مواقف في حياة الفاروق

وقف النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً يحث الصحابة (رضوان الله عليهم) على الإنفاق والصدقة , وكان من بين هؤلاء الصحابة عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي انشرح صدره وتهلل وجهه ؛ لأنه وافق مالاً عنده .

فقال عمر رضي الله عنه : اليوم أسبق أبا بكر رضي الله عنه.

فقام مسرعاً يسبق الريح , ثم عاد وقد تعلقت بيده صُرة كبيرة من المال وضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الصرة الكبيرة ثم استقبله بنظره قائلاً: ما أبقيت لأهلك ؟

قال عمر رضي الله عنه : أبقيت لهم مثله .


ثم انصرف عمر رضي الله عنه إلى جوار النبي صلى الله عليه وسلم , وما هي إلا هنيهة حتى دخل أبو بكر رضي الله عنه المسجد حاملاً بين يديه صرة أكبر وأعظم من التي جاء بها عمر رضي الله عنه , فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم.

تبسم النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً ما أبقيت لأهلك ؟!



أجابه بكلمات خاشعة : أبقيت لهم الله ورسوله .

حَرك عمر رضي الله عنه رأسه إعجاباً بالصديق قائلاً : لا أسبقك إلى شئ أبداً يا أبابكر 

 ان المتأمل لسيرة الفاروق "عمر بن الخطاب" لا يكادُ عجبُهُ ينقضي من عَظَمةِ هذا الصحابيّ الجليل وروعة سيرتِهِ وتعدد مناقبِهِ وفضائلِهِ من خشيةٍ لربه -جلَّ وعلا- إلى جدٍّ في العبادة وزهدٍ في الدنيا وعدلٍ بين الرعية ومن رحمةٍ للضعيف ونصرةٍ للمظلوم إلى شدّةٍ في الحقِّ وأخذٍ على يدِ الظالم حتى فَرَق منه الشيطان فلا يراه سالكاً فجَّاً إلا سلك فجَّاً غيره !

تأمل معي -يرحمك الله- هذا الموقف الذي يحكيه لنا أسلم مولى عمر فيقول:


" خرجنا مع عمر بن الخطاب إلى حرَّة "واقم" حتى إذا كان بـ "صرار" [اسم مكان] إذا نار،

فقال: يا أسلم، إني لأرى ههنا ركبًا قصَّر بهم الليلُ والبردُ ، انطلق بنا،

فخرجنا نهرول حتى دنونا منهم، فإذا امرأةٌ معها صبيان، و قِدر منصوبة على نار، وصبيانها يتضاغون [أي يبكون]

فقال عمر: السلام عليكم يا أصحاب الضوء، وكره أن يقول: يا أصحاب النار.

فقالت: وعليك السلام،

فقال: أَدْنُو؟

فقالت: ادْنُ بخير أو دَعْ.

قال: فدنا، وقال: ما لكم؟

قالت: قصَّر بنا الليلُ والبردُ.

قال: وما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟

قالت: الجوع.

قال: فأي شىء في هذه القدر؟

قالت: ماء، أسكتهم به حتى يناموا، والله بيننا وبين عمر !

قال: رحمك الله. وما يدري عمر بكم؟!

قالت: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا ؟!

قال: فأقبل عليّ، فقال: انطلِقْ بنا !

فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق، فأخرج عِدلا من دقيق، وكُبّة شحم،

فقال: احمله عليّ [أي ارفعه على ظهري]

فقلت: أنا أحمله عنك,

فقال: أنت تحمل وزري يوم القيامة لا أم لك !!

فحملته عليه، فانطلق وانطلقت معه إليها نهرول، فألقى ذلك عندها، وأخرج من الدقيق شيئًا، فجعل يقول لها: ذرِّي [أي انثري] عليَّ وأنا أُحَرِّك لك، وجعل ينفخ تحت

القدر، ثم أنزلها


فقال: ابغني شيئًا [أي ابحثي لي عن شيء] ، فأتته بصحفة فأفرغها فيها ثم جعل يقول لها: أطعميهم وأنا أَسْطَح لهم (أَي أَبْسُطه حتى يَبْرُدَ) فلم يزل حتى شبعوا

وترك عندها فضل ذلك، وقام وقمت معه،


فجعلت تقول: جزاك الله خيرا، كنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين !

فيقول: قولي خيرًا، إذا جئت أمير المؤمنين، وجدتني هناك- إن شاء الله-

ثم تنحى عنها ناحية، ثم استقبلها فربض مربضًا [أي جلس مجلساً]

فقلتُ: إن لك شأنًا غير هذا. فلا يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون، ثم ناموا وهدءوا.

فقال: يا أسلم، إن الجوع أسهرهم وأبكاهم، فأحببت ألا أنصرف حتى أرى ما رأيت ! "

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق