صور من النــــجاح !

صور من النجاح
أ. عبدالله بن محمد بادابود

بسم الله الرحمن الرحيم

تهفو له الأرواح، تطلبه وتتسابق لتحققه، الكل يبحث عنه، يجتهد لحصاده، يتتبع خطواته، له طرق مختلفة، وصور متنوعة، من سلك طريقه ورغب فيه قلَّما يخطئ الوصول إليها.

همَّة عالية، ونفس توَّاقة،
وقبل ذلك توفيق الله وتسديده.
له صور مميزة، وأخبار جميلة، وقصص رائعة.
إن تأمل صور الناجحين؛ ليست صورة الخلق؛ فقد فني بعضهم، ولكن صور تحكي سيرتهم، تطرق حياتهم، تلامس تعاملاتهم ، تغني عن الكثير من الدروس، والكثير من العبارات؛ فهي مواقف حصلتْ، وأقوال سُطرتْ.
إن تتبُّع سير الناجحين، يعطي النفس دفعة قوية نحو النجاح، ويربِّيها على طلب معالي الأمور، ويُشعِرها بعظمة النجاح، ويجعلها تعيش لذة النجاح قبل تحقيقه، ورغبة الفوز قبل بلوغه، ونحن نخوض الغمار ونتكلم عن النجاح، نرى أعظم صورة للنجاح لأعظم إنسان "
محمد
" - عليه الصلاة والسلام - قدوة الناجحين؛ فسيرته كتاب يسطر خطوات نحو النجاح بدقة متناهية، هذه القصة العظيمة تحتاج منا لوقفات وتطبيقات!
قراءة هَادِئة، نعيش بها مع سيرة الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ندرس حياته، نتأمل صفاته، نطبق توجيهاته، تلك التوجيهات النبوية التي تضيء لنا طرق الحياة، لنعيش في أرقى صور النجاح الدنيوي، والنجاح الدائم في الآخرة.

-من صور النجاح رجال صدقوا في عهدهم، وبذلوا أرواحهم، وأموالهم في سبيل الله، رجال كتبوا سطور النجاح مع بداية الدعوة، هم الجيل الأول في الإسلام.

- غلبتْه شهوته، وغرَّته نفسه، سار في طريق الهوى وتفنَّن في العصيان، لم يَرْدَعه خوف من الرحمن، أو حياء من بني الإنسان، مرَّت الشهور والأعوام وهو في غيِّه! ناصحه الكثير، ووعظه القريب والبعيد، دخل السجن أكثر من مرة في قضايا متعددة، ذاق الحرمان، وقسا عليه الإخوان، فجأة سمع بوفاة صديق! كأنما استيقظ من نوم عميق، تأمل حاله بعين البصيرة قبل البصر، وطرق الباب، وجاءه النداء الرباني: ﴿
قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]؛ فوجَّه شطر القبلة قلبَه قبل جسده، بعد أن طهر الجسد من الأدران، وطهر الروح من الآثام، ليعلن التوبة والندم، فيا أحبة أليس هذا أعظم نجاح؟!


- ترك وطنه، بما ينعم فيه من خيرات، بعد أن تلقى أعلى الشهادات، مارس عمله واستفاد من الخبرات؛ تركه لتبدأ رحلة الغربة، غربة عن الوطن، بُعْد عن الأحبة والرفاهية، بُعْد لا يُطِيقه إلا مَن ملك روح محلِّقة سامية، مَن يملك قلبًا مُلئ عزيمة وتضحية، حطَّ رِحالَه في أفريقيا - القارة السوداء - وضع القدم على أرض قاحلة، أرض جافة، نظر يَمْنة ويَسْرة، ليرى بؤس الحياة وحياة البؤس! صور بني الإنسان، يخيل لك أنها أشباح، جلد ترى منه العظم! شفاه قاسية، تبحث عن قطرة ماء، أرواح منهكة، وقلوب منكسرة، كسرتْها الدنيا بقسوتها، والبشر بجفائهم!


اتخذ القرار؛
ليكون الداعية والمربِّي، الداعم والمُنفِق، الوسيط في أعمال الخير، مثل رمز النجاح في العمل الخيري، رمز تعلم منه الكثير، واستفاد من خبرته الكثير، كأني به وقد أنشأ مدرسة العمل الخيري، ووضع خطوطها العريضة وعاش تفاصيلها بألم يحدوه أمل، السميط قصة نجاح، تكتب وتدون، تحكى وتقص!

-تزوَّد قليلاً من العلم، وكثيرًا من الأدب، كان البِرُّ بوالديه دَيْدَنَه، مرَّت الأيام والأيام حُبْلَى بالأحداث، حصل له حادث، أُدخِل المستشفى، أصابتْه إعاقة بسيطة، قُرِّر له تعويض مالي، لن يُغنِيه عن صحة فَقَدَ جزءًا منها! لكنه سلَّم الأمر لله ورضي، وهذا حال المؤمن يعيش في جنة الرضا، أخذ المال وسلمه لوالده! رغم حاجته ورغم مرضه، والده صاحب الدخل البسيط، شكر الابنَ على بره، واقترح عليه الدخول في عالم التجارة، وبدأت التجارة بسيطة، وهو ينعم بدعوات صادقة من أم وأب، مرَّت السنون ليكوِّن ثروة مالية ضخمة، وعَلاقات واسعة، بعدها بسنوات فَقَد والده فكأنه فقد روحه التي بين جَنْبَيه، خفَّف عنه الحزن وجودُ الأم في حياته، يقول: لا أخرج من المنزل حتى تدعو لي، فينشرح صدري! هنيئًا له؛ رسم صورة من صور النجاح.

-عَمِل في وظيفة بسيطة، بشهادة المتوسطة، مرَّت السنوات فوجد مَن يحفزه ويشجعه، التحق بالمدرسة الثانوية الليلية، كان يعمل في الصباح ويحمل الكتب المدرسية في المساء، لم يخجل ولم يكسل، أعرفه جيدًا، تفوَّق في الدراسة، وتخرَّج، تقدَّم للدراسة الجامعية فتم قبوله، لم يستمع للمثبِّطين، ومضى في طريقه بتفاؤل كبير، تخرَّج من الجامعة ، هو معلِّم الآن في إحدى المدارس، سطَّر قصة من قصص الكفاح والنجاح .

- وضعه المادي ممتاز، يمتلك المنزل الجميل والمركب الرائع، وله ذرية صالحة، اختار طريقًا من طرق النجاح، كان يطيل النظر في سجاد المسجد؛ علَّه يجد خيطًا رفيعًا أو شيئًا يقع؛ ليُزِيله ويرميه في سلة المهملات، في الطريق يطيل النظر؛ علَّه يجد شيئًا يعوق المشاة أو يعوق السيارات ليُزِيله ويَرْمِيه بعيدًا، كتب الله عليه الموت، وكلنا للموت سائرون، فكان أول ذكر له قول إمام المسجد: "
رحمه الله، افتقدناه، كنتُ أراه يُزِيل الأذى من المسجد ومن الطريق؛ فهنيئًا له
"، وأنا أقول: هنيئًا له؛ فقد كسر كبرياء النفس وعلوَّها، ولم يقل: ما فائدة عمال النظافة؟ وتمثَّل بأخلاق المسلم، نحسبه والله حسيبه.

صور النجاح كثيرة، تلك الصور التي تجعلنا نطرق الباب، وننتظر بقلوب متفائلة؛ علَّنا نلامس النجاح، نجاحًا في الدنيا لنعمر الأرض بكل خير، ونجاحًا دائمًا في الآخرة.


النجاح ليس صعبًا أو مستحيلاً،
النجاح قريب جدًّا منك، لكن عليك أن تسعى نحو النجاح، حدِّد الهدف، وركز عليه، وكن متفائلاً وعلى ثقة بقدراتك، طوِّر نفسك باستمرار، وعالج أخطاءك، واستفد من تجاربك السابقة، وقبل ذلك استعن بالله، وألِحَّ في الدعاء،
وَعَليَّ أَنْ أَسْعَى وَلَيْسَ --- عَلَيَّ إدراكُ النَّجَاحِ
وقود النجاح طموح ورغبة عالية للتميز والتألق، تطلع لمعالي الأمور، ولتكن عالي الهمة، متوقد الحماس والعزيمة.
فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها)).

أحبتي:

ليكن همنا النجاح والتفكير فيه، وليكن نجاحنا مستمرًّا، تكتب فصوله بعد موتنا، نجاح يكون بصمةَ خيرٍ لنا نغرسها الآن، ونستظل بثمارها وحصادها في قبورنا ويوم نشورنا!
اللهم اجعل النجاح حليفنا، يسِّره لنا، وأسعد قلوبنا به.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق