يسيرون في الشوراع.. بين الأزقة والأماكن المظلمة.. يفترشون الأرصفة مهداً لهم.. يتناولون طعامهم من بقايا طعام متعفنة ملقاة بطريقة ما حول سلال المهملات.. لباسهم لباس الفقر والحرمان.. وعلمهم علم الجهل والاستذلال.. حياتهم تفوح منها رائحة الذل والعذاب.. عصفت بهم الليالي وأرقت أحلامهم.. يستيقظون على كابوس الفقر وينامون على حلم لقمة العيش الكريمة.. نبذهم المجتمع ونبذتهم الأيام ونهشتهم أيادي الأشقياء.. إنهم أطفال الشوارع.. إنهم أبناء الأرصفة والطرقات.. إنهم ضحايا المجتمع الظالم..



قصة اليوم تروي لنا قصة الحزن والآلام.. تفضح حقائق بات أمرها يزداد غزارة مع الأيام.. طمع المجتمع الذي يقتل أحلام الصغار.. ويهتك أعراض النساء.. ظلم وشجع واستبداد تتعرض له بيوت عائلات غمرها الفقر والحرمان.. لعل كلماتي هذه يهتز لها أصحاب الضمائر التي أعلنت السكوت على الفساد والحداد على النخوة والمشاعر الإنسانية.. كيف نستطيع الموازنة بين ما نراه هنا وهناك ؟.. كثيراً ما نسمع ونقرأ عن أصحاب رؤوس أموال طائلة يُلقون أموالهم على الراقصات والغانيات الماجنات.. أموال وقصور.. وذهب وألماس.. وسيارات فارهة تهدى لأصحاب الأصوات النشاز.. وفساتين وملابس تقدر بملايين الدولارات تُهدى لمطربات يتمايلن صوب اليمين وصوب الشمال بلا انقطاع.. جنون ومجون يطرق بوابات المشاهير والأثرياء.. وحرمان وقهر يغزو بيوت المعوزين والمحتاجين.. أمراض ليس لها شفاء.. وأحزان ليس لها دواء تتواجد في الأحياء التي غمرها النسيان والتجاهل.. ما ذنب ذاك الطفل أن يكون فقيراً؟ً.. وما ذنب تلك الأرملة أن لا تجد لها معيلاً؟.. ما دورنا تجاههم؟.. وما مسؤولياتنا أمام آلاف بل ربما ملايين من المهمشين اجتماعياً واقتصادياً والمنبوذين إنسانياً ووجدانياً.. والمحرومين من نظرة عطف وبضع كسرات من لقمة العيش البعيدة.. ومع اشتعال بركان الأسعار تزداد محنهم ومصاعبهم.. وتزداد آلامهم وأوجاعهم.. ولا أحد يسمع النداء ولا أحد يريد أن يرى.. وإن أخطأ غنياً ذات يوم وصوب نظره إلى تلك الأحياء رأيته ينظر إليها بعيون كلها تكبر وترفع.. وشعور بالقرف والغثيان يكاد ينتابه.. وإن صادف في طريقه بريء صغير يطلب القروش والدراهم رأيته يصرخ في وجهه ويتحدث إليه بأفحش الكلام.. وكأن هذا المسكين هو ابن جارية ليس له كرامة ولا عزة نفس.




نقلت وكالات الأنباء والصحف قبل عام ونصف تقريباً.. عن أحداث حصلت في قلب مدينة نهر النيل.. عن حفل زواج أسطوري لأحد أثرياء المجتمع من صاحبة الصون والعفاف.. تكلفت مصاريف حفل الزفاف ستة ملايين دولار؟!!!.. وعن امرأة في عاصمة عربية أخرى أقامت حفل عيد ميلاد لكلبها السعيد - كانت حفلة متواضعة جداً كلفت أربعين ألف دولار- هل يعقل هذا يا سادة يا كرام ؟؟ ستة ملايين دولار تُنفق في حفلة واحدة وفي ليلة واحدة؟؟ .. وأربعين ألف دولار تنفق لأجل عيد ميلاد حيوان؟؟ -لو سألنا الحيوان عن رأيه لتمنى قتل سيدته- بينما هناك وعلى الطرف الأخر من المدن الحزينة أطفال يفترشون الأرض والشوارع ولم يتذوقوا رائحة الخبز منذ أيام.. أي فروقات طبقية تجتاح مجتمعاتنا.. وأي قسوة تتجلى أمام هذه الفوضى.. فوضى توزيع الثروات والأموال.. فوضى المشاهير الذين يتنافسون في إنفاق أموالهم على الملاهي والمسرات وعلى التباهي بكثرة الفجور والإنحلال.. وفوضى العشوائية والفقر الذي يزداد رواده كل يوم.