انت من يعلمني

عشتُ السنونَ والاعوام
البسُ عباءات الصّوف الخشن
اقلِّد الرهبان
متواضعاً
امشي الهوينا على عكّاز
اترنّم بالتّراتيل
ومقاطع الإنجيل
وأجراس الكنائس والصّلبان
أبحث عن الحواريِّين بعين واحدة
عن الإنسان
عن وصايا المسيح
عن التّسامح
والحبّ والإحسان
**
وحين فتحت الأخرى رأيت
مراكبهم جميلة
ولكنّها تحمل العبيد والأصفاد
قصورهم شامخة
شوارعهم طويلة
ولكنّها تعجُّ بالأوغاد
طائراتهم أشكال وألوان
أنيقة دقيقة
تنساب كالعقبان وسط السّحاب
ولكنّها تحمل الحمم
توزّع الموت بالمجان
***
توجّهت للمعابد
أعتزل النساء
أحتضن المساجد
أبحث عن المسلمين
عن الرّسول
وعشق الرّسول
للسّلام
عن ألفتوحات والبطولات
وما نُسج حولها من حكايات
***
وحين فتحت عيني الأخري
رأيت
العمائم والفقهاء
واللِّحى الطويلة
والغباء
يرهقون الأبدان بالأثقال
والعقول بالأقفال
وحدهم من يحدّد لك
ماذا تلبس ؟
أين تجلس ؟
كيف تنام ؟
يحقنون الأحلام بالأوهام
يوزّعون الفتاوى البائسة
يصنعون الموت
في علب صغيرة
في شاحنات كبيرة
وأحزمة ناسفة
مجرّد أحبار
تبيض الخوف والنّزف
في الكوفة والنّجف
في الأعظمية
والأنبار
***
ومن بعد
عرفتُ أنّ الكوْن
حروفٌ لا أحسنُ قراءتها
كلماتٌ متقاطعةٌ
لا أعرف كتابتها
كهوفٌ ودهاليز
لا أرى نهايتها
**
اسبحُ ولا بحر
اسكرُ ولا خمر
أعزف ربابة صمّاء
ولا وتر
***
حتى تقابلنا صدفة
سحبتني من تحت الرّكام
عرفتني مجنونا
لا يستريح ولا ينام
أدخلتْني مخدعها
غسلتْني
ألْبستْني
أيْقظتْني
تلك المجنونة بدهائها
وذكائها
كشفتْني
جرّدتْني من زيف احلامي
وسحبت بساط الشّك والتّخاريف
من تحت أقدامي
ثم أوقفتني وواجهتني
وهزّتني
أتحسب أنّ الله عبثاً أوجد الانسان ؟
أتظن أن الله أهمل الكون
وغفل عن الخير والشر
واليأس والامل
والقصد والنّسيان ؟
تأمّل في الشّفق الاحمر
في نسيم الصبح
في الفجر الازهر
في أجنحة الفراشات
في شقائق النّعمان النّاعسات
استقبلْ الأمل الجديد
في اليوم الجديد
أنت من ينهى ويأمر
أنت تملك الدنيا
ولا تشعر
الينابيع والبلابل
البحر
والعطر
وقلماً يكتب الشّعر
الغابات والسّنابل
الكلُّ يرقص ويشدو
ويغنّي لك
بلا مقابل
***
تعال نشكر الله
تعال ننعمُ بعطاياه
نحبّهُ ونتركْ ما سواه
خلق من كلّ زوجين اثنين
أنا زوجك
وأنت إثنيني
انا طهارة الرّيف
انا الشّتاء والصّيف
أنا أنت
وأنت أنا
وما عدانا خرافات الدّهر
سخف السّنين
أنا الحبّ والامل
أنا
أنا الحياة
يامسكين
***
شكراً حبيبتي لولاكِ
لكنت عربيداً موشومَ الذراعين
رقماً في السجون
لكنت المجونَ و الدّعارةَ
والجنون
**
شكراً لصنيعك
حين يصمتُ من حولي
أنتِ من يكلِّمني
حين أحتقر بعضي وكلِّي
أنتِ من يكرِّمني
حين يحتقنُ عقــــــــــــــــلي
ويصرعُني جهلـــــــــــــــــــــي
أنتِ وحدك من يعلّمني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق