فعلتَ مثلي عندما أعلنتُ على رؤوس الأشهاد عن أمرٍ وقعتُ فيه وهو خَفِيّ، وقلتُ: «وقعَ ذلك اغترارًا بالأسلوب، أو غفلةً لحُسن الصياغة، أو وقع ذلك جهلاً مني»، وما يَضيرني؟!! ومَن المعصوم بعد محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم-؟!
فليتكَ فعلتَ مثلي عندما تورطتَ في سب الصحابة ووصفهم بالغُثائية، وقلتَ في «حَسّان»، و«أبي سعيدٍ»، و«أسامة» ما قلتَ، بل ولمزتَ «داود»!! وجعلته على العَجْلَة المذمومة مثالاً!!
ولستُ أدري لماذا تجعل الصحابة -رضي الله عنهم- وحدهم غَرَضًا؟!!
إذا ذكرتَ بدانةَ «محمد بن الحسن» لم تجد أمامكَ إلا عليًا!! -رضي الله عنه- لتقول: هو البَطِينُ الأصلع!!
يا رجل ما الذي يُلْجئكَ إلى هذا؟! وما الذي يحملكَ عليه؟! ولماذا يهون عندك قدرُ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تتخذهم غرضًا، ولمَ لمْ تضرب المثلَ للبَطِين الأصلع بنفسكَ؟!
لماذا تذكر هذا هنا؟! وما الداعي إليه؟! هل عندما تتراجعُ على الهواء مباشرةً عن قولكَ في الصحابة تلتف حول تراجعك مرةً أخرى، وتذكر «عِياضًا» وتتفلسف!!
قلْ: أخطأتُ في حق الصحابة، وأتوب إلى الله وأستغفره، ورضي الله -تبارك وتعالى- عنهم، ولا تزدْ حرفًا!!
أما أن يقول: قلتُ: إنّ فيهم «غُثائية» وأنا تراجعتُ عن ذلك، ثم يعود فيقول: ولكنّ «عِياضًا» قال: غُثاء!
لا يُغني عنك هذا شيئًا.
ثم ها أنتَ ذا تعيدُ الأمر مرةً أخرى إلى ساحة الصحابة؛ فتضرب الأمثالَ: وكانوا في «حُنَيْنٍ» حديثي عهدٍ بكُفر، وكذا وكذا .. يقول: و«الغثائية»، سبحانَ الله!!
تعريفُ الصحابي: هو مَن لقي النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مُؤمنًا به ومات على ذلك ولو تخللته ردةٌ على الصحيح؛ فكلُّ مَن لقي النبي -لا أبصره، فبعضُ الصحابة كان لا يُبصر، ولا كلّمه، فلا يُشترط أن يكلّمه، ولا أن يسمعَ منه، ولكن لَقِيَه كالذين كانوا معه في حَجة الوداع- كلُّ مَن لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مُؤمنًا به ومات على ذلك ولو تخللته ردةٌ على الصحيح، هذا تعريفُ الصحابيّ.
فمَن ثبتَ ذلك له فهو من أصحاب رسول الله.
وهذا حَرَمٌ مَصونٌ، إياكَ ثم إياكَ أن تعتدي على هذه الحَرَم المصون، وليسوا بمعصومين، ولكن نُعَذِّرهم، ونُوَقِّرهم، ونُقِّدرهم، ونسكت عما شجر بينهم، ولا نذيعه، ولا نضرب بهم الأمثال!!
هذا لا يجوز كما سترى في قول الرجل في أمر «حَسّان» -رضوان الله عليه-.
لماذا تُجرِّئ الناس على خير الناس بعد الأنبياء والمرسلين؟!
بل عاد المتراجعُ عن سب الصحابة، ولمْز نبي الله «داود» إلى التورط مرةً أخرى في سب الصحابة عند سَوق أدلته الفاشلة على رد المُجمل على المُفصل عندما ذكر عائشة -رضي الله عنها- وحادثةَ الإفك، وما وقع من «حَسّانٍ» -رضي الله عنه-، فقال: «وكان الذي تولّى كِبْرَهُ «حَسّانًا»!!
لا، الذي تولّى كِبْرَهُ «عبدالله بن أُبيّ بن سَلول» شيخُ المنافقين غيرَ مُدَافَع، ليس بـ «حَسّان» -رضوان الله عليه- .. والذي تولّى كِبْرَه، ولا هو الذي تَبِعَ المنافقين، وإنما وقع ما وقع في حِجْر التربية في حِجْر رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وانتهى الأمر.
أفيجوزُ لمسلمٍ أن يقولَ: إنّ الذي تولّى كِبْرَهُ في الإفك هو «حسّان بن ثابت»؟!!
الذي تولّى كِبْرَهُ شيخُ المنافقين، فكيف نستبدلُ هذا الاستبدال؟!، وكيف نَذِلُّ هذه الذَّلَّة؟!! أقولُ: كَبُرَتْ كلمةً تخرج من فيكَ!! ألا تدري ما يخرجُ من رأسك؟!!
ومع هذا فلو حُلِّفتُ بين الرُّكن والمقام على أنكَ ما أردتَ انتقاصًا للصحابة ولا حَطًّا من قدرهم لحلفتُ!! لأني أعلمُ أنّ لسانكَ أطولُ من عقلكَ!! فلذلك أَعْذُرُكَ.
يا «أبا الفتن» إنكَ تجعل المُتَخَيَّلَ في ذهنك محلاً للنزاع، ثم تسوق الأدلة المتكاثرة على ما تعتقده فيما تخيلته!!
إذا قلنا لكَ: هذا في غير موطن النزاع ضججتَ!!
مَن من السلفيين نازعكَ في أنّ الحقَّ لا يُؤخذ ممن جاء به كائنًا مَن كان .. سَمِّ لنا سلفيًا يقول: إنه لا يقبل الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان، لا يقول ذلك سلفيّ، وكيف يقوله وهو يروي حديثَ رسول الله: «الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ».
(بَطَرُ الحَقِّ): ردُّه .. دَفْعُه على مَن جاء به، لوضاعة شأنه أو لصغر سنِّه أو لرِّقة حاله أو لرَثاثة ثيابه أو لبغضه، فمَن فَعَل؛ فالنار!!
«لَا يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ»، ثم عرَّف الكِبرَ، فقال: «الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ»، فكيف يفعلُ ذلك أهلُ السُّنة؟!
مَن منهم قال: إنّ الحقَ يُردُّ على مَن جاء به، وإنه لا يُقبل ممن جاء به كائنًا مَن كان؟!! لمَ هذه البهتان؟!!
هذا أمرٌ مُسَلَّمٌ، لكنك أبعدتَ النَّجْعَة، ورحتَ تُكثر من النقل في غير موضع..
الرجلُ يُقرر القاعدة، يصوغُ الاتهام كالمحامي الفاشل يُدَبِّجُ عريضة اتهامٍ: هؤلاء يقولون: إنّ الرجلَ إذا تلبّسَ بالبدعة أو تلبستْ به فهو مبتدعٌ قولاً واحدًا، فمَن لم يُبدعه بدَّعوه، ومَن لم يُبدِّع مَن لم يُبدِّعه بدَّعوه.
تتهم مَن؟! مَن قال هذا من السلفيين الخُلَّص؟!!
ويأتي بالأدلة ..
نقول له: في غير موضعها!!؛ لأنه لا محل للنزاع أصلاً، هذا أمرٌ مُسَلَّمٌ، كهذا الذي قال من أنهم لا يقبلون الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان، ثم يَرُوح يأتي بالأدلة المتكاثرة على أنّ الحقَّ يُقبَلُ ممن جاء به، ولم يُنازعه في هذا مُنازِع!!
فنقول له: أتعبتَ نفسكَ!! وعَنَّيتَها في غير طائل، ولكنْ سَمِّ لنا من السلفيين الخُلَّص، من أهل السُّنة والجماعة على منهاج النبوة مَن يقول: إنه لا يقبل الحق ممن جاء به .. كيف؟!
ولكنْ هم يفهمون ما يأخذون وما يدعون، ويعرفون متى يأخذون ومتى يدعون، وهم الذين يُعْمِلُون القواعد الشرعية المرعية على أصولها السُّنية السلفية: لا يُهَوِّشُون، ولا يرتجلون، وإنما هم منضبطون.
مَن من السلفيين -يعرفه هذا الرجل- قال: إنّ كل مَن أخطأ خطئًا سقطَ وتُرِكَ!! .. مَن؟!
لا نعرفُ من السلفيين الخُلَّص أحدًا قال هذا، بل هم يقولون ضده، ويُحذِّرون من هذا الكلام في أشرطتهم ورسائلهم .. هذا يتهم مَن؟! ويتكلم عن مَن؟! ويفتري على مَن؟! ويكذبُ على مَن؟!
مَن أخطأ خطئًا سقطَ وتُركَ!! .. هذا يقوله «الحَدَّادِيّة» وغيرُهم من الغُلاة، وأهل السُّنة منهم بُرآء.
بل إنّ أهلَ السُّنة والجماعة، بل إنّ السلفيين على منهاج النبوة يُعانون من أولئك «الحَدَّادِيّة» ما لا يُتصور من: العَنَتِ، والطيش، والزيغ .. وفي هذا مَشابِهُ منهم، فاللهُ حسيبهم جميعًا يعاملهم بعدله، وهو على كل شيءٍ قديرٍ.
أهلُ السُّنة لا يقولون: إنّ مَن أخطأ خطئًا سقطَ وتُركَ، ولكنْ أهلُ السُّنة يُفرِّقون بين الخطإ العارض والخطإ المنهجيّ .. ولعلكَ لا تدري هذا ولا تعلمه!!
أخرجُ البخاري في «صحيحه» عن الصحابيّ وحالِه المُلَقَّب بـ «حِمار» واسمه عبدالله أنه كان يشربُ الخمرَ، فيُؤتى به إلى النبيّ، فيأمرُ النبي -صلى الله عليه وسلم- بضربه، قال راوي الحديث: فمنّا الضاربُ بيده، ومنّا الضاربُ بثوبه، ومنّا الضاربُ بنعله، في حضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-.. ينصرف، يُؤتى به مرةً أخرى شاربًا؛ فيُضرب، وثالثة فيُضرب حتى قال قائلٌ في مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- لما كَثُرَ المجيءُ به: لعنكَ الله!! ما أكثرَ ما يُؤتى بكَ!!
فقال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تلعنهُ، إنّه يحبُّ اللهَ ورسولَه»، وفي رواية: «لا تُعِنْ الشيطانَ على أخيكَ».
هذا خطأٌ عارِضٌ: غلبةُ هوى بنزغِ شيطانٍ، فوقع المرءُ في مثل هذا .. يتوبُ منه.
هذا خطأٌ عارِضٌ، هذه معصيةٌ ليست ببدعة، ومُقِرٌّ بحرمة الخمر، ومُقِرٌ بمضارها ونفسه تغلبه عليها، قال: «هو يحبُّ اللهَ ورسولَه»، ولعلها لم تُقل لمَن لعنه!!
فهذا الشاربُ وقعَ في خطإٍ عارِضٍ.
وأما الخطأ المنهجيُّ؛ فانظر إلى كلام النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في وصف (الخوارج): «يحقرُ أحدُكم صلاته مع صلاتهم، وتلاوته مع تلاوتهم، عبادته مع عبادتهم، يقرؤون القرآنَ لا يُجاوِز تَرَاقِيَهُم -وفي روايةٍ: حناجرهم- يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة».
ويقول رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: «هم كلابُ النار، وهم شرُّ قتلى تحت أديم السماء، وخيرُ قتيلٍ تحت أديم السماء مَن قتلوه، ولئن أدركتهم لأقتلنهم قَتْلَ عَادٍ».
هذا -كلُّه- وأكثرُ منه في (الخوارج)!!
هذا يأتي شاربًا الخمرَ، وهؤلاء يحقر الصحابةُ عبادتهم مع عبادتهم، وهذا يحبُّ اللهَ ورسولَه، لا تُعِنِ الشيطانَ على أخيكَ، وهؤلاء كلابُ النار!!
لمَ؟!!
هذا خطأٌ عارِضٌ .. وهذا خطأٌ منهجيّ، هذه بدعةٌ عقدية، سيؤول أمرهم إلى تكفير المسلمين ووضع السيف في أجساد المسلمين وإراقة دماء المسلمين، إلى غير ذلك من الفتن والمِحَن والإحَن.
هذا خطأٌ منهجيّ .. مع كثرة العبادة!! لم تنفعهم عبادتهم!! وإنما نُظر إلى ما يأتون به، ولم يقل -هاهنا-: نوازنُ بين ما هم عليه من هذه العبادة العظيمة التي يحقر الصحابة عبادتهم معها، وهذا الذي أتوا به وإنما هو هكذا، مُهْدَرَةٌ عباداتهم: يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة .. كلابُ النار .. شرُّ قتلى تحت أديم السماء.
وكذلك ما قال ابن عمر -رضي الله عنهما- في شأن (القدرية) الذين قالوا: إنّ الأمرُ أُنُف، وإنّه لا قَدر، فقال: «إذا لقيتَ هؤلاء فأخبرهم أني بريءٌ منهم وأنهم بُرآء مني، والذي يحلفُ به ابن عمر لو كان لأحدهم مِثْلُ أُحُدٍ ذهبًا، فأنفقه في سبيل الله ما تُقبِّلَ منه حتى يُؤمنَ بالقدر».
مع أنهم -كما وصفهم راوي الحديث-: «يتقفَّرُون العِلم»: يجمعونه .. يتدارسونه .. يعكفون عليه، فهل نفعهم؟!! لم ينفعهم في شيء!!
ولم يُوازِن ابن عمر -رضوان الله عليهما- يقول: لابد من رعاية حالهم!!، هم يجمعون العِلم والسُّنن، فيُنظر في بدعتهم؛ فَتُمَرَّر .. ولكنْ بريءٌ منهم!! وهم بُرآءُ مني!!
لماذا يُهَوِّلُ هذا الرجل، ويرمي الناسَ بما ليس فيهم؟!
الرجلُ يُقرر القاعدة المُقرَّرة عند غيره، فيُعيدُ تقريرها ويفترضُ أنّ مخالفه لا يقولُ بها، ثم يذهب يجمع النصوصَ ويجمع، والناسُ يرثون له! وإذا فرغَ قالوا له: هذا في غير موطن النزاع! فقد ذهبَ مجهودكَ هَدَرًا! لأنه لا نزاعَ فيما تدّعيه نزاعًا أصلاً.
إنّ السلفيين يا «أبا الفتن» يُفرِّقون بين الخطإ العارِض والخطإ المنهجيّ، ويعرفون ذلّةَ العالِم إذا ذَلَّ؛ فيُفرِّقون بين ذلّةَ العالِم وبدعة المُبتدِع، وأنتَ تجعلهما سواءً!! غَشَّى الحقدُ على عين بصيرتك فطمسها؛ فأنتَ تخبطُ في باديةٍ من ظنونك خبْطَ عشواء، بل خبْط عمياء.
وأهلُ السُّنة يعرفون إطلاقات العلماء، وهو ما تُسميه أنتَ بالمُجمَل، ويُراعون تلك الإطلاقات بشروطها وقواعدها، ولا يمنعون من جمع كلام العالِم الذي فيه احتمالٌ وإشكالٌ إلى كلامه الآخَر ليتبيّن بالكلام الآخَر: هل القائلُ يسير فيهما على وَتيرةٍ واحدةٍ؟ أم أنّ كلامَه الآخَرَ مناقضٌ للأول؟
فهذا الجَمْعُ بين أقوال العالِم الواحد، المقصودُ منه: أنْ يتبين هل هو ممن مشى مع الحق والأدلة في الموضعين؟ فَتُعرَفُ نزاهته .. أو يُتبين مَيلُه في أحدهما، فيُدان بذلك المَيل.
أما حملُ المُطلَق على المُقيَّد، وحملُ المُجمَل على المُبيَّن، وحملُ العام على الخاص، فلا يكونُ إلا في كلام الله -تعالى- أو كلام المعصوم -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ لأنّ كلامَ الله، وكلامَ رسوله لا يتحول، ولا يتغير إلا بالنسخ في زمن نزول الوحي.
ومع ذلك لقد أنصفتُكَ، وقلتُ لكَ: إنكَ تحملُ مُجمَل كلام «سيد قطب» على مُفصَّله .. حَسَنٌ، فبيِّنْ لنا كيف يكون الحَمْلُ في: تفسير سورة الإخلاص بعقيدة أصحاب وَحدَة الوجود!! وأنّ «سيدًا» كفّر أمّة محمدٍ -صلى الله عليه وآله وسلم- في مُقدِّمة تفسير سورة الحِجر، فقال: «إنه ليس على وجه الأرض -اليومَ- دولةٌ مُسلِمة!!، ولا مجتمعٌ مُسلِم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلاميّ».
وأنه وصفَ موسى بأنه: «رجلٌ عصبي المزاج!!». وهذا تنقُّص لرسولٍ من أولي العزم من الرسل.
وغَمَزَ داودَ وسُليمان في أخلاقهما برميهما بالسَّوءة الأخلاقية: «وأما سليمانُ فهو ابنُ داود الذي كانت فتنته في امرأة!!».
أجرِ لنا القاعدة، فإنّا -واللهِ الذي رفعَ السماءَ بلا عمدٍ- نُحبُّ تبرئة «سيد قطب» مما تورط فيه، ولكنْ أرنا.
وأنه تكلم عن جماعةٍ من الصحابة، منهم عثمان، ومنهم أبوسفيان، ومعاوية، وعمرو، ومنهم هِند بنت عُتْبَة، قال فيها قولاً فاحِشًا!!
فأجرِ لنا المُجمَلَ على المُفصَّلِ من كلامه، وأخرِجه من ورطته يا رجل!!
وكذلك فيما وقع منه من السب، بل والتكفير لبعض الصحابة!! -رضوان الله عليهم-، كما وقع لأبي سفيان، فقال: «وما أسلمَ ذلك الرجلُ يومًا!! إنما إسلامُه إسلامُ الشَّفَةِ واللسان، لا إسلامُ القلب والجَنان!!».
هلاّ شققتَ عن قلبه!!
وأنّ «سيدًا» ميّع الصفات في كل مكانٍ وُجدت فيه صفةٌ من صفات الله في كتابه -جل وعلا-، وفسّر الاستواءَ بالهيمنة!! والعرشَ على أنه كناية عن العظمة والسيطرة!! والميزان إنما هو كنايةٌ عن إقامة العدل يوم القيامة!!
احملْ لنا هذا المُجمَل على المُفصَّل؛ لتخرجَ الأمّة من هذا الخلاف الناشب بين أبنائها ما دام الحلُّ عندكَ!! وإلا فإنّ الإثم يُحيط بك على كتمان ما عندكَ من العِلم..
أجرِ لنا هذا، فإنّ كان أخطأ فقل: أخطأ، واحذروا خطأه، وإنْ كان أصاب بحمل المُجمَل على المُفصَّل، فبيِّنْ لنا ذلك.
وكذلك ما كان من قول «سيد»: «ولابد للإسلام أنْ يحكمَ؛ لأنه العقيدة الوحيدة الإيجابية الإنشائية التي تصوغُ من المسيحية والشيوعية معًا مزيجًا كاملاً يتضمن أهدافهما جميعًا، ويزيد عليهما التوازنَ والتناسقَ والاعتدالَ!!».
أهذا يُقال في حق شريعة الإسلام؟!!
وجعلَ مساجد المسلمين معابدَ جاهلية، ولم يستثنِ منها شيئًا!!
فأجرِ القاعدةَ على كلام الرجل، ونحن نقبلُ منكَ ما جئتَ به، إنْ كان حقًا فنحن نقبلُ الحق ممن جاء به كائنًا مَن كان شريطةَ أن يكون حقًا، ولا نقول: نقبلُ الحقَّ من الشيطان!! كما يقول بعضُهم في فضل آية الكُرسيّ لما قال الشيطان لأبي هريرة ثالِثَ ليلةٍ: أطلقني أُعَلِّمُكَ كلماتٍ: اقرأ آية الكرسي إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ وإذا أخذتَ مضجعكَ، لا يزالُ عليكَ من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطان..
فقال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: «صدَقكَ وهو كذوبٌ»، فأخذناها من النبيّ، لا من الشيطان، إنما نأخذها من رسول الله، لولا أنه اعتمدها ما قبلناها، أيكونُ سندنا عاليًا إلى الشيطان الرجيم؟!! ما هذا الهُراء!!
أسألُ اللهَ أنْ يُرشدنا إلى الحق والصواب، وصلّى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الخُطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له هو يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- صلاةً وسلامًا دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بَعْدُ:
فقد أسلفتُ القولَ عما يحدثُ من الخيانة والمسخ بشأن تراث علمائنا وعلى رأسهم شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في قناة «النِّقْمَة» وعلى يدي «أبي الفتن»، والخيانةُ عندهم طبقاتٌ فوقَها طبقات، ظلماتٌ بعضها فوق بعض كما صنعَ في «فضل العربية» فيما أسلفتُ من كلامٍ راح يتقمَّم ما هنالك في مراحيض الشبكة العنكبوتية؛ فأتى بما أتى به مما يتعلق بـ «فضل العربية» في الطبعة الأولى منذ ربع قرنٍ أو حولَ ذلك.
وأما قاعدته المُحدَثة: «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم»، فهي إعادةُ صياغةٍ لقاعدة «التعاون والمعذِرة»: (نجتمع فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه).
«نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم» إعادةُ صياغةٍ لهذه القاعدة، وقاعدة «التعاون والمعذرة» من صياغة «محمد رشيد رضا»، وقد سمَّاها بقاعدة «المنار الذهبية»، وقد شَهِدَ «رشيد رضا» أنه تلقى تلك القاعدة عن شيخيه: «الأفغانيّ»، و«محمد عبده»، تلقتها بعد ذلك «الإخوانُ»؛ فصارتْ لهم منهجًا.
وهي قاعدةٌ ناسفةٌ لـ (الولاء والبراء)، مُمررةٌ لكل بدعةٍ ومُحدَثة .. يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه!! .. من توحيد الألوهية، من توحيد الأسماء والصفات، من توحيد الربوبية، من قواعد وأصول السلف والسلفية!! يعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه.
فقاعدته «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم» إعادةُ صياغةٍ لتلك القاعدة، وهي الأساسُ الذي بنا فوقه «المنهجَ الأفيح»!!
جاء فصاغها صياغةً فاشلةً، وراح يتساءل: إذا كانت خطئًا فهل نَهْدِمُ فقط؟! أو هل نُصَحِّحُ فقط؟!
إذا كانت خطئًا -يقول- فخبِّرونا ما هي القاعدة؟
نعم، سنُخَبِّركَ -إنْ شاء الله-..
القاعدةُ -بعد التصحيح، وإزالة ما فيها من مداخل أهل البدع، والإحداث، والإفساد في الأرض- «نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ».
قاعدته «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم»، والصوابُ «نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ»: نُصَحِّحُ ما يُصَحَّح، ونَهْدِمُ ما يجب أنْ يُهْدَمَ، الدَّمَ .. الدَّمَ، والهَدْمَ .. الهَدْمَ، بهذا يستقيمُ الدين، وتستقيم في يديكَ أقوالُ العلماء ولا تتناقض.
فقد يُصحِّح العالِمُ قولاً أو رأيًا كما قال ابنُ القيِّم عن «الشِّبْلِيّ» بقولٍ أصابَ فيه -للهِ دَرُّه-، ولكنه يصفه بما فيه، ويهدِم ما شيَّد من بدعة «الحلول والاتحاد»؛ فصحَّح وهدم، بهذا يستقيمُ الأمرَ، ولا تلتوي عليكَ أقوالُ العلماء وتضطربُ في يديكَ، وإذا جمعتَ أقوالهم استقامتْ معكَ.
«نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ» .. ما قَبِلَ التصحيحَ صَحَّحْناه ونقبل الحق من كل أحدٍ كائنًا مَن كان.
«نُصَحِّحُ ونَهْدِمُ» .. ما يستحق الهدمَ، ألم يهدم رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قواعدَ الشرك وينسفها نسفًا؟! ألم يهدِم مُوَاضَعَات أهل الجاهلية؟! ألم يزلها إزالةً؛ ليؤسسَ الدين الحق على أساس التوحيد والاتباع؟!
نُصَحِّحُ ما يُصحح، ونَهْدِمُ ما يجبُ أنْ يُهدَم، بهذا تستقيمُ القاعدة، وأما «نُصَحِّحُ ولا نَهْدِم» فهذه إعادةُ صياغةٍ لقاعدة «التعاون والمعذرة»، وهي البابُ المفتوح على مصراعيه لكل صاحب بدعة!!
«نُصَحِّحُ ونَهْدَمُ» .. كذلكَ فَعل «رشيد رضا»، وتابعه الشيخُ «ابن باز» -رحمه الله- وهو يُصحِّح قول النصراني في تعدد الزوجات، ويقول: للهِ دَرُّه!! ولكنْ هل الشيخُ «ابن باز» لا يهدِم كُفر هذا الرجل وباطلَه؟! هل يهدِم كُفره أو لا يهدِمه؟! هو يُصحِّح الصحيح ويهدِم ما يستحق الهَدْمَ، فبهذا تستقيم القاعدة، وتتم الإجابة عن السؤال.
يقول: فَخَبِّرُونا ما هي القاعدة؟! هل نُصحِّح فقط؟! أو نهدِم فقط؟!
لا، نُصحح ونهدِم: نُصحح ما يجب تصحيحه، ونهدِم ما يجب هدمه، هذا هو دينُ الله، وهذا ما نطالبكَ به في آثار وتراث وأقوال مَن تمدحهم وتدافع عنهم.
هيا بيِّنْ لنا الصحيحَ لنُصححه، وبيِّنْ لنا ما دونه لنهدمه.
ولتدعِ الإجمالَ، ولا تتبَّعه مُراوغةً أو عجزًا، ولا تقل: الإجابةُ السكوتُ .. لا، أنتَ وضعتَ قاعدةً، طبِّقها، وبالتطبيق يتبيّن الحال -ليس بالمقال- وإنما بالتطبيق يتبيّن الحال، طبِّقْ لنا القواعد .. قل لنا: كيف نحمل المُجمَل على المُفصَّل في مثل هذا الكلام عن «سيِّد قطب» خاصة؟!
فإنْ فعلتَ فواللهِ إنها لمَكْرُمَة، يبقى لكَ على الدهر أثرُها، ولكنْ هيهات، هيهات ثم هيهات، أتزنُ الحديدَ بالهباء؟!! أتزنُ الجبالَ بالذَّرِّ؟!! فأنَّى لكَ!
والآن، انظرْ إلى أقوال أصحاب رسول الله ومَن تبعهم بإحسان: عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- حدَّثَ بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تمنعوا النساءَ من الخروج إلى المساجد بالليل»، فقال ابنٌ لعبدالله بن عمر: لا ندعهنّ يخرجنّ فيتَّخذنه دَغَلاً، قال: فَزَبَرَهُ ابنُ عمر، وقال: أقول: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، وتقول: لا ندعهنّ!!
وفي رواية: «لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها»، قال: فقال بلال بن عبدالله: واللهِ لنمنعهنّ!! فأقبلَ عليه عبدالله يسبه، فسبه سبًا سيئًا ما سمعته سبَّه مثله قط، وقال: أُخبركَ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول: واللهِ لنمنعهنّ!! والحديثُ عند مُسلمٍ في «الصحيح».
وقد أُخذَ من إنكار عبدالله على ولده، ما يقول الحافظُ في «الفتح»: «تَأْدِيبُ المُعْتَرِضِ عَلَى السُّنَنِ بِرَأْيِهِ وَعَلَى العَالِمِ بِهَوَاهُ وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ وَلَدَهُ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا إِذَا تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَنْبَغِي لَهُ وَجَوَازُ التَّأْدِيبِ بِالهِجْرَانِ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَمَا كَلَّمَهُ عَبْدُ اللهِ حَتَّى مَاتَ». اهـ
وهذا عَبْدُ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ، فَقَالَ: لاَ تَخْذِفْ، فَإِنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الخَذْفِ، أَوْ كَانَ يَكْرَهَه، وَقَالَ: «إِنَّهُ لاَ يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلاَ يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ، وَلَكِنَّهَا تَكْسِرُ السِّنَّ، وَتَفْقَأُ العَيْنَ» ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ، فَقَالَ: أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ نَهَى عَنِ الخَذْفِ أَوْ كَرِهَه، وَأَنْتَ تَخْذِفُ، لاَ أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا. اهـ، والحديثُ في الصحيحين.
قيلَ لأحمد -الإمام، رحمةُ الله عليه-: إنّ ابن أبي قُتَيْلَة يقول عن أهل الحديث: إنهم قومٌ لا خيرَ فيهم، أو قال: هم قوم سوء، فقام الإمامُ أحمد، وجعل ينفض ثوبَه ويقول: «زنديقُ، زنديقُ، زنديقُ».
لأنّ الرجل قال: أهلُ الحديث لا خيرَ فيهم، أهلُ الحديث قومُ سوء.
لما عُرض كتابُ «المدلِّسين» للحسين بن علي الكرابيسيّ على الإمام أحمد وهو لا يدري مَن ألّفه، وكان فيه الطعنُ على الأعمش والنصرة للحسن بن صالح، وكان في الكتاب: (إنْ قلتُ: إنّ الحسنَ بن صالح كان يرى رأي الخوارج؛ فهذا ابنُ الزبير قد خرج!!).
قال المرُّوزِيُّ: فلما قُرئ على أبي عبدالله، قال: «هذا قد جمعَ للمخالِفين ما لم يُحسنوا أن يحتجوا به، حذِّروا عن هذا». انظر «عِللَ الترمذي» مع شرحها لابن رجب.
هؤلاء أكانوا مُتَّبِعين أم كانوا مُبتدعين؟! أصحابُ النبي ومَن تبعهم بإحسان.
عن الأوزاعيّ فيما أخرج ابن بطة في «الإبانة الكُبرى»، قال: «مَن ستر عنا بدعته، لم تخفَ علينا أُلفتُه». يعني أنه إذا أَلِفَ أهلَ البدع؛ فإنه يُعتبر منهم، فهل خالفَ ما كان عليه السلف؟!
هذا ابن بطة بسنده: (سمعتُ يحيى بن سعيد القطّان قال: لَمَّا قَدِمَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ البَصْرَةَ: جَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى أَمْرِ الرَّبِيعِ يَعْنِي ابْنَ صَبَيْحٍ , وَقَدْرَهُ عِنْدَ النَّاسِ , سَأَلَ: أَيُّ شَيْءٍ مَذْهَبُهُ؟ - لم ينظر لشهرة ولا لأتباع - قَالُوا: مَا مَذْهَبُهُ إِلَّا السُّنَّةُ، قَالَ: مَنْ بِطَانَتُهُ؟ قَالُوا: أَهْلُ القَدَرِ. قَالَ: «هُوَ قَدَرِيٌّ»!!
أليس هذا من أئمتنا؟! أفنطرحه؟!
قال ابْنُ المُبَارَكِ: «يَكُونُ مَجْلِسُكَ مَعَ المَسَاكِينِ , وَإِيَّاكَ أَنْ تَجْلِسَ مَعَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ».
وعن أبي الدرداء: «مِنْ فِقْهِ الرَّجل مَمْشَاهُ , وَمَدْخَلُهُ , وَمَجْلِسُهُ».
سمعتُ معاذَ بن معاذٍ، يقول: قلتُ ليحيى بن سعيد: «الرَّجُلُ وَإِنْ كَتَمَ رَأْيَهُ لَمْ يَخْفَ ذلك فِي ابْنِهِ , وَلَا صَدِيقِهِ , وَلَا جَلِيسِهِ».
كَانَ يُقَالُ: «يَتَكَاتَمُ أَهْلُ الأَهْوَاءِ كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا التَّآلُفَ وَالصُّحْبَةَ».
لذلك لما نزل مصر، نزل على أشكالِه!! هل نزل على أهل السُّنة؟! الطيورُ على أشكالها تقع.
الشيخُ الألباني -رحمه الله- قال عن فصل «لا إلهَ إلا الله منهجُ حياة» -وهو فصلٌ من «المعالم» لسيد قطب- قال فيه ما قال مما ذكره «أبو الفتن»، وطار به إلى ما فوق السحاب، وقال: يقول الشيخُ الألبانيُّ كذا..
الشيخُ الألبانيُّ -رحمه الله- يُصحِّح ويهدِم، ألم يقل: إنّ «سيدًا» قال بقول أصحاب وحدة الوجود في تفسير سورة الإخلاص؟! إلى غير ذلك مما انتقده عليه .. هو يهدِم هذا؛ لأنه يستحق الهدْمَ، ولابد من بيانه وتخطئته وهدمه، وبيان خطره على الأمّة.
نُصحِّح ما يُصحح، ونهدم ما يجب أن يُهدَم، ونحذِّر المسلمين إذا كانت البدعة غالبةً على كتاب ألا يقربوه؛ لأنّ طالبَ العِلم قد لا يُميِّز؛ فيقع في أمورٍ تقوده إلى البدعة حتى يكون على سوائها.
أهلُ العِلم يراعون المصالحَ والمفاسد .. صَحَّحَ الشيخُ ما صحح؛ لأنه يُصَحَّحَ، وهدم ما يجب هدمه، وهو يقول -أي الشيخُ الألبانيّ-: «كلمةٌ جميلة تلك التي قالها، مَن قال -ولم يُعَيِّنه- أقيموا دولةَ الإسلام في قلوبكم، تقم لكم في أرضكم».
فجاء «أبو الفتن» وقال: الشيخُ الألبانيّ مدحَ هذه المقولة، وهي لـ «حسن البنا».
إذا كانت حقًا نقبله كما يقبله الشيخُ الألبانيّ ويُصححه، وأما قاعدةُ «التعاون والمعذرة» فيهدمها، هو .. هو.
الشيخُ الألبانيّ يُصحِّح ما يُصحح ويهدم ما يجب أن يُهدم.
ثم هذه المقولة ليست من كلام «حسن البنا»، وأنا أُحيله على أَخْدَانِه، فليسألهم ليُعْلِموه مَن قالها، بهذا تستقيمُ أقوالُ العلماء.
وأما أنتَ فأخذتَ شطر المقولة، ورُحْتَ تجمع أقوال العلماء في الدلالة عليها، وليس هذا في موطن النزاع كما ترى.
أنتَ تفترض شيئًا على أنه نزاعٌ، ثم تذهب تتقمم وتأتي بأقوال العلماء، وتقول: هي في موطن النزاع.
أيُّ نزاع؟!!
«دُوْن كَيْشُوت» على فرسكَ الهزيل بسيفكَ الخشبيّ، تقاتِلُ طواحينَ الهواء!! .. تتخيل؟!!
هذا مرضٌ نفسيّ!! (هَلاوِس) سمعية!! و(هَلاوِس) بصرية!! و(هَلاوِس) حسية!!
على المرء أنْ يُعالَج، وعلى مَن حوله أنْ يدلّوه إذا رأوا مثل هذا الخلل فيه.
صياغته الركيكة من للقاعدة المزعومة هي التي أردته في الزلل والخطأ؛ لأنه ذهب بالتصحيح إلى الأقوال: نُصحِّحُ، ونفى الهدم عن الأشخاص؛ فانفكتِ الجهة، وصوابُ القاعدة يُقيمها على جادة أهل العلم، والله المستعان.
يبقى أمرٌ يسير، الدين النصيحة -كما قال رسولُ الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كما في الحديث الذي رواه مسلمٌ من رواية أبي رقية تميم بن أوس الداري -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: «الدين النصيحة، قلنا: لمَن؟ قال: للهِ، ولكتابِه، ولرسولَه، ولأئمة المسلمين وعامتهم».
فنصيحةً لـ «أبي الفتن» -وهو من عامة المسلمين- نقول: عندما تريد الذهاب إلى التصوير، إلى «الاستديو»، خذ معكَ كُوزَ «سَالَمون»!! قد قطعته إلى نصفه، وضعْ فيه قطعةَ قُطنٍ أو صُوفٍ، أو حتى خذْ خِرْقَة من سروالٍ قديم؛ فضعه في ذلك الكُوز، فإذا دخلتَ «الاستديو» ضعه أمامكَ على المنضدة، واطلب من الذي يُلِّحن لكَ بين الوَصلتين الغِنائيتين من وَصلاتك أن يأتيكَ ببعض ما تضعه على الصوف أو القطن أو الخِرقة في الكُوز.
فإذا أردتَ أن تقلبَ الصفحةَ، لا تضع إصبعكَ في فِيكَ؛ لأنها عادةٌ قبيحة، ولكنْ ضع إصبعك في الكوز، ثم اقلب الصفحة، أما أن تُدخل إصبعكَ في فِيكَ مرّات، هذا عيبٌ يا رجل!! الناس يتقززون ويشمئزون!! دعكَ من هذه العادات الطفولية، وعليكَ بالكوز!!
الأمر الثاني: كُنْ حذرًا يا «أبا الفتن» عندما تدخل جُحْرَ الثعالب، هم يستغلونكَ يا رجل!! يريدون ثورةً وضجةً حتى يُقبلَ الناسُ على المشاهدة؛ فيرتفع سعرُ الإعلان عن «الكَبَّة!!» و«الحَلَّة!!» بين وَصْلتيكَ.
عيبٌ عليكَ!! أنْ يكونَ هنالكَ إعلانٌ عن هدية «عيد الأم» -يا رجل!! أين ولاؤكَ وبراؤكَ؟!!
ألم تقرأ «اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم» لشيخ الإسلام ابن تيمية؟!!
أما دلّكَ علامةُ اليمن، ومُحدِّثها على أنه لا عيدَ لأهل الإسلام سوى عيد الفطر وعيد الأضحى، وما يتكرر كل أسبوعٍ من هذه الجمعة المباركة؟!
كنْ حذرًا يا «أبا الفتن» عندما تدخل جُحر الثعالب، أنا لكَ ناصحٌ وعليكَ مُشْفِقٌ؛ فإنها ستكون سُبَّةً في تاريخكَ بعد حين.
واللهُ المستعان وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه أجمعين". اهـ


وفرِّغه/
أبو عبدالرحمن حمدي آل زيد المصريّ
5 من جماد الأول 1433هـ، الموافق 28/3/2012م.


وإنْ تجد عيبًا فسُد الخللا ==== فجلّ مَن لا عيبَ فيه وعلا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق