الله
كان ذلك من زمن بعيد لست أذكره .. ربما كنت أدرج من الثالثة عشرة إلى
الرابعة عشرة و ربما قبل ذلك .. في مطالع المراهقة .. حينما بدأت
أتساءل في تمرد :
تقولون
إن الله خلق الدنيا لأنه لا بد لكل مخلوق من خالق و لا بد لكل
صنعة من صانع و لا بد لكل موجود من موجد .. صدقنا و آمنا .. فلتقولوا لي
إذن من خلق الله .. أم أنه جاء بذاته .. فإذا كان قد جاء بذاته وص ح في
تصوركم أن يتم هذا الأمر .. فلماذا لا يصح في تصوركم أيض ا أن الدنيا جاءت
بذاتها بلا خالق و ينتهي الإشكال .
كنت أقول هذا فتصفر من حولي الوجوه و تنطلق الألسن تمطرني باللعنات
و تتسابق إل ي اللكمات عن يمين و شمال .. و يستغفر لي أصحاب القلوب
التقية و يطلبون لي الهدى .. و يتبرأ مني المتزمتون و يجتمع حولي
المتمردون .. فنغرق مع ا في جدل لا ينتهي إلا ليبدأ و لا يبدأ إلا ليسترسل
.
و تغيب عني تلك الأيام الحقيقة الأولى وراء ذلك الجدل . إن زهوي بعقلي
الذي بدأ يتفتح و إعجابي بموهبة الكلام و مقارعة الحجج التي انفردت بها
.. كان هو الحافز دائم ا .. و كان هو المشجع .. و كان هو الدافع .. و ليس
البحث عن الحقيقة و لا كشف الصواب .
لقد رفضت عبادة الله لأني استغرقت في عبادة نفسي و أعجبت بومضة
النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي و بداية الصحوة من مهد
الطفولة .
كانت هذه هي الحالة النفسية وراء المشهد الجدلي الذي يتكرر كل يوم .
و غابت عني أيض ا أصول المنطق و أنا أعالج المنطق و لم أدرك أني أتناقض
مع نفسي إذ كيف أعترف بالخالق ثم أقول و من خلق الخالق فأجعل منه
مخلوق ا في الوقت الذي أسميه خالق ا و هي السفسطة بعينها .
ثم إن القول بسبب أول للوجود يقتضي أن يكون هذا السبب واجب الوجود
في ذاته و ليس معتمد ا و لا محتاج ا لغيره لكي يوجد . أما أن يكون السبب
في حاجة إلى سبب فإن هذا يجعله واحدة من حلقات السببية و لا يجعل
منه سبب ا أول .
هذه هي أبعاد القضية الفلسفية التي انتهت بأرسطو إلى القول بالسبب
الأول و المحرك الأول للوجود .
و لم تكن هذه الأبعاد واضحة في ذهني في ذلك الحين .
و لم أكن قد عرفت بعد من هو أرسطو و لا ما هي القوانين الأولى للمنطق
و الجدل .
و احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب و آلاف الليالي من
الخلوة و التأمل و الحوار مع النفس و إعادة النظر قم إعادة النظر في إعادة
النظر .. ثم تقليب الفكر على كل وجه لأقطع فيه الطريق الشائكة من الله
و الإنسان إلى لغز الحياة إلى لغز الموت إلى ما أكتب من كلمات على
درب اليقين .
لم يكن الأمر سه لا .. لأني لم أشأ أن آخذ الأمر مأخذ ا سه لا .
و لو أني أصغيت إلى صوت الفطرة و تركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي
من عناء الجدل .. و لقادتني الفطرة إلى الله .. و لكنني جئت في زمن
تعقد فيه كل شيء و ضعف صوت الفطرة حتى صار همس ا و ارتفع صوت
العقل حتى صار لجاجة و غرور ا و اعتداد ا .. و العقل معذور في إسرافه إذ
يرى نفسه واقف ا على هرم هائل من المنجزات و إذ يرى نفسه مانح ا
للحضارة بما فيها من صناعة و كهرباء و صواريخ و طائرات و غواصات و إذ
يرى نفسه قد اقتحم البر و البحر و الجو و الماء و ما تحت الماء .. فتصور
نفسه القادر على كل شيء و زج نفسه في كل شيء و أقام نفسه
حاكم ا على ما يعلم و ما لا يعلم .
* * *
و غرقت في مكتبة البلدية بطنطا و أنا صبي أقرأ لشبلي شميل و سلامة
موسى و أتعرف على فرويد و دارون .
و شغفت بالكيمياء و الطبيعة و البيولوجيا .. و كان لي معمل صغير في
غرفتي أجضر فيه غاز ثاني أكسيد الكربون و ثاني أكسيد الكبريت و أقتل
الصراصير بالكلور و أشرح فيه الضفادع .
و كانت الصيحة التي غمرت العالم هي .. العلم .. العلم .. العلم .. و لا
شيء غير العلم .
النظرة الموضوعية هي الطريق .
لنرفض الغيبيات و لنكف عن إطلاق البخور و ترديد الخرافات .
من يعطينا دبابات و طائرات و يأخذ منا الأديان و العبادات ؟؟ و كان ما يصلنا
من أنباء العلم الغربي باهر ا يخطف أبصارنا و كنا نأخذ عن الغرب كل شيء
.. الكتب و الدواء و الملابس و المنسوجات و القاطرات و السيارات و حتى
الأطعمة المعلبة حتى قلم الرصاص و الدبوس و الإبرة حتى نظم التعليم و
قوالب التأليف الأدبي من قصة و مسرحية و رواية حتى ورق الصحف .
و حول أبطال الغرب و عبقرياته كنا ننسج أحلامنا و مثلنا العليا .. حول
باستير و ماركوني و رونتجن و أديسون .. و حول نابليون و إبراهام لنكولن ..
و كرستوفر كولمبس و ماجلان .
كان الغرب هو التقدم .
و كان الشرق العربي هو التخلف و الضعف و التخاذل و الإنهيار تحت أقدام
الاستعمار .
و كان طبيع ي ا أن نتصور أن كل ما يأتينا من الغرب هو النور و الحق .. و هو
السبيل إلى القوة و الخلاص .
و دخلت كلية الطب لأتلقى العلوم بلغة إنجليزية و أدرس التشريح في
مراجع إنجليزية و أتكلم مع أستاذي في المشفى باللغة الإنجليزية .. ليس
لأن إنجلترا كانت تحتل القناة لكن لسبب آخر مشروع و عادل .. هو أن علم
الطب الحديث كان صناعة غربية تمام ا .. و ما بدأه العرب في هذه العلوم
أيام ابن سينا , كان مجرد أوليات لا تفي بحاجات العصر .
و قد التقط علماء الغرب الخيط من حيث انتهى ابن سينا و الباحثون العرب
ثم استأنفوا الطريق بإمكانيات متطورة و معامل و مختبرات و ملايين
الجنيهات المرصودة للبحث , فسبقوا الأولين من العرب و الفرس و العجم ,
و أقاموا صرح علم الطب الحديث و الفسيولوجيا و التشريح و الباثولوجيا و
أصبحوا بحق مرجع ا .
و تعلمت ما تعلمت في كتب الطب .. النظرة العلمية .. و أنه لا يصح إقامة
حكم بدون حيثيات من الواقع و شواهد من الحس .
و أن العلم يبدأ من المحسوس و المنظور و الملموس و أن العلم ذاته هو
عملية جمع شواهد و استخراج قوانين .
و ما لا يقع تحت الحس فهو في النظرة العلمية غير موجود .
و أن الغيب لا حساب له في الحكم العلمي .
بهذا العقل العلمي المادي البحت بدأت رحلتي في عالم العقيدة و بالرغم
من هذه الأرضية المادية والانطلاق من المحسوسات الذي ينكر كل ما هو
غيب فإني لم أستطع أن أنفي أو أستبعد القوة الإلهية.
كان العلم يقدم صورة عن الكون بالغة الإحكام و الانضباط .. كل شيء من
ورقة الشجر إلى جناح الفراشة إلى ذرة الرمل فيها تناسق و نظام و جمال
الكون كله مبني وفق هندسة و قوانين دقيقة .
و كل شيء يتحرك بحساب من الذرة المتناهية في الصغر إلى الفلك
العظيم إلى الشمس و كواكبها إلى المجرة الهائلة التي يقول لنا الفلك إن
فيها أكثر من ألف مليون مجرة .
كل هذا الوجود اللا متناهي من أصغر إلكترون إلى أعظم جرم سماوي
كنت أراه أشبه بمعزوفة متناسقة الأنغام مضبوطة التوزيع كل حركة فيها
بمقدار .. أشبه بالبدن المتكامل الذي فيه روح.
كان العلم يمدني بوسيلة أتصور بها الله بطريقة مادية .
وفي هذه المرحلة تصورت أن الله هو الطاقة الباطنة في الكون التي تنظمه
في منظومات جميلة من أحياء وجمادات وأراض وسماوات . هو الحركة
التي كشفها العلم في الذرة وفي البروتو بلازم وفي الأفلاك ..
هو الحيوية الخالقة الباطنة في كل شيء ..أو بعبارة القديس
توماس..الفعل الخالص الذي ظل يتحول في الميكروب حتى أصبح إنسان ا
ومازال يتحول.وسيظل يتحول إلى ما لانهاية .
والوجود كان في تصوري لا محدود ا لا نهائي ا. إذ لا يمكن أن يحد الوجود إلا
العدم .. والعدم معدوم.. ومن هنا يلزم منطقي ا أن يكون الوجود غير محدود
ولا نهائي .
ولا يصح أن نسأل..من الذي خلق الكون . إذ أن السؤال يستتبع أن الكون
كان معدوم ا في البداية ثم وجد .. وكيف يكون لمعدوم كيان .
إن العدم معدوم في الزمان والمكان وساقط في حساب الكلام ولا يصح
القول بأنه كان .
وبهذا جعلت من الوجود حدث ا قديم ا أبدي ا أزلي ا ممتد ا في الزمان لا حدود له
ولا نهاية .
وأصبح الله في هذه النظرة هو الكل ونحن تجلياته .
الله هو الوجود .. والعدم قبله معدوم .
هو الوجود المادي الممتد أز لا وأبد ا بلا بدء وبلا نهاية .
كان ذلك من زمن بعيد لست أذكره .. ربما كنت أدرج من الثالثة عشرة إلى
الرابعة عشرة و ربما قبل ذلك .. في مطالع المراهقة .. حينما بدأت
أتساءل في تمرد :
تقولون
إن الله خلق الدنيا لأنه لا بد لكل مخلوق من خالق و لا بد لكل
صنعة من صانع و لا بد لكل موجود من موجد .. صدقنا و آمنا .. فلتقولوا لي
إذن من خلق الله .. أم أنه جاء بذاته .. فإذا كان قد جاء بذاته وص ح في
تصوركم أن يتم هذا الأمر .. فلماذا لا يصح في تصوركم أيض ا أن الدنيا جاءت
بذاتها بلا خالق و ينتهي الإشكال .
كنت أقول هذا فتصفر من حولي الوجوه و تنطلق الألسن تمطرني باللعنات
و تتسابق إل ي اللكمات عن يمين و شمال .. و يستغفر لي أصحاب القلوب
التقية و يطلبون لي الهدى .. و يتبرأ مني المتزمتون و يجتمع حولي
المتمردون .. فنغرق مع ا في جدل لا ينتهي إلا ليبدأ و لا يبدأ إلا ليسترسل
.
و تغيب عني تلك الأيام الحقيقة الأولى وراء ذلك الجدل . إن زهوي بعقلي
الذي بدأ يتفتح و إعجابي بموهبة الكلام و مقارعة الحجج التي انفردت بها
.. كان هو الحافز دائم ا .. و كان هو المشجع .. و كان هو الدافع .. و ليس
البحث عن الحقيقة و لا كشف الصواب .
لقد رفضت عبادة الله لأني استغرقت في عبادة نفسي و أعجبت بومضة
النور التي بدأت تومض في فكري مع انفتاح الوعي و بداية الصحوة من مهد
الطفولة .
كانت هذه هي الحالة النفسية وراء المشهد الجدلي الذي يتكرر كل يوم .
و غابت عني أيض ا أصول المنطق و أنا أعالج المنطق و لم أدرك أني أتناقض
مع نفسي إذ كيف أعترف بالخالق ثم أقول و من خلق الخالق فأجعل منه
مخلوق ا في الوقت الذي أسميه خالق ا و هي السفسطة بعينها .
ثم إن القول بسبب أول للوجود يقتضي أن يكون هذا السبب واجب الوجود
في ذاته و ليس معتمد ا و لا محتاج ا لغيره لكي يوجد . أما أن يكون السبب
في حاجة إلى سبب فإن هذا يجعله واحدة من حلقات السببية و لا يجعل
منه سبب ا أول .
هذه هي أبعاد القضية الفلسفية التي انتهت بأرسطو إلى القول بالسبب
الأول و المحرك الأول للوجود .
و لم تكن هذه الأبعاد واضحة في ذهني في ذلك الحين .
و لم أكن قد عرفت بعد من هو أرسطو و لا ما هي القوانين الأولى للمنطق
و الجدل .
و احتاج الأمر إلى ثلاثين سنة من الغرق في الكتب و آلاف الليالي من
الخلوة و التأمل و الحوار مع النفس و إعادة النظر قم إعادة النظر في إعادة
النظر .. ثم تقليب الفكر على كل وجه لأقطع فيه الطريق الشائكة من الله
و الإنسان إلى لغز الحياة إلى لغز الموت إلى ما أكتب من كلمات على
درب اليقين .
لم يكن الأمر سه لا .. لأني لم أشأ أن آخذ الأمر مأخذ ا سه لا .
و لو أني أصغيت إلى صوت الفطرة و تركت البداهة تقودني لأعفيت نفسي
من عناء الجدل .. و لقادتني الفطرة إلى الله .. و لكنني جئت في زمن
تعقد فيه كل شيء و ضعف صوت الفطرة حتى صار همس ا و ارتفع صوت
العقل حتى صار لجاجة و غرور ا و اعتداد ا .. و العقل معذور في إسرافه إذ
يرى نفسه واقف ا على هرم هائل من المنجزات و إذ يرى نفسه مانح ا
للحضارة بما فيها من صناعة و كهرباء و صواريخ و طائرات و غواصات و إذ
يرى نفسه قد اقتحم البر و البحر و الجو و الماء و ما تحت الماء .. فتصور
نفسه القادر على كل شيء و زج نفسه في كل شيء و أقام نفسه
حاكم ا على ما يعلم و ما لا يعلم .
* * *
و غرقت في مكتبة البلدية بطنطا و أنا صبي أقرأ لشبلي شميل و سلامة
موسى و أتعرف على فرويد و دارون .
و شغفت بالكيمياء و الطبيعة و البيولوجيا .. و كان لي معمل صغير في
غرفتي أجضر فيه غاز ثاني أكسيد الكربون و ثاني أكسيد الكبريت و أقتل
الصراصير بالكلور و أشرح فيه الضفادع .
و كانت الصيحة التي غمرت العالم هي .. العلم .. العلم .. العلم .. و لا
شيء غير العلم .
النظرة الموضوعية هي الطريق .
لنرفض الغيبيات و لنكف عن إطلاق البخور و ترديد الخرافات .
من يعطينا دبابات و طائرات و يأخذ منا الأديان و العبادات ؟؟ و كان ما يصلنا
من أنباء العلم الغربي باهر ا يخطف أبصارنا و كنا نأخذ عن الغرب كل شيء
.. الكتب و الدواء و الملابس و المنسوجات و القاطرات و السيارات و حتى
الأطعمة المعلبة حتى قلم الرصاص و الدبوس و الإبرة حتى نظم التعليم و
قوالب التأليف الأدبي من قصة و مسرحية و رواية حتى ورق الصحف .
و حول أبطال الغرب و عبقرياته كنا ننسج أحلامنا و مثلنا العليا .. حول
باستير و ماركوني و رونتجن و أديسون .. و حول نابليون و إبراهام لنكولن ..
و كرستوفر كولمبس و ماجلان .
كان الغرب هو التقدم .
و كان الشرق العربي هو التخلف و الضعف و التخاذل و الإنهيار تحت أقدام
الاستعمار .
و كان طبيع ي ا أن نتصور أن كل ما يأتينا من الغرب هو النور و الحق .. و هو
السبيل إلى القوة و الخلاص .
و دخلت كلية الطب لأتلقى العلوم بلغة إنجليزية و أدرس التشريح في
مراجع إنجليزية و أتكلم مع أستاذي في المشفى باللغة الإنجليزية .. ليس
لأن إنجلترا كانت تحتل القناة لكن لسبب آخر مشروع و عادل .. هو أن علم
الطب الحديث كان صناعة غربية تمام ا .. و ما بدأه العرب في هذه العلوم
أيام ابن سينا , كان مجرد أوليات لا تفي بحاجات العصر .
و قد التقط علماء الغرب الخيط من حيث انتهى ابن سينا و الباحثون العرب
ثم استأنفوا الطريق بإمكانيات متطورة و معامل و مختبرات و ملايين
الجنيهات المرصودة للبحث , فسبقوا الأولين من العرب و الفرس و العجم ,
و أقاموا صرح علم الطب الحديث و الفسيولوجيا و التشريح و الباثولوجيا و
أصبحوا بحق مرجع ا .
و تعلمت ما تعلمت في كتب الطب .. النظرة العلمية .. و أنه لا يصح إقامة
حكم بدون حيثيات من الواقع و شواهد من الحس .
و أن العلم يبدأ من المحسوس و المنظور و الملموس و أن العلم ذاته هو
عملية جمع شواهد و استخراج قوانين .
و ما لا يقع تحت الحس فهو في النظرة العلمية غير موجود .
و أن الغيب لا حساب له في الحكم العلمي .
بهذا العقل العلمي المادي البحت بدأت رحلتي في عالم العقيدة و بالرغم
من هذه الأرضية المادية والانطلاق من المحسوسات الذي ينكر كل ما هو
غيب فإني لم أستطع أن أنفي أو أستبعد القوة الإلهية.
كان العلم يقدم صورة عن الكون بالغة الإحكام و الانضباط .. كل شيء من
ورقة الشجر إلى جناح الفراشة إلى ذرة الرمل فيها تناسق و نظام و جمال
الكون كله مبني وفق هندسة و قوانين دقيقة .
و كل شيء يتحرك بحساب من الذرة المتناهية في الصغر إلى الفلك
العظيم إلى الشمس و كواكبها إلى المجرة الهائلة التي يقول لنا الفلك إن
فيها أكثر من ألف مليون مجرة .
كل هذا الوجود اللا متناهي من أصغر إلكترون إلى أعظم جرم سماوي
كنت أراه أشبه بمعزوفة متناسقة الأنغام مضبوطة التوزيع كل حركة فيها
بمقدار .. أشبه بالبدن المتكامل الذي فيه روح.
كان العلم يمدني بوسيلة أتصور بها الله بطريقة مادية .
وفي هذه المرحلة تصورت أن الله هو الطاقة الباطنة في الكون التي تنظمه
في منظومات جميلة من أحياء وجمادات وأراض وسماوات . هو الحركة
التي كشفها العلم في الذرة وفي البروتو بلازم وفي الأفلاك ..
هو الحيوية الخالقة الباطنة في كل شيء ..أو بعبارة القديس
توماس..الفعل الخالص الذي ظل يتحول في الميكروب حتى أصبح إنسان ا
ومازال يتحول.وسيظل يتحول إلى ما لانهاية .
والوجود كان في تصوري لا محدود ا لا نهائي ا. إذ لا يمكن أن يحد الوجود إلا
العدم .. والعدم معدوم.. ومن هنا يلزم منطقي ا أن يكون الوجود غير محدود
ولا نهائي .
ولا يصح أن نسأل..من الذي خلق الكون . إذ أن السؤال يستتبع أن الكون
كان معدوم ا في البداية ثم وجد .. وكيف يكون لمعدوم كيان .
إن العدم معدوم في الزمان والمكان وساقط في حساب الكلام ولا يصح
القول بأنه كان .
وبهذا جعلت من الوجود حدث ا قديم ا أبدي ا أزلي ا ممتد ا في الزمان لا حدود له
ولا نهاية .
وأصبح الله في هذه النظرة هو الكل ونحن تجلياته .
الله هو الوجود .. والعدم قبله معدوم .
هو الوجود المادي الممتد أز لا وأبد ا بلا بدء وبلا نهاية .
الله الجزء الثانى
كتاب رحلتي من الشك إلى الإيمان - مصطفى محمود
محتوى الكتاب :
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق