صنيعة الصحراء

حينما ترهقني أحلامي
وتتلاشى دندنتي
اتقلّب بين حيرتي وهمهمتي
يصارعني السّأم والقلق
ويصرعني الوهم والأرق
احاول أن اكتب
تتبلّد اقلامي
احاول أن أبدع
يخذلني الهامي
احاول أن اشدو كالبلابل
تتبعثر أنغامي
أحاول أن
احضن السّنابل
أن احاكي العنادل
تقيّدني اسقامي
يائساً
اسبح عكس التيّار
عابثاً
اقارع الأقدار
احاول أن اخرج حتّى بالتّعادل
تترهّل اقدامي



حينها أرحل بعيدا عن مدينتي
لأنها امّاً منذ ولادتي ثكلتني
برعونتها وصخبها وصراخها
افْزعتني
وما أن لفظتني من رحمها حتى أكلتني
تحت أقدامها سحقتني

انا لا أحبها
لا شيء فيها يعجبني
تعجّ بالنّفايات
والمتاجر كالمصائد والدّعايات
وعارضات الازياء والسّاقطات
الزّهور والرّياحين
مسجونة في المربّعات والميادين
تنام على الملوّثات
تستيقظ على الاحزان
وجوه النّساء بشعة
مشبعة بالألوان
الرّجال حفنة من الأغبياء
المراهقون يتبادلون الكذب والرّياء
حتّى الأطفال يجهلون البراءة
يجيدون الدّهاء

لذلك لا شيء يعجبني
ولا مكان يأويني
إلاّ الصّحراء
لأنّي اعشق الصّحراء
وسكون الصّحراء
موطن الغزلان
وملاعب الضّباء
الخيام السّاكنة
والإبل والحداء
مراتع الحجل
مساكن القطا
تبدي محاسنها لمن تحب
تخجل من الغرباء
واحاتها الخضراء
تنام في احضان رمالها النّاعمة البيضاء
الغروب والأصيل
وعراجين التمر عقود مرجان
شلاّلات ذهب
تولد في قوس قزح
تنحدر من النّخيل


هنا فقط يمكنني
ان استحمّ في الفضاء
أن أصنع مسبحة
من النّجوم
أن اغزل ثوباً
من الاعاصير ونُذر الغيوم
أن اسبح عارياً في الطّهر
أن أُلامِسَ السّماء

آهٍ حبيبتي
ليتك معي الآن
اسمعك ابيات الشِّعر
في بيت من الشَّعر
اعزف لك النّاي
استعيد ما كنت أُجيده
في صباي
وعلى صفحات الرّمل
وقت تبرّج القمر
نرسم قلبين متلاصقين
وعصفورين متقابلين
ووردتين جوريّتين
حاِنيَتيْن
حالمتَيْن
بالسّحر والجمال
والعطر
بالقمر الأحمر

حبيبتي
انا الآن املك الدنيا بأسرها
ولا أحد غيري يتربع على عرشها
لا أحد غيري يخطب ودّها
لا أحد غيري
انا فقط من يتقرّب لأمِها
ويأتي بمهرها

الآن عرفت لماذا سمّتني امّي
( أمير)
لأنّي امير بلا قصر
فارسٌ يسابق الرّيح بلا مهر
ينظم قصائد الحب والغزل
بخيوط الشعر والنّثر
يترنّم بالرّوائع
بلا وتر
لا أحتاجٍ لحرّاس وخدّام
وتزلّف المنافقين ومديح الماكرين
في وسائل الاعلام
فقط
أريد السّكون والفضاء
الحرية والبيداء
الّليل والسّهرُ
وحبيبتي السّمراء
كريمة الأصل
صنيعة الصّحراء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق