تعليم الصم ... الحل الذي أصبح مشكلة


بسم الله الرحمن الرحيم

شكل التعامل الإنساني مع شريحة ذوي الاحتياجات السمعية من الصم وضعاف السمع كحل ، مفارقة قلما يحدث مثيلها بين شريحتين متناقضتين ( فئة السامعين ) تقترح الحلول وتمارس التطبيق وتقيس النتائج وشريحة أخرى ( فئة غير السامعين ) تستقبل التجارب وتتذوق مرارة الجرعة وتتكبد دوماً فشل النتائج .


وقد مارس الحكماء على مر العصور مجمل هذه الحلول وأدلوا فيها بدلائهم ولا يزالون . فمن تصنيفها لشريحة غير السامعين بأنها من ضمن طبقة العبيد والمشردين المنبوذة الموسومة بفقدان العقل كما في عهد الإغريق والرومان . مروراً بالتعامل معهم على أنهم شريحة من المجتمع تحظى بالرعاية والعطف عند المسلمين ، وانتهاءً بالتعامل معهم على أنهم شريحة تواجه حالة مرضية اعتيادية في العصر الحديث . تستطيع القيام بكل الأعمال عدا السمع . بعد تطور أشكال التفاهم معهم عبر اللغة الإشارية أو الشفاهية .
وهي المرحلة التي أظهرت إمكانية الاستفادة من هذه الشريحة كقوة بشرية معطلة قادرة على التفكير – في السعودية (250.000 ) حالة من ذوي الاحتياجات السمعية – ظهر ذلك في النداءات المتكررة لعلماء ومفكرين سعوا للاستفادة منهم ، اختلفت في مناهجها الفكرية ؛ واتفقت على أن التعليم هو الحل .


وهو الحل الذي أدى سوء تطبيقه الى الانزلاق نحو مزالق خطيرة جعلت منه مشكلة بحد ذاته.فمن منادٍ بالدمج لهذه الشريحة – غير السامعة - مع السامعين إلى منادٍ بفصلهم عنهم ، ومن منادٍ بتوحيد لغتهم الإشارية عربياً ومناهضٍ له بالدعوة إلى توطينها محلياً إلى آخر ينادي بتعميم المناهج التعليمية العامة للسامعين عليهم . وغيرها من القضايا ذات الجدل الواسع في الأوساط العلمية المختصة التي اختلفت في كل شي واتفقت على تحويل حياة الصم وأسرهم إلى دوامة من النظريات والتطبيقات التي لا تتحسس الواقع عن كثب .


فتطبيق فكرة مثل فكرة تطبيق مناهج التعليم العام على فئة خاصة ينبئ من الوهلة الأولى الى خطأ جوهري يتمحور حول العام والخاص على مستوى المصطلح قبل نقله الى مستويات نقاشية أخرى كإمكانية توصيل معلومات مثل الكثافة والحجم والمعادلات الرياضية والكيميائة إلى فئات تتعامل بالدرجة الأولى مع الحس قبل المنطق العقلي ، فما بالنا بتدريس البلاغة في أدب الصفوف العليا ، والأدهى والأمر أن توصيل مثل هذه المعلومات يتم في بيئة تعليمية تفتقر حتى الى أدنى اشكال المؤثرات المرئية التي ربما تستطيع إيصال مثل هذه المعلومات . إضافة إلى تزامنها مع قضية الزج بالعشرات من المعلمين والمعلمات ذوي التأهيل السريع مع الصم في المعاهد والمدارس المتخصصة ، الذين يقومون بتغطية قصورهم التخاطبي بتطبيق النسخ البصري للكتب المدرسية في أذهان هولاء الضعفاء .


قضية تعليمية أخرى للصم تتمثل في دمج بعض المعاقين سمعياً مع السامعين في المدارس العامة برغم ما فيها من نبل يتصادم مع الواقع المعاش لهذه الشريحة ، التي تطور الأمر بها مع نقص الوعي التربوي لدى بعض المسئولين إلى إطلاق مسميات مثل فصول "المجانين" على فصول تجمعاتها في المدارس الاعتيادية – فضلاً عن نقاط الاحتكاك والاستهتار بهم من قبل أترابهم من السامعين التي يصعب قياسها ورصدها بالتأكيد ، كأحدث وسائل العقاب والنقل لمن يهمل في استذكار دروسه وواجباته من الطلبة السامعين من قبل معلميهم .


قضية تعليمية أخرى للصم تتمثل في الاختلاف حول استخدام لغة الإشارة من عدمها وتنوع جنسيتها من المحلية إلى الإقليمية إلى الدولية وأخيراً استبدالها بالخطاب المسموع مع من لا يسمع في الأصل كواحدة من النظريات الطبية الحديثة .


إن المتأمل في حل مشكلة الاستفادة من الصم يلمس تبايناً واضحاً في الرؤى النظرية التي لم يثبت صحة أي منها بشكل مطلق . يلحظ مثلاً أنه ليس من بين الحلول مثلاً يدعو لتقبل هذه الشريحة ( الصم وضعاف السمع ) كشريحة ذات ثقافة مستقله لها فكرها وعاداتها وواقعها الذي يجب أن نتعامل معه بندية وتكافؤ ، كما نتعامل مثلاً مع الثقافة الصينية . وكبقية الثقافات الأخرى المبنية على العرق أو اللون أو الجنس .


ويلحظ أن جل إن لم يكن كل من يناقش هذه القضايا وعلى جميع المستويات الحكومية والطبية والتخصصية المهنية والتطوعية الخيرية يندرجون ضمن الفئة المقابلة " السامعين " وليس من بينهم أصم أو ضعيف سمع عانى من ويلات هذه التجارب ونتائجها بل وربما ليس من بينهم ولي أمر واحد صعقته هذه الأفكار وهو يحاول تطبيقها على أبناءه الصم دون فائدة ، ليكتشف أن الحل الذي بشرت به التجارب العلمية أصبح مشكلة في حد ذاته

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق