ظلمتني وأنت مني؟؟!!


((قررت السفر إلى الأردن))
كانت تلك آخر عبارة أذكر أني قلتها و أنا أملك  حواسي
بعدها تركت والدتي كعادتها حائرة أمام تصرفاتي التي يوما لم تفهمها
مسكينة أمي
كم عانت وكم تعاني وستعاني بسببي
مع أني ما قصدت يوما أن أكون لها مصدر تعب
كل ما في الأمر أنني لم أستطع أن أكون كما تتمنى
وهي لم تستطع تقبلي كما أنا
لست أدري حتى اليوم من منا المذنبة في حق الأخرى؟؟
هي التي أنجبتني ولم تكن تريدني؟؟
أم أنا التي تحملت ما لا يطاق فقط كي أثبت لها أنني لست غلطة ارتكبتها لحظة سوء تخطيط لتدفع ثمنها ما عاشت؟؟؟
يبقى للأيام وحدها الكلمة الأخيرة في قضيتنا الشائكة....

خرجت دون وعي مني
لا أعلم إلى أين وجهتي
و لا أدرك سببا لخروجي
كل ما أعرفه جيدا أنني أحتضر
لم أكن قادرة على التنفس
همت على وجهي في طرقات بدت لي خاوية من الناس مع أنها تختنق ازدحاما بهم
لم يكن سمعي يلتقط تردد أصوات المحيط الخارجي..فصدى كلماتك لم يزل يصرخ بوحشية...
عجزت عيناي أن تتبين معالم خطوتي...فيضان أدمعي جعل الرؤية مشوشة جدا أمامي...
حواسي بأكملها كانت مشلولة...
ممنوعة من التعاطي مع العالم الخارجي...
قلبي..وآه من قلبي الذي كان ينصهر من قهري منك
والله
والله
والله
ما عرفت في حياتي وحشية هذا الألم الذي يفترسني بسببك
ولا ذقت يوما أقسى من مرارة فعلتك
كانت خناجر ظلمك المسمومة تمزقني
أنياب خذلانك  تنهشني
كلماتك الطاعنة تنغرس في أعماق روحي
أبحت هدر دمي وأنت نبض أوردتي
لله أنت كيف جعلتني أنزفك بلا رحمة؟؟؟
وبقيت جسدا على الأرض يمضي
جسدا سلبت منه الروح
حتى كدت بفضلك أخسر حتى جسدي
كانت لحظة فقط ما فصلت بين جسدي وبين تلك السيارة المسرعة
لحظة فقط وقفت بيني وبين الرحيل حيث ينبغي لي أن أكون
هناك...في أحضان أكفان أدفأ من أحضانك التي نفتني
هناك...تحت الأرض حيث لن يطالني ظلمك ولن تمسني قسوتك
لكن حتى الموت يرفضني
حتى عجلات تلك السيارة رفضت أن تلمسني
أسرعت عائدة إلى بيتي
ليتني لا أصله
ليته لا يعد موجودا
صعدت الدرج بمشقة لا توصف
قدماي ثقيلة جدا
جسدي بأكمله يؤلمني
كانت رسالتك لا تزال حيث تركتها
رائحة الظلم المنبعثة منها تملأ المكان
أحرفك كانت تنزف
أسطرك تصرخ
تستغيث
مسكينة أناملك الحبيبة
حتى هي لم تنجو من ظلمك
أعلم أنك أرغمتها على اغتيالي
أي رجل أنت يا هذا؟؟؟؟
أي جبروت تملكه لتتجرد من إنسانيتك؟؟؟
من منحك الحق في التحكم بمصيري؟؟؟
يا إلهي ما أقسى هذه الأسئلة التي تتصارع في خلاياي المشتعلة غضبا

بكل حزن حملت نعش كلماتك المغدور بها
ألقيت بجسدي على تلك الكنبة حيث كنت أجلس دوما
لكن شاسع هو الفرق بين جلسة وجلسة
بالأمس كنت أجلس هنا أكتب لك
رسائل حب
عشق
شوق
لهفة
اليوم أجلس لأقرأ منك
رسالة غدر
ظلم
خذلان
جحود

جاء صوت الهاتف بعيدا جدا
كأنه يصرخ من أعماق الأرض
بيد ترتعش تناولته
كان الاتصال من العمل
لم يكن اتصال واحد
بل هناك عشرات المكالمات لم يرد عليها
الساعة الآن تجاوزت الثامنة مساء


تذكرت!!!!
كنت أستعد للذهاب إلى عملي
كانت عقارب الساعة تعانق الرابعة مساء عندما نهضت من سريري
وضعت القهوة على النار
وبينما كنت أرتدي ملابسي وأكمل زينتي
كان صوت نجاة الصغيرة ينعش الكون بأكمله
أجريت بعض المكالمات على عجل
اتصلت بوالدتي أطمئن عليها فقد كانت مريضة
وبعدما أنهيت ما بدأته
مع أني استغرقت وقتا أطول مما اعتدت حيث كنت مأخوذة بصوت نجاة
أردد معها كلماتها الرقيقة

((ما كانش ع البال تشغل بالي...
يا روحي وتسهرني ليالي
ماكانش ع البال..
ماكانش ع البال....))

حملت فنجان القهوة لأتناوله في الصالة
أخذت أتفقد البريد الوارد لربما هناك شيء مهم
فوجدت رسالتك بين بضع رسائل ليست ذات أهمية تذكر
ربما وصول رسالة تحمل عطر أناملك أفقد بقية الرسائل أهميتها
بعدما عانقتها وقبلت كل حرف فيها
(((فكل رسالة منك تصلني هي أنت
من كثرت حبي لك عشقت كل ما له بك قرابة
كلماتك
همساتك
أصدقائك
محبيك
والله حتى ألد أعدائك عشقته لأنه فقط يعرفك)))

أخذت أقرأها بشوق ولهفة
لم تكن البسمة تفارق شفتاي يوما وأنا أقرأ حرفا ينتمي إليك
هذه المرة أضاعت البسمة طريق شفتي
لأن أحرفك تنكر انتمائها إليك
هل حقا هي لك؟؟؟!!!!
كان قلبي ينتفض مرعوبا بين أضلعي
وأنفاسي تتسارع ملتهبة حتى كدت أفقد وعيي
سرت في جسدي رعشة فظيعة
جعلت فنجان القهوة يسقط من يدي
حتى رسالتك
لم تقوى يدي على الاحتفاظ بها
كانت أثقل من أن أطيق حملها
و أقسى من أن يستوعبها عقلي




عاد رنين الهاتف من جديد ليعيدني لأرض الواقع مرة أخرى
هذه المرة كانت أمي
جاء صوتها غريب بالنسبة لي
((ناديا ما بينفع تسافري عند خالتك لأنو عندهم عزا..
سلفها ماجد مات امبارح ..اجتو جلطه مع انو صغير))
تركت الهاتف على الطاولة ونهضت ((حتى القدر يتآمر معك ضدي))
سرت نحو النافذة
أتأمل السماء
بينما ظل صوت والدتي يخرج من سماعة الهاتف
يصدح بذات العبارات التي سمعتها حتى حفظتها على مدار شهر أكتوبر الماضي
بعد رحيل كل واحد من الستة الذين رحلوا في ذاك الشهر الحزين

((شو حكاية الموت مو تارك حدا
والله لساتو صغير
ياحسرتي ع شبابو
الله يعين مرتو واولادو
يا ربي هالموت نازل حصد في العالم ومو عارف طريق ابوكي))


سماء هذه الليلة حزينة كقلبي
ليس الشتاء وحده من يضفي طابع الحزن على الحياة
فالظلم أيضا يجعل الحزن طاغي على عرش القلوب
للحزن سلطان يحكم قبضته على الروح بمرارة



قبل أربعة عشر عام من اليوم
ربما تزيد بيوم وقد تنقص عن الحساب يوم
كنت أحلق في سماء السعادة بلا قيود
وأنا في رابطة الكتاب الأردنيين في عمان
حين كنت أجلس على تلك الطاولة التي جمعتني بهم
 الشاعر عمر أبو الهيجاء على يميني
والروائي أحمد حمد النعيمي على يساري
وصحفي يدعى عثمان لا أذكر بقية اسمه يجلس على المقاعد المقابلة لنا وبجواره خالي ...
كنت مجللة بالفخر وأنا أشعر بنظرات الإعجاب المنبعثة ممن حولي بينما يستمعون لقراءتي لتلك الرواية التي كتبتها
أذهلتهم موهبتي وتحمسوا لطبع الرواية ونشرها
لم أكن أسير بل أكنت أطير في طريق عودتي إلى المنزل
لم تجدي عبارات خالي التأديبية نفعا معي
فسعادتي جعلتني في معزل عن كل السلوكيات الطبيعية وقتها
كانت تلك آخر سعادة أدركها قلبي في حياتي بأكملها
بيدين ثائرتين مزق والدي الرواية
مازلت أذكر كل حرف قذفني به
((هذا اللي كان ناقصني
انتي راح تفضحيني
بكره الناس يقولوا بنتك ماعرفت تربيها
مين يقنع الناس ان الكلام المكتوب مجرد خيال))
   في عاصفة غضبه  تلاشت محاولاتي في إقناعه أن ليس من المعقول أن يعتقد الناس أنني عشت كل حرف كتبته
  مات أغلى أحلامي أمام عيناي ...
قتل بيدي أبي فقط لأنه خاف ذوي العقول المحدودة التفكير؟؟؟!!!

يومها علمت علم اليقين أن كل حرف سيغادر أفكاري
هو بلا أدنى شك عريضة اتهام سأواجهها
أيقنت منذ قتلوا حلمي أن أحرفي ستكون السلاح الذي أقتل به
و من حينها و أنا أغذي ذخيرتهم بما يليق بموتي....



جاء نداء الهاتف للمرة الثالثة يسترجعني من أحضان الماضي
كأن هاتفي يصر على منعي من نبش الذكرى

لم أنظر لهوية المتصل
أغلقت الهاتف
لا أريد  لشيء أن يمنعني من التوغل بي
أردت التعمق في أقصى ذاتي علني أجد السبب الذي مكنك مني بهذه القوة
لكنك كما عهدتك
لا تفسير لك
لا تبرير لسطوة وجودك
لا منطق يحكم عشقي لك

أمسكت برسالتك
أعدت قراءتها
((قالوا لي.....
أتاني خبر.....
حدثوني......))!!!!!!

عجبا كل اتهاماتك مبنية على أقوال الآخرين؟؟
لم تبني حكمك على عبارة واحدة فيها ضمير المتكلم؟؟؟؟

هل أكتب إليك؟؟
هل أدافع عن نفسي ضد تلك التهم الحقيرة التي نسبتها لي دون وجه حق؟؟؟
هل أستأنف حكم الإعدام الذي أصدرته في حقي متجاهلا كل قوانين العدل والرحمة؟؟؟؟
هل أعاتبك لأنك تناسيت أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته؟؟؟
أم أعاتبك لأنك نسيت قول الله تعالى (((يا أيها اللذين امنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ))) ؟؟؟؟

لا يا من أحببت
لن أدافع عن نفسي أمامك أنت بالذات
لأن مجرد وقوفي في قضية أنت الخصم فيها والحكم هي إدانة قاطعة لي
إن كنت بكل بساطة أنكرتني وأنت أعلم الناس بي فلا عتب لي على أحد
إن مات ضميرك أنت أي صحوة ضمير أرجوها بعدك؟؟؟؟

ستعلم يوما أنك ظلمتني
ستعلم يوما أنك خذلتني
ستعلم يوما أنك قتلتني

ستندم حينها بملأ قلبك الذي سكنني
ستبكي بحرقة روحي التي أحرقتها

لا تفعل حتى وإن أيقنت ظلمك لي...
لا تحزن فحزنك يؤلمني
لا تبكي فدموعك تقهرني

والله يا أنت ما قهرني ظلمك لي بقدر ما سيقهرني وجع ندمك ذات يوم....

يا أنت...

تقول أن روحي ليست طاهرة!!
فكيف يكون ذلك وأنت الروح يا أطهر الخلق؟؟؟

تقول أن أخلاقي قناع !!!
وكرامتي خداع !!!
وحياتي ضياع !!!

بربك أخبرني إن كنت كما قلت عني فلما أنا الآن هنا وحدي؟؟
لما لم تجعلني أخلاقي الزائفة قادرة على التعايش مع قذارتهم؟؟؟
لما لم تمكنني كرامتي الوهمية من المضي في طريقهم الموحل؟؟؟
 أخبرني كيف تكون الحياة ضياع عندما تكون الجدران حدود جهاتك الأربع؟؟؟



باطلة هي تلك الأدلة التي تستند عليها عريضة اتهامك لي...
وما بني على باطل فهو باطل

يا أنت 
حكمتك في أمري فما عدلت....

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق